حرب عالمية.. 5 دول تتنافس لجذب المهاجرين من أصحاب المواهب بعد انتهاء كورونا
أمريكا كانت صاحبة نصيب الأسد من الهجرة، إلا أن الأمر لن يكون كذلك في الفترة المقبلة، بعد دخول دول جديدة حلبة المنافسة، على جذب المواهب الشابة من المهاجرين.

ترجمات – السياق
كشفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، ملامح عالم ما بعد التخلص من جائحة كورونا، مشيرة إلى منافسة وصفتها بـ«الشرسة» بين 5 دول، لاستقطاب المهاجرين من أصحاب المواهب.
ورغم أن هناك ثلاث أزمات تضرب العالم، هي جائحة كورونا وتغيُّـر المناخ، والزيادة السكانية، فإنه بمجرد التخلص من كورونا، سترتفع وتيرة الطلب على المهاجرين مرة أخرى، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إن المنافسة على المواهب ستغير سياسات الهجرة، في بلدان تحتاج إلى العمالة الماهرة، لسد النقص في بعض المهن، التي عانت بسبب فرار بعض شاغليها من التغيُّرات المناخية.
وبينما توقعت «فورين بوليسي»، أن تتخلص بعض الدولة الراغبة في جذب المهاجرين، من الشعبوية المعادية للأجانب قريبًا، لصالح «حرب شاملة» لاستقطاب المواهب الشابة، تساءلت عن الدول التي تدرك ذلك أولاً.
البطاقات الخضراء
أمريكا كانت صاحبة نصيب الأسد من الهجرة، إلا أن الأمر لن يكون كذلك في الفترة المقبلة، بعد دخول دول جديدة حلبة المنافسة، على جذب المواهب الشابة من المهاجرين.
ورغم ذلك فإن واشنطن تحاول المنافسة مجددًا، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إن الرئيس الأمريكي سمح بإنهاء حظر تأشيرة H-1B - وهي تأشيرات بكفالة من أصحاب الأعمال- فرضته إدارة ترامب، على أن يسمح للعاملين داخل منظومة H-1B بالحصول على عمل.
المسؤولون في المملكة المتحدة، اتفقوا مع بايدن في ما ذهب إليه، بل حاولوا منافسته، إذ تعهد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بمنح «أصحاب المواهب أولوية لدخول البلاد».
«بريطانيا قبلت أكثر من 35 ألف طالب أجنبي، من خارج الاتحاد الأوروبي عام 2020، بزيادة 2% عن العام السابق»، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إن وزارة الداخلية في لندن، كشفت عن مخطط جديد لذوي الإمكانات العالية، تُمنح بموجبه تأشيرات لأي أجنبي يتخرج في جامعة معترف بها، حتى من دون إثبات عرض العمل المطلوب.
وأوضحت المجلة، أنه عندما يتعلق الأمر بسياسة الهجرة، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان مجرد صورة عابرة، مشيرة إلى أن ما سيأتي بعد ذلك، سيكون أكثر إثارة للاهتمام، لأن بلدانًا جديدة بدأت تتنافس على الأفضل والألمع.
دول جديدة
«فورين بوليسي»، تساءلت عن الدول غير المعلنة، التي قد تدخل قريبًا اتحادات الهجرة الكبرى، مشيرة إلى أن كندا واليابان ستكونان أبرز عضوين ينضمان، بعد أن قدَّمتا أوراق اعتماد رائعة، بينما يظهر بلد آخر هو كازاخستان، مؤشرات على أنه سيكون إحدى مناطق الجذب الرئيسة للهجرة.
وقارنت المجلة الأمريكية، بين سياستي واشنطن وأوتاوا، فبينما تظهر الولايات المتحدة غضبًا من سياسة الهجرة، فإن جارتها الواسعة في الشمال، لديها مخاوف أقل بكثير.
وأشارت إلى أن كندا تستقبل تقريبًا عدد المهاجرين، الذين تستقطبهم أمريكا كل عام، إلا أن الأولى تطمح لأن يصل الرقم إلى 401 ألف شخص هذا العام، مؤكدة أن كندا منحت عام 2019، الإقامة الدائمة لعدد أكبر من الهنود مقارنة بالولايات المتحدة، بينما يتجاوز عدد الطلاب الأجانب في كندا 530 ألف شخص، نحو نِصف نظيره في الولايات المتحدة، ما يشير إلى ارتفاع شهية الشباب المتحمسين لزيارة أوتاوا.
وتقول «فورين بوليسي»، إنه على النقيض من الولايات المتحدة، فإن رحلة الجنسية الكندية، تبدأ بمجرد وصول الطالب إلى البلاد، التي يقدِّم خلالها برنامج تأشيرة بدء التشغيل، الذي أطلق مؤخرًا ويوفر منحًا سخية لمؤسسي شركات التكنولوجيا، للانتقال إلى كندا وإحياء أفكارهم.
سياسة اقتصادية
واعتبرت «فورين بوليسي»، أن كندا ترى أن سياسة الهجرة «اقتصادية بالأساس»، وهي وِجهة نظر تتفق عليها الأحزاب السياسية الرئيسة، إذ يتزامن تدفق المهاجرين مع تراجع مركزية النفط في الاقتصاد العالمي، ومن ثم تراهن الدولة على اقتصاد أكثر تنوعًا، يركز على التصنيع والخدمات.
وأوضحت المجلة الأمريكية، أن كندا بحاجة إلى شباب مؤهلين للعمل في شتى المجالات، خصوصًا مع ارتفاع متوسط أعمار سكانها الأصليين، مشيرة إلى أن مقاطعاتها الشرقية والبحرية تحتاج إلى صناعات جديدة من تكنولوجيا المعلومات إلى الطاقة الكهرومائية، بينما يتطلب قطاع الزراعة المزدهر بنية تحتية وشبكة ري جديدة.
وأكدت أنه مع ربط رقعة النفط والأراضي الزراعية بالأسواق العالمية، فإن الأمر يتطلب خطوط أنابيب جديدة ومساحات شاسعة، فضلًا عن شبكة جديدة من السكك الحديدية لاستخدامها في الشحن، بينما لا يوجد كنديون يمكنهم القيام بكل شيء تقريبًا.
وأشارت إلى أن التوسع السكاني من خلال الهجرة، وبدء اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، يجب أن تؤدي إلى دفع الاقتصاد الكندي إلى الأمام، ما يجذب بالتبعية المزيد من المهاجرين.
ورغم أن تكلفة المعيشة آخذة في الارتفاع، في المدن الكندية الرئيسة، الجاذبة للمهاجرين مثل تورنتو وفانكوفر، فإن كندا خصصت في ميزانية 2021 موارد أكبر بكثير لمؤسسة الرهن العقاري والإسكان الكندية، لبناء ودعم الإسكان الميسور التكلفة على الصعيد الوطني، وتوفير برامج التدريب على المهارات لمئات الآلاف من الوظائف الأخرى، ما قد يكون عامل جذب للمهاجرين، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إن أوتاوا توفر وظائف بدوام كامل، أكثر من أي اقتصاد آخر تقريبًا، في التمريض، ودعم تكنولوجيا المعلومات، وعمال المستودعات، وسائقي التوصيل، ومديري سلسلة التوريد.
ونقلت المجلة عن استطلاع لمجموعة Boston Consulting Group للمهنيين العالميين، تأكيده أن كندا تحل محل الولايات المتحدة، باعتبارها أكثر المواقع المرغوبة لإعادة التوطين.
ورغم ذلك، فإن الأمر لم يتوقف عند ذلك -بحسب المجلة- التي قالت إن كندا موطن جذب للأمريكيين أنفسهم، إذ انتقل نحو مليون أمريكي للعيش فيها، فضلًا عن أنها جاذبة للآلاف من دول أوروبا الشرقية، الذين يبحثون عن وظائف ذات مغزى، وهو ما يجدونه على أراضيها.
اليابان تدخل على الخط
المنافسة على جذب المهاجرين امتدت إلى اليابان، التي أصبحت نقطة جذب مهمة للهجرة، إذ يبلغ عدد سكانها الأجانب ما يقرب من 3 ملايين شخص (من إجمالي عدد السكان البالغ 126 مليون نسمة تقريبًا).
وقالت «فورين بوليسي»، إن نحو 80 ألفًا منهم صينيون، إضافة إلى نحو 750 ألف كوري وأكثر من 400 ألف فيتنامي، فضلًا عن عشرات الآلاف من الهنود والنيباليين، الذين يعملون في جميع أنحاء البلاد، من مواقع البناء إلى المتاجر الصغيرة.
وأوضحت المجلة الأمريكية، أنه مع نقص المهارات الحاد، في العديد من القطاعات اليابانية، يمثل الأجانب 40% من صافي مكاسب العمال في جميع أنحاء البلاد، ومع ذلك لا تزال البطالة قريبة من 3%، مشيرة إلى أنه كما هو الحال مع كندا، فإن الوظائف التي تم إنشاؤها في اليابان، ليست فقط في اقتصاد الوظائف المؤقتة، لكنها أيضًا وظائف ذات رواتب بدوام كامل.
وتابعت «فورين بوليسي»: طالما كانت اليابان الطفل المدلل للانحدار الديموغرافي، نظرًا لكونها من أدنى معدلات الخصوبة في العالم، مع تزايد أعداد البالغين عن الأطفال، مشيرة إلى أنه نتيجة لذلك تم التخلي عن أكثر من 13% من المنازل في اليابان، وهو مخزون من المساكن الشاغرة ينمو يوميًا مع وفاة كبار السن وانتقال الشباب إلى مدن أكبر.
وأوضحت، أن عمليات الإغلاق التي فرضها فيروس كورونا على اليابان، دفعت نحو 1.1 مليون شخص، خاصة الشباب، إلى الانسحاب تدريجيًا من الحياة العملية، والعيش في عزلة ذاتية شديدة، وتجنُّب العمل والمدرسة والتفاعلات الاجتماعية تقريبًا، ما أدى إلى تراجع أسعار العملة المحلية (الين)، وارتفاع نسبة الدين المحلي الإجمالي لليابان التي تبلغ 234% في سابقة عالميًا.
تلك المؤشرات، دفعت اليابان إلى الاستثمار في نهضة عالية التقنية، سواء في الذكاء الاصطناعي والروبوتات أو الطاقة الهيدروجينية، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إن طوكيو تبنت في الخطة الأساسية السادسة للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، حيث خصصت ما يقرب من 300 مليار دولار للبحث والتطوير، في مجال الرعاية الصحية والتمويل واللوجستيات والبنية التحتية.
التجربة الكازاخستانية
كازاخستان أحدث المنضمين إلى اتحادات الهجرة الكبرى نظريًا، إلا أنها أصبحت نقطة الجذب الديموغرافية الرئيسة في المنطقة، بسبب موقعها المركزي، الذي يجعلها وِجهة رئيسة لأولئك الفارين من الاضطرابات المحيطة بها.
وأوضحت «فورين بوليسي»، أن مئات الآلاف من الأويغور لجأوا إلى كازاخستان، هربًا من الاضطهاد في الصين، فضلًا عن أن آلاف الإيرانيين أيضًا، غير القادرين على دخول الولايات المتحدة أو أوروبا أو الإمارات العربية المتحدة شرقاً، والأفغان الفارين من جحيم طالبان، وجدوا كازاخستان موقعًا مميزًا للإقامة والعمل.
وعن التجربة الكازاخسانية، قالت "فورين بوليسي": خلال 30 عامًا منذ استقلالها، أصبحت كازاخستان بوابة لوجستية رئيسة عبر أوراسيا، حيث تعبر قطارات الشحن عالية السرعة من الصين إلى أوروبا، بينما وصفت عاصمتها نور سلطان (أستانا سابقًا) التي تضم جامعات حديثة ومواقع معمارية رائعة، مثل أجنحة معرض إكسبو الدولي 2017، نفسها بأنها المركز المالي للمنطقة.
ورغم فصول الشتاء الباردة والثلجية، فإن كازاخستان يمكن أن تكون من واحات المناخ الحقيقية في العالم، وهو ما يعد عامل جذب للمهاجرين، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إنه بدلاً من تصدير المهنيين إلى روسيا وأماكن أخرى، أصبحت كازاخستان نقطة الجذب الديموغرافية الرئيسة في المنطقة.
وبينما تحتدم المنافسة على المواهب، التي ستدفع الدول إلى تغيير سياسات الهجرة، بقدر الحاجة الأساسية للتوازن الديموغرافي، في سباق سيربح من خلاله كثيرون ويخسر آخرون، تقول «فورين بوليسي»، إن الاقتصاد العالمي والإنسانية سيكونان لاشك أكثر ثراءً.