أوروبا تكافح للبقاء موحدة بشأن الحرب في أوكرانيا

بالنسبة للسياسيين في أوروبا، فإن الخطر يكمن في أن الحالة المزاجية قد تتغير عاجلاً وليس آجلاً

أوروبا تكافح للبقاء موحدة بشأن الحرب في أوكرانيا

ترجمات - السياق

أظهر الاتحاد الأوروبي تضامنه مع كييف، لكن في مواجهة التضخم وأزمة تكلفة المعيشة وترشيد الطاقة المحتمل، يواجه القادة اختبارًا صعبًا.

مارليس جاكوب، واحدة من عشرات الألمان العاديين، الذين شاركوا في برنامج عبر الهاتف بإذاعة دويتشلاند فونك -الأسبوع الماضي- عن العقوبات المفروضة على روسيا. 

وبحسب تقرير في "فايننشال تايمز" يجب أن يثير تدخلها قلق صانعي السياسة من باريس وبروكسل إلى برلين.

 قالت جاكوب إنها مستعدة للاستحمام بالماء البارد وارتداء ثلاث سترات في الشتاء، إذا كان ذلك سيوقف الحرب الروسية ضد أوكرانيا، لكنها أصرت على أن "العكس هو الصحيح" مضيفة: "بسبب العقوبات، الأسعار آخذة في الارتفاع وروسيا تدخل أكثر في الحرب".

وتضيف الصحيفة أن مارليس لم تكن الوحيدة التي تتبنى هذا الرأي.  قال أحد المستمعين ويدعى فيرنر باور، إن الناس قد يؤيدون الإجراءات العقابية ضد موسكو في الوقت الحالي، لكن بمجرد ارتفاع أسعار الطاقة ستتغير "الحالة المزاجية تمامًا".

"فايننشال تايمز" ذكرت أنه بالنسبة للسياسيين في أوروبا، فإن الخطر يكمن في أن الحالة المزاجية قد تتغير عاجلاً وليس آجلاً.  حيث قفزت أسعار الغاز بنسبة 20 في المئة هذا الأسبوع، بعد أن كثفت روسيا ضغطها على أوروبا في مجال الطاقة، حيث خفضت شركة غازبروم، التي يسيطر عليها الكرملين، الإمدادات من خلال نورد ستريم 1، خط الأنابيب المهم الذي يربط روسيا بألمانيا ، وتصاعدت المخاوف من أن أوروبا قد تتجه نحو أزمة طاقة هذا الشتاء، أزمة قد تسبب ألمًا كبيرًا للمستهلكين، ما يؤدي إلى زيادة التكاليف  للصناعة ودفع أوروبا إلى الركود.

وأظهر الاتحاد الأوروبي جبهة موحدة منذ بدء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير، لكن قادة أوروبا، الذين أُجبروا على مواجهة التضخم المتصاعد، وأزمة تكاليف المعيشة، والآفاق الحقيقية لترشيد الطاقة في أعماق الشتاء، يواجهون اختبارًا شاقًا، فهل يمكنهم الاستمرار بالصمود في مواجهة العدوان الروسي؟  أم أن تضامنهم سينهار حيث يجبرهم رد المستهلك الغاضب على تخفيف عدائهم لموسكو؟

يقول الخبراء إنه في خنق إمدادات الغاز، فإن حسابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسيطة: كلما زاد الألم الذي يلحقه ضغط الطاقة الذي يمارسه على الشركات والمستهلكين الأوروبيين، زاد الضغط على قادة الاتحاد الأوروبي لتخفيف عقوباتهم ضد روسيا.

في الواقع، أصبح من الواضح -بشكل متزايد- أن استعداد موسكو لتسليح صادراتها من الطاقة سوف يلحق ضرراً حقيقياً بأوروبا. 

وحتى الآن،  لا توجد مؤشرات على تغيير في الموقف بأوكرانيا، سواء في أروقة السلطة، أم بين الأوروبيين بشكل عام.

وأظهر استطلاع حديث في ألمانيا -على سبيل المثال- أن 70 في المئة من المستطلعين يريدون أن تواصل حكومة المستشار أولاف شولتز دعم أوكرانيا، حتى لو أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الطاقة.

في غضون ذلك، يحث قادة الاتحاد الأوروبي الناخبين على إظهار ما وصفه جوزيب بوريل، المفوض الأوروبي للشؤون الخارجية والأمنية، بـ "الصبر الاستراتيجي". 

وكتب مؤخرًا في إحدى المدونات: "ستكون الحرب طويلة وسيستمر اختبار القوة"، لكنه أضاف: "ليس لدينا خيار آخر، السماح لروسيا بالانتصار يعني السماح لها بتدمير ديمقراطياتنا وأساس النظام العالمي القائم على القواعد الدولية".

ولفتت الصحيفة إلى أنه يتم الترويج لهذه التحذيرات ورسائل أخرى  -تستهدف المتشككين مثل جاكوب وباور- تفيد بأن العقوبات تؤتي ثمارها، وأن الاقتصاد الروسي يعاني بالفعل.

ويقول الاقتصاديون: في حين أنه من الصحيح أن الروبل قد تعافى من انخفاضه بعد الغزو، فقد انخفضت أسعار الفائدة إلى مستويات ما قبل الحرب وارتفعت عائدات النفط والغاز الروسية هذا العام، إلا أن العقوبات تعني أنه لا يمكنها استخدام العملات الأجنبية التي اكتسبها لشراء الواردات عالية التقنية، التي تحتاجها للحفاظ على استمرارية صناعتها. 

ويقول مسؤولون أمريكيون إن قدرة الجيش الروسي على إنتاج دبابات جديدة وصواريخ موجهة تأثرت أيضًا، ما قوَّض جهود موسكو  الحربية.

 كما يرفض مسؤولو الاتحاد الأوروبي بشدة أي إشارة إلى أن للعقوبات تأثيرًا ضارًا في الاقتصاد الأوروبي أكثر من تأثيره في روسيا.  يقول فالديس دومبروفسكيس، نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية: بينما لا تزال بروكسل تتوقع نموًا بنسبة 2.7 في المئة بالاتحاد الأوروبي هذا العام، يتوقع الاقتصاديون أن تخسر روسيا عُشر إنتاجها في الفترة نفسها.

وأكد تحليل لفريق من الخبراء في جامعة ييل، بقيادة جيفري سونينفيلد، أن روسيا تتعرض لضربة، وخلص إلى أن التراجعات والعقوبات التجارية "أصابت الاقتصاد الروسي بالشلل بشكل كارثي".

 ووجدوا أن وارداتها "انهارت إلى حد كبير" وواجهت "تحديات جسيمة في تأمين المدخلات والأجزاء والتكنولوجيا الحاسمة من شركاء تجاريين مترددين"، ما أدى إلى نقص كبير في الإمدادات.

وخلص المؤلفان إلى أنه "بالنظر إلى المستقبل، لا يوجد طريق للخروج من النسيان الاقتصادي لروسيا، طالما ظلت الدول الحليفة موحدة في الحفاظ على ضغوط العقوبات ضد روسيا وزيادتها".

لكن الحفاظ على هذه الوحدة، مع بدء التأثير الاقتصادي لعقوبات الطاقة قد يكون صعبًا. 

البعض -مثل جينس كوبين، النائب الديمقراطي المسيحي من ألمانيا- يطالب بإعادة التفكير ، فدائرته الانتخابية موطن لمصفاة نفط شويدت، التي ستكون من أكبر ضحايا الحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على النفط الروسي، الذي يدخل حيز التنفيذ نهاية هذا العام.

وفي هذا السياق قال شولز إن العقوبات ينبغي ألا تؤذينا أكثر مما تؤذي الروس، لكن هذا بالتحديد ما يفعله الحظر النفطي.

بالنسبة لشويت، قد يضطر إلى مواجهة خسائر فادحة في الوظائف ونقص الديزل والبنزين في جميع أنحاء المنطقة، وستتأثر محلات السوبر ماركت والمستشفيات ومواقع البناء -حتى مطار برلين الدولي- سوف ينفد منه  الوقود. 

يقول كوبين: "سنرى القمامة تتراكم في الشوارع وتصطف الطوابير في محطات الوقود، سوف تتوقف الحياة".

في المقابل تضيف "فايننشال تايمز": هناك من يرفض التنبؤات كنوع من  إثارة الذعر. ومع ذلك، حتى لو لم تتحقق، فإن الدعم الألماني لأوكرانيا قد يتآكل، كما يقول أندري ميلنيك، سفير أوكرانيا المنتهية ولايته في ألمانيا... "يكمن الخطر في أن الاستعداد الحالي لمساعدة كييف قد يتلاشى بمرور الوقت، فكلما زاد قلق الناس من ارتفاع تكاليف المعيشة، وكيفية تدفئتهم لمنازلهم، قل تضامنهم مع أوكرانيا".

ويضيف أن ذلك لن يكون جديدًا، فعام 2014، هيمن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والصراع الذي أشعلته في منطقة دونباس الشرقية بأوكرانيا، على السياسة الدولية لأشهر. 

ويقول: "لكن تجربتي المريرة في برلين كانت أن الاهتمام بكليهما بدأ يتضاءل". 

 في بروكسل، يرفض المسؤولون بحزم أي إشارة إلى تآكل الوحدة الأوروبية. بعد دفع ست جولات من العقوبات منذ الغزو.

ورغم أن الألم الاقتصادي الذي تشعر به الدول الأعضاء "حتى الآن لا أرى أي دفعة لإضعاف العقوبات على الإطلاق"، كما يقول أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي.

هذا هو الرأي في برلين أيضًا...  يقول أحد كبار المسؤولين الألمان: "كل يوم نقترب من أزمة طاقة، وبالتأكيد، يمكن أن يتغير المزاج، لكنني واثق بقدرتنا المالية على تخفيف الآثار، وأنا واثق بأن جهودنا لتنويع مصادر الطاقة لدينا ستؤتي ثمارها. يعرف جزء كبير من السكان أن لدينا استراتيجية".

يتذكر باولو جينتيلوني، مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، الصعوبة التي واجهتها الدول الأعضاء في تحقيق ما كان بالمقارنة "بمبادرات محدودة للغاية" ضد روسيا ردًا على ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، عندما كان وزير خارجية إيطاليا.

كان رد الفعل هذه المرة "مثيرًا للإعجاب من حيث السرعة والتضامن وحجم العقوبات"، في حين أنه من غير النزيه القول إن العقوبات لن تكون لها تكلفة على الاقتصاد الأوروبي، إلا أنه لا يزال يرى "مستوى جيدًا جدًا من الوحدة" بين مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي.

 ومع ذلك، هناك بعض الدلائل على أن هذه الوحدة، في الطاقة على الأقل، ليست صلبة كالسفر.

 أعلن الاتحاد الأوروبي -هذا الأسبوع- خططًا لخفض استهلاك الغاز بنسبة 15 في المئة، لكن الصفقة تمت بإعفاءات تفاوضت عليها الدول الأعضاء.

 ففي حين صمدت المجر أسابيع ضد الحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على النفط الروسي، تخلت عن مقاومتها بعد فوزها بواردات النفط الخام الروسي، عبر خط أنابيب دروجبا.

 وأصرت بودابست على الحفاظ على علاقات عملية مع موسكو، وسافر وزير خارجيتها بيتر سيجارتو  إلى العاصمة الروسية للقاء نظيره سيرجي لافروف، لطلب إمدادات غاز إضافية.

كما سيراقب الدبلوماسيون إيطاليا، بحثًا عن دلائل على تآكل عزيمة روما نحو  العقوبات، ففي عهد رئيس الوزراء السابق ماريو دراجي، الذي استقال بشكل غير متوقع، اتخذت إيطاليا موقفًا متشددًا من الغزو الروسي، ودعمت بشدة الإجراءات العقابية الغربية، لكن هذا يمكن أن يتغير الآن.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الحكومة الجديدة، التي سيتم تشكيلها بعد انتخابات مبكرة في 25 سبتمبر، يمكن أن تكون ائتلافًا يميني، بقيادة جيورجيا ميلوني، ورابطة ماتيو سالفيني وفورزا إيطاليا، بقيادة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني. 

ورغم أن ميلوني دعمت موقف دراجي بشأن روسيا، إلا أن سالفيني وبرلسكوني من عشاق بوتين منذ فترة طويلة، وقد كانا غير مرتاحين لكيفية خروج رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق عن تعاطف روما التقليدي مع موسكو.

وذكرت وسائل الإعلام الإيطالية -أوائل مارس- أن برلسكوني -الذي حافظ على علاقات حميمة ببوتين بعد مغادرته منصبه- أخبر أعضاء حزبه بأن العقوبات الصارمة ستدفع موسكو إلى أحضان الصين، بينما تؤدي إلى فقدان الوظائف في إيطاليا. 

في غضون ذلك، وصف سالفيني العقوبات الاقتصادية الغربية، التي فُرضت بعد غزو القرم بأنها "جنون".

يقول ستيفانو ستيفانيني، سفير إيطاليا السابق لدى الناتو: "إذا كانت لدينا حكومة يمين وسط، سيكون هناك موقف أكثر تصالحًا مع روسيا".

 لكن آخرين، مثل ماكس بيرجمان، مدير أوروبا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أكدوا أنهم واثقون بأن الاتحاد الأوروبي سيظل متشددًا مع روسيا.

 وقال: "هناك افتراض بأن أوروبا ضعيفة ومنقسمة، وهذا ليس الحال، مرارًا وتكرارًا، شكك الناس في وحدة أوروبا، لكنها واجهت التحدي".