هل الدور على الصين للوقوع في فخ أفغانستان؟

بكين مستعدة للمشاركة، لكنها لا تريد أن تأخذ الدور الرئيس.

هل الدور على الصين للوقوع في فخ أفغانستان؟

ترجمات-السياق

ظلت الصين، على مدى عقود، تشعر بالقلق بشأن الوضع الأمني في أفغانستان، إذ تشترك بكين وكابل في حدود نائية، لكنها مباشرة، كما أنه حتى قبل استيلاء حركة طالبان على السلطة في أغسطس 2021، فإن العنف المتزايد في المنطقة الأوسع سبب وجيه لشعور بكين بالقلق، حسب مجلة فورين بوليسي الأمريكية.

وقالت المجلة، في تحليل لرافايلو بانتوتشي، الزميل أول في معهد رويال يونايتد سيرفيس البريطاني: رغم هذه المخاوف، فإن نهج الصين تجاه جارتها، يتمثل في العمل كمراقب للأوضاع هناك، مع ترك المسائل الأمنية للولايات المتحدة وحلفائها، وهو ما تغير عام 2012، بعدما أشار الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت باراك أوباما إلى أنه يريد إخراج واشنطن من الصراع الذي ورثته إدارته، و في أعقاب الفراغ الأمني الذي خلفه تقليص الوجود الغربي، أدركت بكين أن عليها أن تلعب دوراً في خلق مستقبل أكثر استقراراً وتطوراً لأفغانستان، لكن حتى الآن، بعد تصاعد المخاوف الأمنية مرة أخرى عقب انسحاب الولايات المتحدة عام 2021، فإن الصين لم تقم بهذا الدور.

وتابعت: "رغم أن بكين اتخذت دوراً بارزاً في كابل، بشكل لا يمكن إنكاره، أكثر من أي وقت مضى، فإنها واصلت التحوط في رهاناتها، ورفضت تولي دور قيادي في البلاد، فشهد العقد الماضي تحولاً واضحاً، لكنه تدريجي في نهج الصين، من عدم الاهتمام إلى المشاركة المتزايدة في أفغانستان".

وأشارت المجلة إلى أن العنصر الأكثر وضوحاً في الاهتمام الصيني الجديد بأفغانستان، زيارة عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، المسؤول الأمني ​​الأبرز في بكين تشو يونغ كانغ إلى كابل في سبتمبر 2012، في أول زيارة لمسؤول صيني على مستوى المكتب السياسي للحزب إلى أفغانستان منذ عام 1966.

وأضافت: "ولكن حتى في وقت سابق من ذلك العام، كانت الصين تسعى إلى تعزيز الدبلوماسية مع أفغانستان وباكستان، ففي فبراير 2012، استضافت بكين أول حوار ثلاثي بين أفغانستان والصين وباكستان، وبعد ذلك بدأت وزارة الخارجية الصينية ووزارة الخارجية الأمريكية، في مايو 2012، برنامجاً تدريبياً مشتركاً للدبلوماسيين الأفغان، إذ حصلت مجموعة من عشرات الدبلوماسيين الشباب على تدريب لمدة 15 يوماً في بكين، تلاها تدريب آخر لمدة 15 يوماً في واشنطن".

ورأت المجلة أنه في ذلك الوقت بدت الإشارات الصينية واضحة، إذ إنه مع اقتراب واشنطن من الانسحاب من كابل، كان على الصين أن تتدخل بشكل أكبر، رغم أن مدى هذا التدخل لم يكن واضحاً، لافتة إلى أن هذا التغيير في النشاط الصيني تم تقويضه، لأن واشنطن لم تغادر البلاد، إذ إن أوباما لم يسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، ورغم تقلص وجودها بشكل كبير، فإن الولايات المتحدة احتفظت بالقدرة على شن هجمات وبقواعدها في البلاد.

في غضون ذلك، ازدادت المخاوف الأمنية داخل الصين، وعندما أصبح أشرف غني رئيساً لأفغانستان في سبتمبر 2014، أشار على الفور إلى الأهمية التي يوليها للعلاقة مع الصين، من خلال جعل بكين أول عاصمة يزورها في أول رحلة رسمية له إلى الخارج، وخلال هذه الزيارة، وضع غني الأساس لمفاوضات سلام رسمية مع طالبان، في اجتماع استضافته الحكومة الصينية، حسب المجلة.

ووفقاً لـ"فورين بوليسي"، فإن مسار السلام هذا الذي كان مدعوماً من الصين بدا أنه يؤتي ثماره، حتى أواخر يوليو 2015 عندما تسربت أنباء تفيد بأن زعيم "طالبان" في ذلك الوقت، المُلا عمر، توفي عام 2013، الإعلان الذي أدى إلى إفشال المناقشات ووضع الحركة في حالة من الفوضى، مع صراع داخلي على هوية مَن سيخلفه، كما أنه أدى إلى تعقيد دور الصين في البلاد، حيث لم يكن من الواضح مع مَن ستتعامل بكين من جانب طالبان.

وذكرت المجلة أنه في ذلك الوقت، كانت هناك اتهامات متبادلة بين إسلام أباد وكابل، لكن النتيجة النهائية كانت تصعيداً في العنف جعل من الصعب على الحكومة الأفغانية التفاوض بثقة، أو أن تشعر بكين بأنها تستطيع فعل الكثير، ولذا فقد عاد المسؤولون الصينيون إلى القول إن الأمر متروك للولايات المتحدة لدعم الحكومة الأفغانية، وأشاروا كذلك إلى أنه ما لم يكن هناك مزيد من الوضوح بشأن اسم مفاوض طالبان، فإنه من غير المرجح أن تثمر المحادثات كثيراً.

وقالت المجلة: يبدو أن الصين حافظت في ذلك الوقت على اتصالاتها مع طالبان، إذ كان لبكين تاريخ طويل من الاتصالات مع الحركة، يعود إلى الوقت الذي كانت فيه الأخيرة بالسلطة في كابل قبل سبتمبر 2001، حيث إنه في ذلك الوقت كانت الصين من الدول القليلة التي تعاملت مع طالبان.

وأضافت المجلة أنه بدا في الأيام الأولى أن الصين تركز مناقشاتها على ضمان عدم امتداد أي مشكلة في أفغانستان إلى أراضيها، وأن تحافظ طالبان على سيطرتها على مجموعات الأويغور، وعام 2015، بدا الأمر كما لو أن بكين قررت استخدام اتصالاتها مع طالبان للمساعدة في حماية مصالحها طويلة المدى في البلاد، ورغم أن العلاقات بين الصين وأفغانستان استمرت قوية نسبياً خلال السنوات التالية، فإنه في الأيام الأخيرة لحكومة غني، كان هناك اضطراب متزايد بين البلدين، وكانت الإشارة الأولى الأوضح على تلك المشكلات، القرار الأمريكي في نوفمبر 2020 بشطب حركة تركستان الشرقية أو الحزب "الإسلامي التركستاني" من قائمة المنظمات الإرهابية، وهو  ما سبب في خلافات بين بكين وكابول.

وتابعت: "ثم تم الكشف عن أن العلاقات المتعلقة بمكافحة الإرهاب بين الصين وأفغانستان، تعرضت للتوتر أيضاً، حيث أوقفت الأخيرة إعادة تسليم مقاتلي الأويغور، الذين كانت تلقي القبض عليهم في ساحة المعركة، إلى بلادهم، وتم الكشف عن ذلك عندما ظهرت أخبار في أعقاب سقوط كابل، عن إطلاق سراح نحو 30 أو أكثر من الأويغور الذين كانوا رهن الاحتجاز بعدما أفرغت طالبان سجون البلاد".

ورأت المجلة أن هذا الحدث كشف عدة أشياء، إذ إنه من ناحية أظهر كيف انهارت العلاقة بين كابل وبكين، لكنه كان أيضاً مؤشراً مبكراً على افتقار طالبان إلى القدرة أو الرغبة في التعامل مع مشكلة الأويغور في أفغانستان حسب رغبة الجارة الصين.

وأضافت: "لا يوجد هناك مَن ينكر أن الصين تتمتع بدور بارز في أفغانستان التي تحكمها طالبان حالياً، إذ كانت السفارة الصينية من القلائل التي بقيت بعد سيطرة الحركة على الحكم في أغسطس الماضي، ويُقال إن عدداً من رجال الأعمال الصينيين حضروا إلى البلاد لبدء مشاريع جديدة، كما دخلت بكين في العديد من المناقشات الإقليمية بشأن أفغانستان، ورعت بعض الجهود التجارية الثنائية وقدَّمت بعض المساعدات في جميع أنحاء البلاد، فضلاً عن حديث الشركات الصينية المملوكة للدولة عن استئناف مشاريعها هناك، إذ فعلت الصين كل شيء ممكن، باستثناء الاعتراف رسمياً بطالبان كحكام لأفغانستان، وهي خطوة من غير المرجح أن تتخذها حتى ترى الآخرين في المجتمع الدولي يفعلون ذلك أولاً".

ونهاية التحليل، رأت المجلة أنه صحيح أن الصين لا تزال قلقة بشأن مصالحها الأمنية في أفغانستان، لكن يبدو أن تعاملها مع هذه المخاوف سيكون -كما كان- عن طريق عزل نفسها إلى حد كبير، وتشديد حدودها، قائلة: "بكين مستعدة للمشاركة، لكنها لا تريد أن تأخذ الدور الرئيس، فمن المؤكد أنها تفعل أكثر مما فعلت، لكن من الواضح أنها لن تتولى دوراً قيادياً، ورغم أنها تمتلك الإمكانات لتكون لاعباً مهيمناً في كابل، يبدو أنها اتخذت قراراً استراتيجياً بالاكتفاء بمواصلة مراقبة الوضع من الخطوط الجانبية".