لماذا يستهدف الإرهابيون الصين في باكستان؟
الزيادة المفاجئة في الهجمات الإرهابية على الصينيين والمشاريع في باكستان، تؤكد كيف يتطور التشدُّد المناهض للصين، على خلفية الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

ترجمات - السياق
"مع القوة الكبيرة تأتي المسؤوليات الكبيرة أيضاً، لكن يبدو أن هذه القوة الكبيرة تثير أيضاً الغضب والأعداء".. هكذا استهلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية تحليلها، الذي تساءلت فيه عن أسباب استهداف الإرهابيين للصين في باكستان.
وقالت المجلة، في تحليل نشرته السبت: يبدو أن الصين أدركت ذلك في وقت متأخر، الأمر الذي يثير استياءها بشكل كبير في باكستان، إذ تواجه مشاريعها الاستثمارية تعقيدات كبيرة، كما يتم استهداف مواطنيها ومنشآتها بشكل متزايد، من المنظمات الإرهابية المحلية، مثل حركة "تحريك طالبان باكستان"، والانفصاليين في بلوشستان والسند.
مرمى الإرهابيين
وأضافت المجلة: طالما كانت الصين في مرمى الإرهابيين الباكستانيين، إلا أن وتيرة الهجمات آخذة في الارتفاع، في الآونة الأخيرة.
وتابعت: يبدو أن باكستان أصبحت نموذجاً مصغَّراً لواقع أكبر، يتعين على بكين مواجهته عالمياً، وهو أنها عندما تصبح قوة عالمية على المسرح الدولي، فإنها ستثير غضب المنظمات الإرهابية، كما يبدو استعداد الصين للتعامل مع طالبان، وكأنه محاولة لاستباق مثل هذه المشكلات في أفغانستان الجديدة، إلا أن التاريخ يظهر أن هذه مقامرة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لبكين.
وأوضحت المجلة أن الصين حاولت إبرام صفقة مع طالبان، قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 لحملها على فِعل شيء، حيال الأويجور التي لاحظ الصينيون تجمعهم في أفغانستان، لكن من غير الواضح أن الحركة فعلت أي شيء، حيال تلك الجماعات.
ورأت المجلة، أنه من المتوقَّع ألا تختلف الصفقة الجديدة، التي أبرمتها بكين وطالبان عن سابقتها، لكن هناك الآن سؤالًا إضافيًا عن العدد الكبير من الصينيين الموجودين في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك رواد الأعمال.
وتساءلت المجلة: مَنْ يضمن سلامة هؤلاء الصينيين الموجودين في كابل، الذين قد لا يلتزمون بقوانين الشريعة، التي تفرضها طالبان، كما أن هذه الصفقة الجديدة، لن تساعد بكين في التغلب على المشكلة الأكبر المتمثِّلة في الأعداء الحتميين، الذين جذبتهم بمجرَّد حصولها على مكانة القوة العظمى.
ابن لادن والصين
هناك مجموعة متزايدة من الجهات الفاعلة، مسؤولة عن القائمة القاتمة من الحوادث، التي واجهتها الصين مؤخراً في باكستان، وهو ما قالت إنه يسلِّط الضوء على الطبيعة المتصاعدة، للمشكلة التي تواجهها الصين في إسلام أباد، بحسب المجلة.
وتابعت: الزيادة المفاجئة في الهجمات الإرهابية على الصينيين والمشاريع في باكستان، تؤكد كيف يتطور التشدُّد المناهض للصين، على خلفية الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
وأضافت المجلة: من المحتمل أن تعمل الصين على تطوير علاقتها بطالبان، جزئياً، للتخفيف من هذه المخاوف، مؤكدة أن المشكلة أكبر بكثير مما يمكن لقادة طالبان السيطرة عليها.
وأوضحت المجلة، أن المجتمع الجهادي كان متناقضاً إلى حد ما بشأن الصين، إذ نُقل عن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن قوله، قبل 11 سبتمبر، إن بكين يمكن أن تكون حليفاً استراتيجياً للمجتمع الجهادي، نظراً لعدائها للولايات المتحدة.
ولكن في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى الصين على أنها دولة نامية، إلا أنها الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأصبحت الفاعل الأكثر أهمية في الجوار الأفغاني، الأمر الذي يغيِّـر النظرة السائدة لبكين، لكنه يجلب معه التوترات، وفقاً للمجلة.
حاجز أمني
ورأت المجلة، أن هذه التوترات تتجلى بشكل واضح في باكستان، فرغم أن بكين وإسلام أباد صديقتان حميمتان وشريكتان استراتيجيتان، فإن باكستان كانت موقعاً لأكبر عدد من الهجمات الإرهابية ضد الصينيين.
ولفتت المجلة، إلى أنه من الممكن أن يصبح هذا الوضع أسوأ بالنسبة لبكين، قائلة إنه على مدى العقدين الماضيين، أبقى الوجود الأميركي في أفغانستان، التهديد الإرهابي من تلك الدولة تحت السيطرة، ما يعني أن الصين لم تكن بحاجة إلى الانشغال بالتحديات الأمنية هناك، لكن مع خروج الولايات المتحدة، تلاشى هذا الحاجز الأمني.
غضب الجهاديين
وفقاً لمجلة فورين بوليسي، سعت الصين إلى تعزيز دفاعاتها المباشرة مع أفغانستان، من خلال بناء قواعد وتقديم الدعم للقوات الطاجيكية والباكستانية على جانبي ممر واخان، إلى جانب قواعدها المباشرة في طاجيكستان وقواعد لقوات الحكومة الأفغانية السابقة في بدخشان، وهي القواعد التي بات وضعها الحالي غير معروف، لكن من المفترض أنها تحت سيطرة طالبان.
وأشارت المجلة، إلى إمكانية تفاقم مشكلة الصين، فبينما كانت الولايات المتحدة، الطرف المتلقي للهجمات الجهادية، بسبب تدخلها في أفغانستان، ولما كان يُنظر إليه على أنه حملة صليبية أوسع ضد المسلمين، نتيجة للحرب العالمية على الإرهاب، فإن الصين تواجه غضب الجماعات الجهادية والانفصالية العِرقية في المنطقة.
ولفتت المجلة، إلى أنه صحيح أن الجماعات الجهادية، كانت أقل تركيزًا في غضبها تجاه الصين، حيث استمرت في رؤية الولايات المتحدة والغرب، على أنهما الخصمان الخارجيان الأساسيان، لكن في الوقت نفسه، هناك زيادة ملموسة في الدعاية الموجَّهة ضد الصين، التي غالباً ما ترتبط باضطهاد بكين لمجتمع الأويجور، المسلم المحاصر في منطقة شينجيانج الصينية.
خطر كبير
وقالت "فورين بوليسي": طالما كانت شينجيانج نقطة نقاش للمجتمع الجهادي العالمي، إلا أن هذا المجتمع لم يخصِّص موارد لفعل أي شيء في المنطقة، مضيفة أنه في حين لا يزال من غير الواضح أن هذا الوضع تغيَّـر، إلا أن الملاحظ أن الوضع يزداد حدة، وأن قضية الأويجور لم تعد هامشية كما كانت، إذ تتم الإشادة بانتظام بمقاتلي الأويجور من الفصائل الجهادية الأخرى، لشجاعتهم في معركتهم مع الصين.
ورأت المجلة، أن مشكلة بكين تكمن في أن الأهداف الصينية في باكستان (وأفغانستان وخارجها) ستصبح جذابة بشكل متزايد في الفترة المقبلة، وهو ما يرجع، جزئياً، للوجود المتزايد للصين وتحالفها مع حكومة إسلام أباد، التي لديها عدد كبير من الأعداء على الأرض، وأيضاً بسبب الأهمية المتزايدة للصين، على المستوى العالمي.
وقالت "فورين بوليسي": نهاية المطاف، تسعى الجماعات الإرهابية إلى إيصال رسالة سياسية، للفت الانتباه إلى قضيتها، كما أنها تستخدم أعمال العنف كأداة لتحقيق ذلك، إذ يساعد كل هجوم في الترويج لرسالتهم، وتجنيد عدد جديد من المقاتلين، وجمع الأموال.
ومن خلال استهداف الصين، التي هي الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإن الجهاديين والانفصاليين العِرقيين والجماعات الإرهابية الأخرى، يضمنون الحصول على الاهتمام بشكل متزايد، بينما تكتشف الصين، أن التحول إلى قوة عظمى، ينطوي أيضاً على مخاطر كبيرة.