كيف أسهم الاستعمار الغربي في عدم وجود موقف دولي موحد ضد روسيا؟

المستعمرات الإفريقية قدمت مئات الآلاف من القوات والدعم الاقتصادي الذي لا يقدر بثمن، قهرًا للأوروبيين خلال الحرب العالمية الأولى

كيف أسهم الاستعمار الغربي في عدم وجود موقف دولي موحد ضد روسيا؟

السياق

الحرب الروسية الأوكرانية تدخل شهرها الثالث، وسط عمليات تدمير واسعة، لم يسبق لها مثيل، في المقابل وعلى عكس المتوقع -غربيًا- فإن القوى العالمية والمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، لم تتحد بشكل فعلي ضد روسيا.

من هذا المنطلق قالت مجلة فورين بولسي الأمريكية، في تحليل لهوارد دبليو فرينش، الأستاذ بكلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا: بينما يحوِّل جيش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المدن الأوكرانية -واحدة تلو الأخرى- إلى أنقاض، ويسحق المدنيين المحاصرين في المباني السكنية ومراكز التسوق تحت نيران المدفعية والصواريخ، يتحسر العديد من المراقبين في العالم الغني، على الخلل الوظيفي للأمم المتحدة، لعدم قدرتها على التدخل وإيقاف ما يحدث.

وأشارت إلى أن الحائل، الذي يقف أمام معاقبة روسيا، أنها من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعلى هذا النحو، تتمتع بحق النقض (الفيتو)، ما يسمح لها بمنع أي إجراء لا توافق عليه.

إصلاح الأمم المتحدة

وبينت "فورين بوليسي" أنه لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد روسيا لإجبارها على التراجع، يجب إصلاح الأمم المتحدة، مشيرة إلى أنه رغم الاصطفاف الأمريكي الأوروبي ضد الغزو الروسي، الذي وصفته المجلة بـ"الوحشي وغير المبرر" لجارتها ، فإن تقييم الوضع على الأرض، يكشف وجود دول عدة، لا تهتم بالحرب برمتها.

وأشارت إلى أن هناك دولًا تقف في صف روسيا، أبرزها الصين بسبب علاقتها الخاصة بموسكو، إضافة إلى عدد من الدول الكبيرة، مثل الهند، مبينة أنه لو كان هناك إحصاء لعدد سكان الدول التي لم تتخذ موقفًا -بطريقة أو بأخرى- في هذا الصراع، لكانت الغلبة للدول التي مازالت صامتة كأنها على الحياد، وكأن الأمر صراع بين الشرق والغرب.

الحرب الباردة

وربطت المجلة، بين ما يحدث وما حدث قبيل الحرب الباردة، التي استهلكت الكثير من ثروة البشرية وطاقتها، وأسفرت عن خسائر فادحة في الحروب بالوكالة.

ورأت أن استمرار استخدام مصطلحات مثل "دول العالم الثالث"، التي تعود إلى أوائل القرن العشرين، كانت سببًا في تهميش العديد من الدول، ما أدى إلى أن هذه الدول لا ترى فائدة من تدخلها في هذا الصراع.

وتعود المجلة الأمريكية، للحديث عن أهمية الأمم المتحدة ككيان دولي ينظم شؤون الدول، مشيرة إلى أنها نتاج عصبة الأمم التي تشكلت عقب الحرب العالمية الأولى، بعد توقيع معاهدة فرساي، التي أسدلت الستار على أحداث الحرب العالمية الأولى.

ورأت أن عصبة الأمم فشلت لأسباب عدة، ليس أقلها أن الولايات المتحدة، وهي من أوائل المؤيدين لنظام جديد للحوكمة الدولية، لم تنضم إلى المنظمة.

الإمبريالية الغربية

وأوضحت أن عصبة الأمم منحت تأييدًا قويًا للإمبريالية الغربية، ومنحت الدول الأوروبية سلطة بسط سيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي تحت ستار ما يسمى الانتداب، مشيرة إلى أن القارة الإفريقية كانت مستهدفة بشكل خاص، من خلال هذه الترتيبات.

وذكرت أن المستعمرات الإفريقية قدمت مئات الآلاف من القوات والدعم الاقتصادي الذي لا يقدر بثمن، قهرًا للأوروبيين خلال الحرب العالمية الأولى، لكن بعد انتهاء الحرب طالب هؤلاء بالاستقلال، إلا أن القوى الأوروبية رفضت هذا الطلب، بدعوى أن الأفارقة لم يصلوا إلى مستوى الحضارة المطلوب، حتى لبدء التفكير في الحكم الذاتي.

تقرير المصير

ورأت "فورين بوليسي" أنه لو كانت الدول الإفريقية حصلت من البداية على حق تقرير مصيرها، لكانت الآن لها وضع مختلف، في ما يخص آراءها في الأحداث الدولية، إلا أن تهميشها -منذ تشكيل عصبة الأمم- جعلها في ذروة الحرب ضد أوكرانيا، ترفض مجرد اتخاذ موقف واضح من روسيا.

واستشهدت المجلة بما قاله أدوم غيتاتشو في كتابه "صياغة العالم ما بعد الامبراطورية"، بأن حكومات العالم الشمالي، التي تتمتع بقوة فائقة، تمكنت من إخضاع مستعمراتها للنمط الذي تفضله من العولمة، الذي يقوم على استخلاص الموارد واستغلال العمالة الرخيصة، مهنئة نفسها -طوال الوقت- على حُسن نيتها الليبرالية الديمقراطية.

وبينت أنه رغم أن الفرصة جاءت للمجتمع الدولي بقيادة الغرب، لإدخال المزيد من الديمقراطية والمساواة في الحكم العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، فإن الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين دي روزفلت، الذي كان مهتمًا بالتنافس بين القوى العظمى الناشئة ضد الاتحاد السوفييتي، انحنى لمصالح بريطانيا والدول الإمبريالية الأوروبية، في تأجيل الحديث عن الحكم الذاتي العالمي والاستقلال.

العالم الثالث

وحسب المجلة، رغم الاستعداد لتأسيس نظام عالمي جديد تحت مسمى (الأمم المتحدة)، فإن هذا النظام لم يُفلت منه مصطلح (العالم الثالث)، وهو ما بدا في كلمات أطلقها عالم الاقتصاد والصحفي والخبير المالي الإنجليزي جون ماينارد كينز، الذي انتقد وجود دول مما سماه (العالم الثالث) بين المؤسسين.

وحسبما أشار المؤرخ فيغاي براشاد في كتابه "الأمم المظلمة... تاريخ شعوب العالم الثالث"، فإن كينز ندد بوجود مندوبين عن هذه الدول، ووصل الأمر إلى أنه وصف المنظمة الجديدة بأنها (منزل يضم قرودًا).

ومما زاد الهوة بين هذه الدول (العالم الثالث) والغرب، -حسبما تضيف المجلة الأمريكية- أن الولايات المتحدة كرَّست مليارات الدولارات لإعادة بناء الاقتصادات الأوروبية، بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، إلا أنها لم تولِ أي اهتمام يذكر بالدول الأخرى التي انتهى استعمارها حديثًا.

وأمام هذه الخلفية، ترى "فورين بوليسي" في ختام تحليلها، أن الهيكل الحالي للأمم المتحدة، يقف عاجزًا أمام ما يحدث في أوكرانيا، مشيرة إلى أنه رغم محاولة إضفاء الطابع الديمقراطي على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من خلال دخول الصين كعضو دائم عام 1971، فإن المنظمة الدولية مازالت مطالبة بإعادة التفكير في دولها دائمي العضوية، إذ إن هناك دولًا يشكل عدد سكانها أكثر من عدد سكان الولايات المتحدة وروسيا، ومهمشة، وهو ما يكشف أسباب عدم اهتمام هذه الدول بما يحدث في أوكرانيا.