المشكلات واضحة والحلول مؤجلة... ماذا يعيق اقتصاد العراق في ظل حكومة السوداني؟
منظومة الفساد والمحسوبية السياسية راسخة الأقدام ظلت تخنق أي محاولات للإصلاح على مدى الأعوام العشرين الماضية

السياق
العراق البلد الغني بالنفط، يعاني أزمات اقتصادية تلجأ الحكومات إلى تأجيلها، بدلًا من حلها، في حين تبلغ الموازنة للعام الحالي 153 مليار دولار، لكن العجز فيها تجاوز ضعفي العجز عام 2021.
ويخصص أكثر من ثلثي الموازنة إلى الرواتب والإنفاق الحكومي، ما يسلط الضوء على الفساد الذي يقول خبراء إنه يتمكن من الجهاز الحكومي، وتعد أبرز أوجهه مئات الآلاف من الوظائف ورواتب التقاعد الوهمية، التي تستفيد منها الميليشيات والأحزاب السياسية، المدعومة إيرانيًا.
تناولت إحدى "الموائد المستديرة" التي يعقدها المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" أوضاع بغداد السياسية والاقتصادية تحت حكومة السوداني.
وفيها سلط أحد المشاركين الضوء على الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي يحتاجه الاقتصاد العراقي.
حالة من الأمان
وأشارت مجلة الإيكونوميست -في تقرير- إلى أن ردهات الفنادق تزخر برجال الأعمال الصينيين، وأن الرافعات ومعدات البناء تعمل على "قدم وساق" في بناء مراكز التسوق والمجمعات السكنية، بعد توقف دام عقدين من الزمان.
وأكدت أن بغداد تعيش حالة نادرة من الأمان منذ عشرين عامًا، ورأت أن صلة رئيس الوزراء الحالي بقوات الحشد الشعبي، التي بها ميلشيات عضوية الصلة بإيران، عززت هذا الاستقرار الأمني الملحوظ، إذ ارتفعت في عهد السوداني أعداد المنتسبين إلى قوات الحشد الشعبي من 116 ألفًا إلى 230 ألفًا، ونالت موازنة سنوية قدرها 2.7 مليار دولار.
أرقام في الموازنة
وقد أقرت بغداد الموازنة المالية لثلاث سنوات، بنفقات واستثمارات مرتفعة مدفوعة بالزيادة في أسعار النفط.
وصدق البرلمان على القانون، الذي ينبغي أن يغطّي ثلاث سنوات 2023 و2024 و2025، بعد نحو ثلاثة أشهر من رفع الحكومة لمشروع الموازنة وتبلغ قيمة النفقات المقترحة في الموازنة الجديدة 198 تريليونًا و910 مليارات دينار "153 مليار دولار" لكلّ عام.
ويبلغ إجمالي ايرادات الموازنة 134 تريليونًا و5 مليارات دينار (103.4 مليار دولار)، بناءً على 70 دولاراً لسعر برميل النفط، حيث تشكّل العائدات النفطية 90% من إيرادات البلاد.
فساد الطاقة
يأتي ذلك، في حين يشهد قطاع الطاقة فسادًا مستشريًا، كبقية القطاعات الحيوية في الدولة
وقال ريناد منصور مدير مبادرة العراق في مركز أبحاث "تشاتام هاوس" بلندن: "منظومة الفساد والمحسوبية السياسية راسخة الأقدام ظلت تخنق أي محاولات للإصلاح على مدى الأعوام العشرين الماضية"، ولفت إلى أن "فورة التوظيف الحكومية ليست إصلاحًا مستدامًا".
وأضاف أنه يمكن بسهولة زعزعة استقرار العراق، بسبب مشكلات خارج حدوده، واصفاً البلاد بأنها ساحة تتفاعل فيها المشكلات الإقليمية والعالمية.
لكنه أشار إلى أن الانفراجة الدبلوماسية في العلاقات بين السعودية وإيران، من المحتمل أن تمنح العراق بعض المساحة للتنفس.
وقال أحد المشاركين في مناقشات "تشاتام هاوس" أن الفساد في دعم الطاقة، يكلف 30 مليار دولار من الإيرادات المفقودة، و30 مليار دولار أخرى من الفرص الضائعة".
شراكة الحرس الثوري
وتعمل شركة إيرانية على علاقة وثيقة بالحرس الثوري الإيراني بالشراكة مع شركة شل في مشروع بـ 17 مليار دولار لاستخدام التقاط الغاز من الحرق بجنوبي العراق في توليد الكهرباء.
الشركة الإيرانية التي تتخذ من طهران مقرًا لها تدعى "مابنا" ويحق لها الحصول على قرابة 80% من عائدات مبيعات الكهرباء، حسبما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز.
وحسب الصحيفة كان للسفير الإيراني للعراق حسن دانايفر، دور في الضغط على بغداد لصالح شركة مابنا.
تعهدات السوداني
كان رئيس الوزراء شياع السوداني قد تعهد بخمس أولويات، يتطلب تنفيذها مستوى من الرقابة غير موجود في العراق، وكذلك تمويلات ضخمة، هي معالجة الفقر ومواجهة البطالة ومكافحة الفساد المالي والإداري، إضافة إلى تقديم الخدمات والإصلاح الاقتصادي، مضيفًا أن هناك أولوية أخرى تقضي بالإسراع في إنجاز المشاريع المعرقلة منذ سنوات.
ووجَّه بمراجعة العقود الكبيرة وإخضاعها للتدقيق المالي والقانوني، خلال حديثه عن أهم مفاصل التقرير نِصف السنوي، لتنفيذ البرنامج الحكومي العراقي.
وقال السوداني: "حظي البرنامج بمتابعة متواصلة منذ جلسة الإقرار وصولًا إلى الجلسة الأخيرة، التي صدر فيها هذا التقرير، وهذا العمل أُنجز بلا موزانة، وعملنا بما توفر من موارد في الوزارات والمحافظات، حسب صلاحيات الحكومة".
وقدم وعودًا لـ42 ألف أسرة نازحة بالحماية الاجتماعية، وكذلك تخفيض الأجور الدراسية للطلبة المشمولين بالرعاية الاجتماعية، في الجامعات الحكومية، للدراسة المسائية والجامعات الأهلية.
ويتساءل كثيرون عن جدية وعود السوداني، في ظل قرابة 50 مليار دولار من عجز الموازنة، ونفوذ الميلشيات المدعومة من إيران، والفساد الضارب في جذور الهياكل الحكومية والإدارية.