واشنطن تراقب وبكين تتأهب... من يحل مكان فاغنر في إفريقيا؟

أن هناك تأثيرات أخرى تتمثل في محاولة دول أخرى -كالصين- ملء الفراغ الذي قد تتركه روسيا في إفريقيا والشرق الأوسط، من خلال وكلاء جدد يلعبون الدور نفسه الذي سبق أن لعبته فاغنر.

واشنطن تراقب وبكين تتأهب... من يحل مكان فاغنر في إفريقيا؟

ترجمات - السياق 

بعد التمرد الذي قاده يفغيني بريغوجين، زعيم مجموعة فاغنر، والوضع الحرج الذي آل إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يتردد صدى عدم الاستقرار بروسيا في العالم، لكن هل يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من هذا الصدع، خصوصًا في إفريقيا والشرق الأوسط؟

صحيفة بوليتيكو الأمريكية، سلطت الضوء على مستقبل المجموعة المسلحة، بعد التطورات الأخيرة، مشيرة إلى أن دورها قد يتراجع داخليًا وخارجيًا، خصوصًا في إفريقيا، ما يمنح واشنطن الفرصة لملء هذا الفراغ.

وأشارت الصحيفة إلى أنه من المتوقع أن يستغرق الأمر أيامًا أخرى، إن لم تكن أسابيع وشهورًا، لفهم تمرد زعيم مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين، لكن من الواضح أن روسيا تواجه أزمتين، واحدة في الداخل وأخرى في الخارج.

وتقاتل قوات "فاغنر" في أوكرانيا مع الجيش الروسي النظامي منذ أشهر، لكن التوتر بين الجانبين، أثار غضب بريغوجين، الذي سحب آلاف مقاتليه من أوكرانيا، وأعلن نيته الانتقام من أولئك الذين همشوا أو أساءوا معاملة قواته.

ووصل الخلاف بين "فاغنر" والجيش الروسي، لمرحلة غير مسبوقة، حين استولى المرتزقة على مدينة روستوف أون دون، جنوبي روسيا، ومركز لوجستي مهم لدعم الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا، واستمروا في التقدم نحو موسكو، حتى أعلن ألكسندر لوكاشينكو، الرئيس البيلاروسي، صفقة لبريغوجين لإنهاء ما وُصف بـ"الانقلاب"، فتوقفت الأحداث المتصاعدة في روسيا.

قوات أحمد

ورأت "بوليتيكو" أن "محاولة الانقلاب الفاشلة" تكشف هشاشة نظام بوتين في الداخل، إذ إنه قبل توقف هجوم "فاغنر"، لجأ الرئيس الروسي، إلى رجل الشيشان القوي، رمضان قديروف، للحصول على المساعدة، إذ أرسل الأخير مقاتليه -المعروفين باسم قوات أحمد- للمساعدة في قمع التمرد.

وأعلن رمضان قديروف، رئيس جمهورية الشيشان، السبت الماضي، أن قواته مستعدة لتقديم العون في إحباط تمرد يفغيني بريغوجين قائد مجموعة فاغنر، بعد سيطرته على المنشآت العسكرية في روستوف، ولاستخدام أساليب قاسية إن لزم الأمر.

"قوات أحمد"، هي قوات شيشانية من 4 كتائب، سُميت بهذا الاسم تيمنًا بالزعيم الشيشاني أحمد قديروف، قوامها 10 آلاف ونفذت هجمات عدة في مدن أوكرانية، وتعد شبه تابعة للجيش الروسي، رغم ضمها متطوعين من خارج الجيش.

وبعد تمرد استمر يومًا واحدًا، أعلن قائد "فاغنر" يفجيني بريغوجين، إعادة قوافل قواته إلى قواعدها "حقنًا للدماء"، بعد وساطة من الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.

لكن -وفق الصحيفة الأمريكية- تشير محاولة القوات الشيشانية إنقاذ الكرملين إلى القلق المتزايد لدى صُناع القرار الروس، فمع قمع انتفاضة "فاغنر" مؤقتًا، من المرجح أن تؤدي طبيعة الهجوم إلى أزمات في أماكن أخرى، سواء أكانت في الداخل الروسي، أم بمجال نفوذها في العالم.

ورغم صفقة لوكاشينكو، من الصعب معرفة كيف يعيش بريغوجين بمكانته وسلطته، بعد إحراج بوتين وفضح الانقسامات بأعلى المراتب في الدولة الروسية، وهذا الأمر يثير التساؤل عن مستقبل مجموعة فاغنر.

وبما أنه من المرجح أن يكون معظم التركيز -خلال الأيام المقبلة- على الأحداث في روسيا وأوكرانيا "على الولايات المتحدة وحلفائها الاستعداد جيدًا لاستغلال هذه الفوضى"، وفق الصحيفة الأمريكية.

استعادة النفوذ

وأشارت "بوليتيكو" إلى أنه من المتوقع دمج قوات "فاغنر" بأوكرانيا في الجيش الروسي النظامي، لكن دور المجموعة في الخارج، يثير تساؤلات عدة، لأنها تعمل في جميع أنحاء العالم، من الشرق الأوسط إلى إفريقيا وأمريكا اللاتينية.

ولسنوات، مثلت المجموعة، رأس حربة السياسة الخارجية لروسيا في سوريا والسودان وفنزويلا وليبيا، رغم أنها أنكرت مرارًا ارتباطاتها بالكرملين.

ففي سوريا، لمجموعة فاغنر دور كبير، إذ قدمت القوة العسكرية الأساسية المساعدة في دحر تنظيم داعش، واستعادة السيطرة على أراضٍ مهمة.

ثروات "فاغنر"

وحصلت "فاغنر" على امتيازات من العقود المتعلقة بمنشآت النفط والغاز التي استولت عليها، إضافة إلى الأموال من الموارد الاستخراجية في مالي والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، التي كانت على شكل ماس وذهب، والتي ساعدت الكرملين في التهرب من العقوبات الاقتصادية.

ومن ثمّ، إذ انتهى الأمر بـ"فاغنر"، بانسحابها من بعض البلدان التي تعمل فيها، يتوقع مراقبون أن يوفر هذا الفراغ فرصة للولايات المتحدة لاستعادة النفوذ في هذه المناطق.

على وجه الخصوص، يمكن أن يكون هناك انفتاح في بعض البلدان الإفريقية، حيث قد تكون واشنطن قادرة على تقديم التعاون الأمني، أو بناء ترتيبات معينة، مقابل تعهدات بالتحرك نحو مبادرات ديمقراطية أو الحكم الرشيد.

ونوهت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه إن لم تتحرك واشنطن سريعًا نحو إفريقيا واستغلال عدم الاستقرار الروسي، فقد تتحرك الصين للقيام بهذا الدور.

فإذا انسحبت مجموعة فاغنر من هذه البلدان -كما يتوقع كثيرون- فقد يحاول بوتين ودائرته الداخلية، نشر شركة عسكرية خاصة أخرى مكان فاغنر، لكن من المحتمل أن يستغرق ذلك بعض الوقت، وربما يوفر للإرهابيين والمتمردين الآخرين فرصًا لشن هجوم، ما يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار.

وحتى لو فضلت الولايات المتحدة الابتعاد عن مكافحة الإرهاب والتوجه نحو المنافسة بين القوى العظمى، لا يمكنها أن تترك الوضع في منطقة الساحل الإفريقي، ومناطق أخرى أقل استقرارًا وأكثر خطورة، لأن انسحاب "فاغنر" يسمح لتنظيمي داعش والقاعدة بتكثيف أنشطتهما.

الفرق بين "فاغنر" وغيرها

من نواحٍ عدة، شكّل وجود "فاغنر" في إفريقيا والشرق الأوسط نقطة ضعف في البلدان التي تعمل فيها، ومن ثمّ إذا انسحبت المجموعة، سوف نجد تهديدًا خطيرًا لبعض الأنظمة، التي تعتمد عليها في الأمن والحماية، ما يوفر فرصة للغرب، وفق "بوليتيكو".

حتى الآن، مازالت دول -مثل فرنسا والولايات المتحدة- قادرة على تحقيق بعض الاتصالات ببعض الأنظمة غير المستقرة، لاسيما تلك الموجودة في إفريقيا جنوب الصحراء، التي تكافح من أجل الأمن، وتهددها تحركات بعض التنظيمات الإرهابية.

علاوة على ذلك، فإن "فاغنر" ليست مجموعة "مرتزقة" فقط، فقد أظهرت مهارات استكشافية فعّالة وقدرات لوجستية لم تستطع المنظمات الأخرى تنظيمها، إضافة إلى التدريب العسكري الذي تقدمه المجموعة، الذي يتضمن عمليات قتالية هجومية، وفي بعض الحالات، تعمل كأمن لبعض الأنظمة الحكومية.

وتقدم المجموعة أيضًا المشورة للقيادة الحكومية بشأن القضايا السياسية وتنظم حملات إعلامية، في مدغشقر ومالي، غير أنها تتدخل في الانتخابات، وتتستر على جرائم الحرب، بالاستعانة بوكالة بريغوجين لأبحاث الإنترنت، وفق تقديرات الصحيفة.

التأهب الصيني

وتشدد الصحيفة الأمريكية على أنه "إذا لم تتدخل الولايات المتحدة والدول الغربية في القريب العاجل، فإن الجهات الفاعلة الأخرى ستتدخل"، في إشارة إلى الصين.

وأشارت إلى أن الطريقة التي استخدم بها الروس "فاغنر" يمكن أن تكون نموذجًا جذابًا للدول الأخرى لمحاكاته.

ونوهت إلى أن "فاغنر" تحقق أرباحًا، من سلسلة الشركات الوهمية التي استثمرتها في الصناعات الاستخراجية، في إفريقيا، حيث تحصل على حق الوصول إلى السلع الأساسية مقابل خدماتها الأمنية.

كما عملت "فاغنر" على تنفيذ أهداف السياسة الخارجية الروسية -رغم عزل موسكو دوليًا- من دون أن يصاحب ذلك أي رد فعل من الغرب.

وترى الصحيفة أن موسكو استثمرت كثيرًا في مجموعة فاغنر، لدرجة أن أي تغيير في الوضع الراهن، سيشكل تحديات كبيرة لنظام بوتين، لافتة إلى أن هناك تأثيرات أخرى تتمثل في محاولة دول أخرى -كالصين- ملء الفراغ الذي قد تتركه روسيا في إفريقيا والشرق الأوسط، من خلال وكلاء جدد يلعبون الدور نفسه الذي سبق أن لعبته "فاغنر".