الفساد وعجز الموازنة العراقية... يحوِّلان تعهدات السوداني إلى دعاية انتخابية

يخصص أكثر من ثلثي الموازنة إلى الرواتب والإنفاق الحكومي، ما يسلط الضوء على الفساد الذي يقول خبراء إنه يتمكن من الجهاز الحكومي، وتعد أبرز أوجهه مئات الآلاف من الوظائف ورواتب التقاعد الوهمية، التي تستفيد منها الميليشيات والأحزاب السياسية، المدعومة إيرانيًا.

الفساد وعجز الموازنة العراقية... يحوِّلان تعهدات السوداني إلى دعاية انتخابية

السياق

عجز الميزانية العراقية الجديدة، الذي قُدر بنحو 49 مليار دولار، لم يمنع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، من الاستمرار في القطع بوعود يقول محللون إنها لا تندرج تحت أي من بنود الموازنة، بينما شبهها متابعون بـ"الكلام المستهلك والدعاية الانتخابية" وليست برنامجًا واقعيًا يمكن تنفيذه.

وقدَّم السوداني تعهدات لخمس أولويات، يتطلب تنفيذها مستوى من الرقابة غير موجود في العراق، وكذلك تمويلات ضخمة.

الأولويات الخمس

وأفاد رئيس الوزراء العراقي بأن الأولويات الخمس للبرنامج الحكومي: معالجة الفقر ومواجهة البطالة ومكافحة الفساد المالي والإداري، إضافة إلى تقديم الخدمات والإصلاح الاقتصادي، مضيفًا أن هناك أولوية أخرى تقضي بالإسراع في إنجاز المشاريع المعرقلة منذ سنوات.

ووجَّه، نقلًا عن قناة السومرية نيوز المحلية، بمراجعة العقود الكبيرة وإخضاعها للتدقيق المالي والقانوني، خلال حديثه عن أهم مفاصل التقرير نِصف السنوي، لتنفيذ البرنامج الحكومي العراقي.

وقال السوداني: "حظي البرنامج بمتابعة متواصلة منذ جلسة الإقرار وصولًا إلى الجلسة الأخيرة، التي صدر فيها هذا التقرير، وهذا العمل أُنجز بلا موزانة، وعملنا بما توفر من موارد في الوزارات والمحافظات، حسب صلاحيات الحكومة".

وقدم وعودًا لـ42 ألف أسرة نازحة بالحماية الاجتماعية، وكذلك تخفيض الأجور الدراسية للطلبة المشمولين بالرعاية الاجتماعية في الجامعات الحكومية للدراسة المسائية والجامعات الأهلية.

وأشار  إلى أنه يمكن للبلاد توفير 3 مليارات دولار، حال تشغيل مصفى كربلاء بطاقة 140 ألف برميل باليوم، كانت تذهب لاستيراد المشتقات النفطية، مطالبًا بالمضي في مشروع توسعة مصفى الشنافية بمحافظة الديوانية، وهو التصريح الذي عده مراقبون دليلًا على محاولة السوداني، لملمة أي مورد عراقي بشكل عشوائي، لسد العجز الحالي.

مليارات وميلشيات

ويعاني البلد الغني بالنفط، أزمات اقتصادية خطيرة، في حين تبلغ الموازنة للعام الحالي 153 مليار دولار، لكن العجز فيها تجاوز ضعفي العجز عام 2021.

ويخصص أكثر من ثلثي الموازنة إلى الرواتب والإنفاق الحكومي، ما يسلط الضوء على الفساد الذي يقول خبراء إنه يتمكن من الجهاز الحكومي، وتعد أبرز أوجهه مئات الآلاف من الوظائف ورواتب التقاعد الوهمية، التي تستفيد منها الميليشيات والأحزاب السياسية، المدعومة إيرانيًا.

و ذكر تقرير لصحيفة الإيكونوميست البريطانية، أن الحشد الشعبي أبرز المستفيدين من الميزانية العراقية، إذ خصص له السوداني مليارين وسبعمئة مليون دولار، إضافة إلى تعيين مئة وستة عشر ألف شخص إضافي في صفوفه، ليقترب عدد أعضائه من ربع المليون.

أرقام في الموازنة

وقد أقرت بغداد الموازنة المالية لثلاث سنوات، بنفقات واستثمارات مرتفعة مدفوعة بالزيادة في أسعار النفط.

وصدق البرلمان على القانون، الذي ينبغي أن يغطّي ثلاث سنوات 2023 و2024 و2025، بعد نحو ثلاثة أشهر من رفع الحكومة لمشروع الموازنة وتبلغ قيمة النفقات المقترحة في الموازنة الجديدة 198 تريليونًا و910 مليارات دينار "153 مليار دولار" لكلّ عام.

ويبلغ إجمالي ايرادات الموازنة 134 تريليونًا و5 مليارات دينار (103.4 مليار دولار)، بناءً على 70 دولاراً لسعر برميل النفط، حيث تشكّل العائدات النفطية 90% من إيرادات البلاد.

أزمة كردستان

أما حصة إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي، فتبلغ 12.67 بالمئة.

وتتضمن كذلك تغييرات في ما يتعلق بالاتفاق بين بغداد وأربيل في أبريل، لفتح الطريق أمام استئناف تصدير نفط الإقليم عبر تركيا.

وقد توقفت الصادرات منذ مارس، بعد قرار هيئة تحكيم دولية منحت الحق لبغداد في إدارة ملف النفط بالإقليم.

ووفقًا للقانون، يجب أن تمر صادرات نفط الإقليم عبر شركة تسويق المنتجات النفطية العراقية (سومو)، ولا يقتصر "شحن النفط الخام" على إدارة حكومة الإقليم.

إلى ذلك، على حكومة أربيل تسليم ما لا يقل عن 400 ألف برميل يوميًا من النفط إلى بغداد، كما ينبغي إيداع الإيرادات المتأتية من تصدير نفط الإقليم، في حساب مصرفي تفتحه وزارة المالية الاتحادية، لدى البنك المركزي العراقي.

اللجوء إلى الديون

في السياق قال المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، إنه لا خوف على الموازنة من تذبذب أسعار النفط.

معللاً ذلك بأن الموازنة دبرت أمرها لنصف عام، مضيفًا أن إقرارها يتطلّب نفقات إضافية خلال النصف الثاني من العام الحالي.

وأكد صالح أن "النفقات ستزداد من الآن فصاعداً، وستغطَّى من الإيرادات النفطية وغير النفطية، ويمكن تدارك أي عجز مالي عبر الاقتراض الداخلي والخارجي".

حديث صالح عن الاقتراض، أثار غضب العراقيين من استشراء الفساد في بلادهم، وحسب تقارير إخبارية ومراقبين، فإن مليارات الدولارات تصرفها الحكومة للميلشيات المسلحة كنوع من "شراء الرضا والمواءمات السياسية"، في حين أن بغداد تراهن على تغطية العجز بالقروض، كما أن أي استثمارات قد يقدم عليها العراق تؤدي إلى خفض معدلات الفقر والبطالة، تتطلب حزمة من الديون.

عجز قياسي

يقدر العجز بـ49.5 مليار دولار، الرقم الذي يعد قياسياً مقارنة بالموازنة الأخيرة التي جرى التصويت عليها عام 2021 (ولم يُتفق على ميزانية عام 2022 بسبب عدم الاستقرار السياسي)، حيث بلغ العجز حينها 19.8 مليار دولار.

ومن المتوقع أن يشهد القطاع العام في العراق نمواً كبيراً، ما قد يشكل ضغطاً على الميزانية، وفقًا لمحللين.

وتوقع الخبير الاقتصادي أحمد الطبقجلي، أن يشهد العراق موجة توظيف لأكثر من 600 ألف شخص، بينما قدّر قوائم أجور ومعاشات القطاع العام، بأكثر من 58 مليار دولار.

وقال الطبقجلي إن "العراق ضعيف لأنه إذا انخفضت أسعار النفط عليه تخفيض الميزانية". وأضاف أنه رغم ذلك وبما "أننا لا نستطيع تقليل النفقات الثابتة، علينا تقليل نفقات الاستثمار".

كان صندوق النقد الدولي قد حذّر -قبل شهر- من "الاعتماد" على "الإيرادات النفطية" في العراق، داعياً بغداد إلى "وضع سياسة للمالية العامة أكثر تشديدًا".