في ذكرى ثورتها.. شبح الانقسام يهدد ليبيا ومخاوف من عودة الحرب
رغم مرور أيام على منح البرلمان الليبي، الثقة لفتحي باشاغا رئيسًا جديدًا للحكومة، فإن سلفه عبدالحميد الدبيبة، لا يزال يرفض تسليم السلطة لخلفه، ما يشكل وضعاً سياسياً معقدًا، ويثير مخاوف من تجدد الصراع المسلح

السياق
بعد 11 عامًا على ثورة 17 فبراير 2011، التي اقتلعت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، ما زال الانقسام يسيطر على المشهد في ليبيا، وسط تحذيرات من عودة البلاد إلى المربع الأول.
فالذكرى السنوية الحادية عشرة للثورة، حلت على ليبيا، في وقت الانقسامات بين المؤسسات المتنافسة في الشرق والغرب، لتجد نفسها أمام رئيسي وزراء متنافسين في العاصمة طرابلس، بعد أن فشلت في إجراء الانتخابات الرئاسية، التي كان يفترض أن تضع ليبيا على سكة تجديد مؤسساتها الديمقراطية.
ورغم مرور أيام على منح البرلمان الليبي، الثقة لفتحي باشاغا رئيسًا جديدًا للحكومة، فإن سلفه عبدالحميد الدبيبة، لا يزال يرفض تسليم السلطة لخلفه، ما يشكل وضعاً سياسياً معقدًا، ويثير مخاوف من تجدد الصراع المسلح.
وفي مؤشر على تصاعد التوترات، التي تسبب فيها تعيين رئيس جديد للوزراء، اجتمعت مليشيات مسلحة في مدينة بمصراتة، نهاية هذا الأسبوع، معبرة عن دعمها للدبيبة، باستعراض قوة في قلب العاصمة طرابلس، بينما يجد رئيس الحكومة الجديد، ذو الخلفية الأمنية، الدعم من مليشيات مسلحة، فضلًا عن الشرعية البرلمانية.
تسليم السلطة
ويرفض الدبيبة، الذي عُين قبل قرابة عام على رأس حكومة انتقالية، مهمتها توحيد المؤسسات وقيادة البلاد إلى انتخابات رئاسية وتشريعية، كان مقررًا لها 24 ديسمبر الماضي، تسليم السلطة إلى الحكومة الجديدة، التي يعول عليها لتهيئة البلاد لإجراء الاستحقاق الدستوري.
ولم تكتفِ حكومة الدبيبة برفع راية الرفض ومحاولة استقطاب المليشيات المسلحة، بل كالت -على لسان المتحدث باسمها محمد حموجة- الاتهامات للمبعوثة الأممية سيتفاني ويليامز، مشيرة إلى أنها منحازة لحكومة باشاغا، ما ينعكس على حالة الاستقرار في البلاد.
وقال المتحدث باسم الحكومة، إن ما وصفه بـ«دعم» ويليامز لمواقف بعض الأطراف الراغبة في «تأجيل الانتخابات والتمديد لنفسها» من خلال قَبولِ ما حدث في جلسة البرلمان الأخيرة، من تمرير خارطة طريق تُؤجَّل فيها الانتخاباتُ عامَين على الأقل، يتناقض مع تصريحاتها، وتصريحات المجتمع الدولي الداعم لإجراء انتخابات سريعة في ليبيا.
وأشار إلى أن المبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز «تتماهى مع محاولات الطبقة السياسية المهيمنة لتعطيلِ الانتخابات وسرقةِ حُلم 2.8 مليون ليبي انتظروا الانتخابات، قبل إيقافها من الأطراف صاحبةِ قرار التمديد ذاتها».
مواقف مرتبكة
ووصف متحدث الحكومة موقف ويليامز بـ«المرتبك» الذي «يؤثر في إِذْكاء الخلاف السياسي، ويُنذر بعودة الفوضى والانقسام، والانتكاس عمّا تحقق من توحيد للمؤسسات وتأسيس للاستقرار في هذه المرحلة».
ووجَّه رسالة للمبعوثة الأممية، قائلًا: يجب أن تدركَ ويليامز أن الحرب والفوضى تندلع شرارتهما عندما لا تجد الشعوب مجلسًا نزيهًا وشفافًا، يحتكمون تحت قبته عند حدوث الاختلاف، فيقرر بينهم بالنزاهة، وإنّ مَن يجاري هذا الانحراف ويمرّره، يعد شريكـًا في ما قد تسوء إليه الأوضاع.
واتهم البرلمان بـ«إرباك» الحالة الدستورية والقانونية، من خلال إقدامِه -بشكل أحادي- على تمرير خارطة الطريق وتكليف فتحي باشاغا «بشكل مخالف» للإعلان الدستوري، ناهيك عن افتقاره للشفافية والمنافسة النزيهة لتشكيل حكومة موازية.
إلا أن السفارة الأمريكية ردت على الحكومة الليبية، معبرة عن أسفها للبيان الذي صدر عن المتحدث باسم رئيس الوزراء، الذي أشار إلى أنّ المستشارة الخاصة للأمين العام ستيفاني ويليامز أظهرت تحيّزا.
رد أمريكي
وقالت ويليامز عبر «تويتر»: لم يكن هناك موظف حكومي دولي أكثر من المبعوثة الأممية إنصافًا ودقّة، في لمّ شمل جميع الأصوات الليبية حول طاولة المفاوضات، في محاولة لاستعادة الاستقرار لليبيا.
وأشارت إلى أن نهج المستشارة الخاصة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إزاء الظروف الحالية، متسق مع المبادئ الأساسية لقرارات مجلس الأمن الدولي، ونتائج الاجتماعات الدولية بشأن ليبيا.
وبينما تحاول حكومة الدبيبة الاستمرار في منصبها، أطول فترة ممكنة، تتقلص المهلة أمام فتحي باشاغا لتشكيل حكومته، التي من المرتقب أن يقدمها إلى البرلمان في جلسة الاثنين المقبل.
صفر
وفي حال نجاحه في نيل ثقة النواب لإجازة حكومته، تبقى معرفة ما إذا كان الدبيبة سيوافق على التنازل عن السلطة أم لا، ما قد يتسبب في عودة ليبيا إلى الصفر، إلا أن مستشار رئيس البرلمان الليبي فتحي المريمي، استبعد دخول ليبيا مرحلة فيها إدارتان مختلفتان.
وأدت الخلافات العميقة إلى تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى، في الوقت الذي كان المجتمع الدولي يعلق آمالا كبيرة على الاستحقاق الدستوري، للمساهمة في استقرار البلد الذي تحول -بسبب الفوضى- إلى مركز للهجرة غير القانونية لأوروبا، وبؤرة تنشط فيها المليشيات المسلحة.
ولا تساعد الانقسامات العميقة وانعدام الأمن، ليبيا في الخروج من أزمتها، التي تترك تداعيات سلبية على سبعة ملايين ليبي، رغم احتياطات النفط الوفيرة، التي يفترض أن تضمن للليبيين مستوى معيشيًا مريحًا.