استقالة رئيس البرلمان العراقي.. ما الأسباب والتداعيات؟

اعتبرت الباحثة في مركز المورد للاستشارات نوال الموسوي، أن توقيت الاستقالة -حرج جدًا- بالنسبة لكل القوى السياسية، وتحديدًا للإطار التنسيقي الذي قد لا يجد الوقت لإعادة ترتيب أوراقه من أجل استبدال الحلبوسي برئيس جديد للبرلمان.

استقالة رئيس البرلمان العراقي.. ما الأسباب والتداعيات؟
محمد الحلبوسي

السياق

استقالة أم مناورة سياسية؟ تحت هذا التساؤل ضجَّ الشارع العراقي طيلة الساعات الأربع والعشرين الماضية، بقرار رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي تقديم استقالته من البرلمان.

إلا أن توقيت الاستقالة الذي جاء بعد يوم من توقيع التحالف المبدئي لإدارة الدولة والذي ضم جميع الكتل السياسية المتناحرة، باستثناء التيار الصدري، وضع علامات الاستفهام حول القرار الذي فسره البعض بأنها مناورة سياسية من الحلبوسي لتجديد الثقة فيه.

فماذا حدث؟

فوجئ الشارع العراقي مساء أمس، بإعلان رئيس مجلس النواب المستقيل محمد الحلبوسي، تقديم استقالته مساء الإثنين، مشيرًا إلى أنه لم يتداول قرار استقالته من رئاسة مجلس النواب مع قادة الكتل السياسية.

وفي تصريحات للحلبوسي على هامش فعاليات ملتقى الرافدين للحوار، قال رئيس البرلمان المستقيل، إن «المناصب تكليف ويجب أن يعي الجميع حساسية المرحلة»، مشيرًا إلى أن «استقالتي من رئاسة البرلمان لا علاقة لها بالتحالف الثلاثي».

وفيما قال رئيس مجلس النواب المستقيل، إنه لا يمنع أي شخصية من الترشح لرئاسة مجلس النواب، أشار إلى أنه يجب أن تكون العلاقة طبيعية بين القوى السياسية بعدما شابها الكثير من الأزمات.

أسباب الاستقالة

وأضاف: «لن أفرض وجودي على السياسيين، فطلب الاستقالة لا يعرقل جلسة البرلمان الأربعاء المقبل»، مؤكدًا أن «أحد أسباب استقالتي من منصبي الانتقال من الأغلبية السياسية إلى إدارة الدولة بالتوافقية».

وأشار إلى أن «التحالف الثلاثي لديه رؤية سياسية ولكن لم يصل إلى تقديم البرنامج الحكومي»، مؤكدًا أن «الذين ادعوا الإقصاء هم أنفسهم من كانوا يطرحون مبدأ الأغلبية السياسية».

وشدد على ضرورة بذل جهد من أجل المصالحة، كون الانتخابات وحدها لا تكفي، مطالبًا الكتل السياسية بالاتفاق وتقليل السقوف للوصول إلى تفاهم.

إلا أن الأسباب التي عددها الحلبوسي لاستقالته، لم تكن مقنعة بالقدر الكافي للكثيرين، الذين اعتبروها مناورة لنيله تجديد الثقة من النواب الجدد، وللتخلص من تهديدات الإطار التنسيقي، فيما حذر آخرون من أن هذه المناورة قد تنقلب إلى الضد.

سيناريو خفي

وإلى ذلك، قال الدكتور سعدون الساعدي أستاذ العلوم السياسية، إن قرار الحلبوسي كان مفاجئًا، مشيرًا إلى أن الاستقالة لم تأت من فراغ، بل إن هناك سيناريو خفيا في هذه المعادلة، قد يقف وراءه أطراف خارجية.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية، في تصريحات تلفزيونية، تابعتها «السياق»، أن الحلبوسي يخشى من حلفاء اليوم خصوم الأمس، وهم الإطار التنسيقي الذين دائمًا ما كانوا يهددون بالاستقالة، وبسحب الثقة منه فور تشكيل الحكومة.

وأشار إلى أنه إذا كانت حسن النية متوفرة لدى الحلبوسي وكان جادًّا في الاستقالة، فقراره يوجه ضربة للإطار التنسيقي بأنه غير آبهٍ بتهديداتهم في الماضي، مؤكدًا أن الاستقالة تعد فرصة لتجديد الثقة في رئيس البرلمان أمام النواب الجدد.

ورغم ذلك، إلا أنه توقع أن تكون الاستقالة ما هي إلا مناورة سياسية «طُبخت» مع الكتل السياسية مثل الإطار التنسيقي، لكنه حذر من أن الرياح قد لا تأتي بما تشتهي السفن للحلبوسي.

وحول الفرق بين ردة فعل النواب تجاه استقالة الحلبوسي والصدر، قال إن استقالة الصدر استعراضية، أما استقالة الحلبوسي فيهدف منها إلى منح الفرصة للنواب الجدد الذين جاءوا إلى البرلمان بعد استقالة الكتلة الصدرية إلى أن يأخذوا دورهم في التصويت لرئيس البرلمان.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية، أن من يظن أن التيار الصدري قد يتنازل عن مشروعه الإصلاحي، بغضّ النظر عن الاختلافات «مخطئ»، مشيرًا إلى أنه لا يمكن المضي قدمًا بحكومة محاصصة.

تجديد الثقة

بدوره، قال رئيس مركز ألوان للدراسات الدكتور حيدر البرزنجي، في تصريحات تلفزيونية، تابعتها «السياق»، إن الأمر لا يمثل استقالة بقدر ما هو محاولة لتجديد الثقة، مشيرًا إلى أن الكرة في ملعب أعضاء مجلس النواب.

وفيما قال إن الحلبوسي لديه غاية من هذا التجديد، تتمثل في أنه يحاول الاستحواذ على الثقة من الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني واللذين لم يصوتا له، حينما أُعلن رئيسًا لمجلس النواب، متوقعًا أن يوافق الإطار التنسيقي على تجديد الثقة في الحلبوسي.

إقالة النظام

من جانبه، قال حسين الغرابي الأمين العام لحزب البيت الوطني (حزب منبثق عن الحركة الاحتجاجية)، إن الحزب غير مهتم بتغيير أو استقالة الحلبوسي، مشيرًا إلى أن ما يسعى إليه حاليًا «هو إقالة النظام الحالي، الذي وجه بنادقه إلى صدور العراقيين».

وطالب السياسي العراقي في تصريحات تلفزيونية، تابعتها «السياق»، بتغيير العملية السياسية الميتة سريريًا، مؤكدًا أنَّ الحزب يفكر بحكومة انتقالية تأخذ شرعية من الشعب، على أن تتولى مهام تشريعية، تأخذ على عاتقها إعادة صياغة عقد اجتماعي جديد، بمشاركة من نقابة المحامين.

فيما قال السياسي العراقي هوشيار عبدالله، في تغريدة عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إنَّ الحلبوسي لاعب سياسي فريد في اللعبة السياسية العراقية.

إلا أنه قال إنَّ «أجمل شيء في لعبته السياسية هو أن حركاته معروفة لدى الكل ويلعب بيد مكشوفة، ومع ذلك يربح أو يجبر المقابل بقبول النتيجة ويضع إمضاءه على الخسارة أمام حركاته، لدورتين متتاليتين»، مشيرًا إلى أن «الحلبوسي هو أحسن مراوغ بين كل الأحزاب خاصة الشيعية».

من جانبه، قال رئيس لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي النائب هيبت الحلبوسي، في تغريدة عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إنه «عندما تحمل صفات القيادة الرشيدة، تظهر قوة الشخصية في القرار الجريء (..) الرئيس محمد الحلبوسي يتجلى يومًا بعد الآخر بتلك الصفات»، على حد قوله.

توقيت حرج

من جانبها، اعتبرت الباحثة في مركز المورد للاستشارات نوال الموسوي، في تصريحات صحفية، أن توقيت الاستقالة «حرج جدًا» بالنسبة لكل القوى السياسية، وتحديدًا للإطار التنسيقي الذي قد لا يجد الوقت لإعادة ترتيب أوراقه من أجل استبدال الحلبوسي برئيس جديد للبرلمان.

وقالت الموسوي إنّه من الصعب التخمين في كيفية الذهاب نحو تشكيل الحكومة الجديدة، معبرة عن استغرابها من إستراتيجية التنسيقي التي وصفتها بـ«غير المفهومة» في التمسك بترشيح السوداني، رغم الانقسام الواضح داخل الإطار في تبني ترشيحه.

إلا أن مستشار المركز العراقي للدراسات علي فضل الله قال في تصريحات صحفية، إن الحلبوسي ليس جديًا في استقالته، متوقعًا وجود اتفاق مبدئي مع الإطار التنسيقي وباقي القوى السياسية لنيله الثقة للمرة الثانية.