حلم الجنة الأوروبية يتحول لمأساة... مركب الموت ينكأ جراح اللبنانيين
فور إعلان تفاصيل الحادث الذي آلم اللبنانين ونكأ جراحهم، أعلن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، الحداد الرسمي، الاثنين، على ضحايا الزورق الذي غرق قبالة طرابلس

السياق
هربًا من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، ألقى عشرات اللبنانيين بأجسادهم في أحد قوارب الهجرة غير القانونية، محاولين الفرار إلى «الجنة الأوروبية».
إلا أن «الجنة» التي حلموا بها تحولت إلى مأساة، بعد أن غرق بهم القارب قبالة سواحل لبنان، ما أدى إلى مصرع 6 أشخاص بينهم طفلة، بينما لا يزال الجيش يحاول العثور على ناجين بعد أن أنقذ 45 شخصًا.
وغادر القارب -السبت- منطقة القلمون جنوب طرابلس كبرى مدن شمال لبنان وفيه نحو 60 شخصًا لم تحدد جنسياتهم، إلا أنه غرق بعيد مغادرته القلمون بسبب اكتظاظه وسوء الأحوال الجوية.
لكن أحد الناجين قال إن القارب غرق بعد أن طارده الجيش، مضيفًا أن «زورق دورية اصطدم بقاربنا مرتين»، قبل أن تطلب منه عائلات ناجين الصمت وتقتاده بعيدًا.
شهود عيان يتهمون الجيش اللبناني بإغراق قارب على متنه حوالي 60 شخصاً في ميناء #طرابلس. #السياق #لبنان #ميناء_طرابلس pic.twitter.com/Ejt0s6ekwG
— السياق (@alsyaaq) April 24, 2022
ملابسات الحادث
في المقابل كانت للجيش اللبناني رواية أخرى، إذ أكد قائد القوات البحرية العقيد الركن هيثم ضناوي ملابسات غرق مركب طرابلس، قائلاً: «المركب قديم جداً ويتسع فقط لـ6 أشخاص ولم يكن هناك سترات إنقاذ ولا أطواق نجاة(..) حاولنا أن نمنعهم من الانطلاق، لكنهم كانوا أسرع منا وحاولنا أن نشرح لهم أن المركب معرَّض للغرق».
وعن أسباب غرق المركب، قال العقيد ضناوي، في مؤتمرٍ صحفي، إن حمولة المركب لم تكن تسمح له بأن يبتعد عن الشاطئ، لكن للأسف لم يقتنعوا، مشيرًا إلى أن قائد المركب اتخذ القرار بتنفيذ مناورات للهروب بشكل أدى إلى ارتطامه.
وبحسب المسؤول العسكري، فإن عدد الناجين بلغ 45 شخصاً «اليوم لدينا 5 جثث إضافة إلى الطفلة التي توفيت أمس، ومن الممكن أن يكون هناك مفقودون نحاول معرفتهم».
وردًا على الاتهامات الموجهة للجيش اللبناني، قال ضناوي: «فتحنا تحقيقًا شفافًا ونتحمل مسؤولياتنا، وإذا أخطأ أحد منا نحاسبه، لكن لم يحصل أي خطأ تقني من قبلنا، وهناك بعض الجهات التي تحاول تسييس هذا الموضوع، لأنه موسم انتخابات».
تحقيقات شفافة
وأكد المسؤول العسكري، أن هناك عقوبات يتحملها صاحب المركب الذي سيحاكم وفقًا للقانون، مضيفًا: الكل يتحملون المسؤولية، لدينا متهم ولديه مساعدون وهم أكثر من جهة قبضوا مالاً من المواطنين، لذلك نحن لا نستطيع حتى الآن أن نحصي عدد الذين كانوا في المركب».
من جانبه، قال مدير قسم الطوارئ بالمستشفى الإسلامي الخاص في طرابلس بلال حجازي، في تصريحات لوسائل إعلام محلية: «وصلنا خبر أولي عن غرق مركب في الميناء وجرى إنقاذ بعض الركاب، وللأسف استقبلنا أول ضحّية هي الطفلة تالين محمد الحموي (سنة ونصف السنة) التي فارقت الحياة قبل وصولها إلى المستشفى نتيجة الغرق».
وأوضح المسؤول، أن المستشفى استقبل أيضاً إصابتَين بعد الطفلة تالين، وجرى إسعافهما بنجاح، في حين أن إصابتهما كانت طفيفة.
الحداد الرسمي
وفور إعلان تفاصيل الحادث الذي آلم اللبنانين ونكأ جراحهم، أعلن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، الحداد الرسمي، الاثنين، على ضحايا الزورق الذي غرق قبالة طرابلس.
وبحسب قرار ميقاتي، فإن الأعلام المرفوعة على الإدارات والمؤسّسات الرسمية والبلديات كافة تنكس حدادًا، وتعدّل البرامج العادية في محطات الإذاعة والتلفزيون، بما يتوافق مع المناسبة الأليمة.
ووجَّه ميقاتي وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، بالتوجه إلى طرابلس وتقديم كل ما يلزم لعائلات الضحايا، وكلف الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير بأن يكون إلى جانب الأهالي وتقديم المساعدات الممكنة لهم.
وتابع ميقاتي مع قائد الجيش العماد جوزاف عون ملف البحث عن ركاب الزورق، الذي غرق قبالة طرابلس والتحقيقات الجارية.
مقاربة حقيقية
ووجه ميقاتي بالإسراع في التحقيقات لكشف ملابسات الحادث، مطالبًا المواطنين بألا يقعوا ضحية عصابات تستغل الأوضاع الاجتماعية لابتزازهم بمغريات غير صحيحة وغير قانونية.
بدوره، تقدم رئيس مجلس النواب نبيه بري بأحر التعازي لذوي الضحايا، داعياً السلطات الأمنية والقضائية المختصة لإجراء تحقيقاتها بسرعة وشفافية، وكشف ملابسات هذه الجريمة، وإنزال أقصى العقوبات بحق المرتكبين لا سيما أنها ليست المرة الأولى التي يدفع ثمنها اللبنانيون غالياً.
وأضاف بري، أن العزاء الحقيقي في أن يسمع جميع المسؤولين في لبنان، على مختلف مواقعهم، خاصة من هم في السلطة التنفيذية والوزارات المعنية، لصوت أبناء طرابلس والشمال المفجوعين بفلذات أكبادهم، من أجل مقاربة حقيقية تضع حداً لحرمان هذه المنطقة العزيزة من لبنان.
هجوم حاد من الحريري
في سياق متصل، شن رئيس الوزراء السابق سعد الحريري هجومًا حادًا على المسؤولين في بلاده، قائلًا: «عندما تصل الأمور باللبناني للجوء إلى قوارب الموت هرباً من جهنم الدولة، فهذا يعني أننا أصبحنا في دولة ساقطة».
وأكد الحريري، عبر «تويتر»، أن طرابلس تعلن اليوم بلسان ضحاياها هذا السقوط، مشيرًا إلى أن الشهادات التي صرح بها ضحايا قارب الموت خطيرة ولن نقبل بأن تدفن في بحر المدينة.
وبينما طالب الحريري بتحقيق سريع يكشف ملابسات الحادث ويحدد المسؤوليات، حذر من أن عدم حدوث ذلك «سيكون فيه كلام آخر».
دفتر عزاء
وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان إلى دفتر عزاء، بينما انتشرت دعوات تطالب بالتظاهر أمام منزل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في طرابلس.
وتجمع أقارب أشخاص كانوا في القارب ينتظرون خارج الميناء، أملا في تلقي أنباء عنهم. وقال رجل ينتظر أنباء عن قريب له خارج الميناء: «حدث هذا بسبب السياسيين الذين أجبروا اللبنانيين العاطلين عن العمل على مغادرة البلاد».
وقال قريب لأحد ركاب القارب عند مدخل ميناء طرابلس: «كان ابن أخي، الذي لديه خمسة أطفال وزوجة حامل، يحاول الهروب... من الفقر».
وكانت اثنتان من بنات عم نسرين مرعب في القارب مع أطفالهما، وكتبت نسرين عبر "فيسبوك": أهل طرابلس قدرهم أن يموتوا».
ويشهد لبنان -الذي يناهز عدد سكانه ستة ملايين نسمة- أزمة مالية خطرة، إذ فقدت الليرة أكثر من 90% من قيمتها وأصبحت أغلبية السكان تحت خط الفقر.
ويلقي كثيرون من السكان، ومنظمات دولية وحكومات أجنبية، باللوم في الأزمة على الطبقة السياسية اللبنانية، التي ظلت على حالها لعقود، في ظل اتهامات لها بالفساد وعدم الكفاءة.