استعدادًا لحرب محتملة مع روسيا... فنلندا تشرع في تجهيز الأنفاق
تسعى فنلندا للحصول على نظام من المخابئ والأنفاق تحت هلسنكي، بطول 200 كيلومتر، ويمكن في أي وقت تحويلها إلى ملاجئ ومركز قيادة

ترجمات – السياق
تشديدات أمنية غير مسبوقة تعيشها فنلندا، تحسبًا لتوسّع رقعة الصراع بين روسيا وأوكرانيا، إذ بدأت تطوير شبكة أنفاق تحت الأرضي، يمكنها استضافة أكبر عدد من سكان العاصمة.
وللحماية من هجوم روسي محتمل، تسعى فنلندا للحصول على نظام من المخابئ والأنفاق تحت هلسنكي، بطول 200 كيلومتر، ويمكن في أي وقت تحويلها إلى ملاجئ ومركز قيادة، وتسمي وزارة الدفاع هذا النظام "الدروس المستفادة من الحرب العالمية الثانية".
ففي مركز رياضي تحت الأرض وسط هلسنكي، كان هناك مراهقون يلعبون الهوكي، وبالقرب منهم باب صغير يؤدي إلى "غرفة التحكم"، وهي مساحة مضاءة بشكل خافت مع أنظمة أكسجين كبيرة ومولدات كهربائية، هذا المكان أحد الملاجئ التي سبق أن أسستها هلسنكي في ستينيات القرن الماضي، تحسبًا لأي حرب محتملة.
وقالت صحيفة غارديان: إذا تحقق أسوأ المخاوف الأوروبية، وامتدت حرب موسكو في أوكرانيا إلى جيران آخرين لروسيا، يمكن تحويل هذه المراكز الرياضية إلى ملاجئ طارئة من القصف، إذ إنها جاهزة لاستيعاب آلاف الفنلنديين.
منشآت رياضية
ونقلت "غارديان" عن تومي راسك، مدرب السلامة في مركز الدفاع المدني في هلسنكي، قوله: "لا أشعر بالقلق في حال وقوع أي حرب لأن لدينا هذه الملاجئ".
وأوضح راسك -الذي كان يقود جولة في الملجأ الذي يمكن أن يستوعب ما يصل إلى 6000 شخص- أن فنلندا بدأت لأول مرة بناء شبكة واسعة من الملاجئ في الستينيات، ويرجع ذلك إلى تجربتها في محاربة الاتحاد السوفييتي شتاء 1939.
وأشار إلى أن أبواب هذه الملاجئ فولاذية، وتتحمل أي قصف شديد، بما في ذلك الهجمات النووية والكيماوية.
وذكرت "غارديان" البريطانية، أنه نظرًا لأن البلاد لم تشهد أي عمل عسكري منذ عام 1945 ، فقد جرى استخدام الملاجئ كمنشآت رياضية ومواقف للسيارات ومخازن.
وحسب "غارديان" فإن الاستراتيجية الدفاعية لفنلندا، التي يبلغ طول حدودها 1340 كيلومترًا (830 ميلًا) مع روسيا، أصبحت موضع تركيز السلطات، منذ غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، الذي أدى إلى أكبر أزمة جيوسياسية في أوروبا، منذ الحرب العالمية الثانية.
وأمام هذه التحديات، بدأت فنلندا -هذا الأسبوع- مناقشات للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بينما قال وزير خارجيتها بيكا هافيستو لصحيفة غارديان إن بلاده لديها مخاوف من احتمال استخدام روسيا لأسلحة نووية تكتيكية في أوكرانيا.
5500 ملجأ
وقال راسك إن جميع المباني يجب أن تكون لها ملاجئ خاصة، ويقدر أن هناك ما يقرب من 5500 ملجأ للدفاع المدني، بنحو 900 ألف مكان في هلسنكي وحدها.
وذكر أن هذه الملاجئ يمكنها أن تحمي المواطنين، من أي قصف أو هجوم كيماوي، مضيفًا: "لدينا بهذه الملاجئ ماء وهواء نقي وأسرَّة، حيث يستطيع الناس الجلوس هنا أسابيع من دون معاناة".
ويضم الملجأ غرفًا مختلفة، وكافيتريا وغرفة ألعاب للأطفال.
وأضاف راسك: "لقد جرى بناؤه على هذا النحو عن قصد، إذ أظهرت الدراسات أن الأشخاص يتفاعلون بشكل أفضل مع الغرف التي تحتوي على جدران، حيث توجد حدود تشكل إحساسًا بالخصوصية".
ولدى سؤاله عما إذا كانت الأحداث في أوكرانيا قد أثرت في عمل الدفاع المدني بهلسنكي، قال راسك: إنه لأمر محزن أن نرى ما يحدث في أوكرانيا، مضيفًا: "أرى الفقراء يختبئون في المترو أو في المسارح، إنه يوضح مرة أخرى مدى أهمية ما نقوم به هنا".
الأمن الشامل
ورأت "غارديان" أن شبكة الملاجئ الواسعة ليست سوى أحد مكونات ما تسميها فنلندا استراتيجيتها "للأمن الشامل" التي بدأت تجذب الانتباه بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
ونقلت عن تشارلي سالونيوس باسترناك، الخبير الأمني في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية، قوله: على مدى عقود، تستعد الدولة لأي صراع محتمل مع جارتها.
وأضاف: "لم تذكر روسيا على وجه التحديد، لكن كان من المفهوم أن البلاد يجب أن تكون مستعدة لأي هجوم مباغت".
وذكرت "غارديان" أنه يمكن لفنلندا، التي يبلغ تعداد سكانها 5.5 مليون نسمة، حشد جيش في زمن الحرب قوامه 280 ألف فرد، في حين أن لديها إجمالاً 900 ألف جندي احتياطي مدرب.
وأشارت إلى أن هلسنكي حافظت على مستوى عالٍ من الإنفاق الدفاعي، حتى مع خفض بعض التكاليف خلال حقبة التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
وأمام هذه التحديات، أعلنت فنلندا أنها ستستبدل بطائراتها المقاتلة القديمة 64 طائرة من طراز F-35 وأنظمة أسلحة في صفقة تبلغ قيمتها 6.97 مليار جنيه استرليني.
وعن ذلك، يقول سالونيوس باسترناك إن الصفقة جاءت في ظل أزمات اقتصادية تعيشها البلاد بفعل تبعات أزمة كورونا، إلا أن الحكومة أصرت على تنفيذها تأكيدًا لأن الأمن أمر بالغ الأهمية.
ورغم الجهود المبذولة على مستوى البلاد لتعزيز أمنها، شدد سالونيوس باسترناك، على أن فنلندا التي تُصنَّف -في كثير من الأحيان- بأنها من أسعد البلدان في العالم، كانت في المقابل "مجتمعًا عسكريًا"، في إشارة إلى الاستعداد لمواجهة أي حرب محتملة.