هل أمريكا مستعدة لصدمة فوز لوبان بانتخابات فرنسا؟

قال دانييل باير، القائم بأعمال مدير برنامج أوروبا في مؤسسة كارنيجي إندومنت الدولية: بالنسبة لفريق بايدن فإن تداعيات فوز لوبان ستمتد إلى ما هو أبعد من السياسات تجاه روسيا وستوجه ضربة لمشروعه لتعزيز الديمقراطية ضد الاستبداد في جميع أنحاء العالم.

هل أمريكا مستعدة لصدمة فوز لوبان بانتخابات فرنسا؟
مارين لوبان

ترجمات – السياق

بعد خمس سنوات من وصولها إلى الدورة الثانية في الانتخابات الرئاسية 2017، تعاود اليمينية المتطرفة مارين لوبان، الكرّة مرة أخرى عام 2022، إذ تتنافس من جديد في نهائي السباق الرئاسي، الذي يجمعها بالرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، وأثارت إمكانية وصولها إلى قصر الإليزيه قلق فرنسيين وقادة العديد من الدول.

بدورهم، يراقب المسؤولون الأمريكيون بقلق، الجولة الثانية من انتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة الأحد 24 أبريل، لأنها قد تتسبب في تعثر علاقات الرئيس جو بايدن بأوروبا، وتكشف انقسامات خطيرة في الديمقراطية الغربية.

وأرجعت صحيفة نيويورك تايمز، القلق الأمريكي، إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يُعد شريكًا مهمًا في الكثير من الأحداث مع واشنطن، حيث أعاد بايدن بناء العلاقات مع أوروبا، وعزز الديمقراطية، وأقام تحالفًا قويًا ردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن فوز مارين لوبان،  قد يقلب كل هذه الأمور رأسًا على عقب.

ووصفت "نيويورك تايمز" لوبان بأنها "محرضة شعبوية" على طريقة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تحتقر العولمة والاتحاد الأوروبي، وتنظر إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كحليف، وهو ما يعني تغيرًا شبه كامل في السياسة الفرنسية، في ما يخص الحرب في أوكرانيا.

 

تضامن هش

ورأت "نيويورك تايمز" أن فوز لوبان قد يؤدي إلى تعقيد جهود بايدن، في ما يخص عزل روسيا ومساعدة أوكرانيا، مشيرة إلى أن ما سمته "الاحتمال الحقيقي لقيادة فرنسا القومية" يُذكر بأن الفترة الأخيرة من التضامن الأمريكي الأوروبي بشأن القضايا السياسية والأمنية (مثل روسيا والديمقراطية) قد يكون هشًا.

وذكرت أن فوز لوبان ليس وحده، الذي قد يضر بالعلاقات الأمريكية الأوروبية، إذ اتخذت بولندا والمجر، وكلتاهما عضو في حلف الناتو، منعطفات استبدادية، في إشارة لانتخاب فيكتور أوربان المقرب من موسكو، بينما أثار رد فعل ألمانيا القوي بشكل مفاجئ على الغزو الروسي لأوكرانيا، انتقادات محلية غير مسبوقة.

ونقلت الصحيفة عن تشارلز أ. كوبشان، الزميل في مجلس العلاقات الخارجية، أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون، قوله: "وصول حكومة يمينية إلى السلطة في فرنسا، سيكون زلزالًا سياسيًا من شأنه إرسال إشارة مقلقة، بشأن العلاقات السياسية للعالم الغربي".

وأضاف كوبشان -الذي كان مديرًا للشؤون الأوروبية بمجلس الأمن القومي، خلال إدارة باراك أوباما: "هذه لحظة رائعة للوحدة والعزم الأوروبيين، إلا أن انتخاب لوبان سيثير بالتأكيد أسئلة عميقة عن المشروع الأوروبي".

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية، التي جرت في العاشر من أبريل الجاري، تميزت بتقدم قوى لليمين المتطرف، ما يؤكد وجود اتجاه لذلك منذ عشرين عامًا، عندما فاز جان مارى لوبان عام 2002 بنسبة 16.86%، وتأهل للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية آنذاك.

وحصلت مرشحة التجمع الوطنى مارين لوبان على أكثر من 23% من الأصوات، بينما حصل إريك زمور على 7% تقدمت لوبان مقارنة بعام 2017، إذ حصلت على 8.1 مليون صوت مقابل 7.7 مليون عام 2017.

ورأت الصحيفة الأمريكية أنه رغم أن استطلاعات الرأي ترجح إعادة فوز ماكرون، فإن كثيرين من المحللين والمراقبين يرون أن فوز لوبان ليس بعيدًا.

 

انزعاج أمريكي

وأوضحت "نيويورك تايمز" أن القلق الأمريكي يأتي من كون لوبان تتقدم على مستوى استطلاعات الرأي الأخيرة، خصوصًا أنها تتحدث جيدًا في ما يخص الأمور الداخلية، إذ تتشدد في مجال الهجرة، وتحارب ارتفاع تكاليف المعيشة، وهي أمور تلقى صدى لدى الناخب الفرنسي.

لكن -تضيف الصحيفة- ما يزعج الساسة الأمريكيين، هو أن لوبان لها وجهة نظر مختلفة كليًا مع ماكرون في ما يخص السياسة الخارجية لفرنسا، إذ جددت تعهداتها -الأسبوع الماضي- بتقليص دور فرنسا القيادي في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومواصلة ما سمته "التقارب الاستراتيجي" مع روسيا بعد انتهاء الحرب مع أوكرانيا، كما أعربت عن قلقها من أن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا يخاطر بجر دول أخرى إلى الحرب.

وبينت الصحيفة، أنه خلال المناظرة الأخيرة التي جرت الأربعاء الماضي، ذكّر ماكرون الناخبين بأن حزب لوبان حصل على قرض من بنك روسي، قائلًا لها: "أنتِ تعتمدين على بوتين"، إلا أن لوبان -خلال ردها- أصرت على أنها "حرة تمامًا" وقالت إنها سعت للحصول على أموال أجنبية، بعد أن رفضت البنوك الفرنسية إقراضها، كما سعت إلى صرف النظر عن الاتهامات بأنها متعاطفة مع أهداف الحرب الروسية، معلنة "تضامنها المطلق" مع الشعب الأوكراني، إلا أنها تعهدت بتقليص نفوذ الاتحاد الأوروبي، الذي تعده إدارة بايدن ثقلًا موازنًا حيويًا لروسيا والصين.

ووفقًا لمحللين، فإنه أثناء الأزمة الكبيرة التي وقعت بين باريس وواشنطن بشأن صفقة الغواصات الأسترالية، خرج بايدن ليؤكد أن فرنسا "شريك ذو قيمة عالية للغاية للولايات المتحدة"، ومن ثمّ فإنه إذا فازت لوبان، فإن فريق الأمن القومي التابع لبايدن سيضطر إلى إعادة تقييم هذه العلاقة.

 

الدور الروسي

وفي ما يخص الحرب الروسية الأوكرانية، بينت "نيويورك تايمز" أن لوبان تؤيد العقوبات ضد النظام المالي الروسي والأوليغارشيين، لكنها تعارض حظر واردات النفط والغاز الروسي، قائلة إنه ينبغي ألا يعاني الشعب الفرنسي.

وتعليقًا على هذا التوجه، نقلت الصحيفة الأمريكية عن مارتن كوينز، نائب مدير مكتب باريس لصندوق مارشال الألماني، قوله: "لا أتخيل أن مارين لوبان ستقابل فلاديمير بوتين بعد أسبوعين من انتخابها وتتحدث عن إعادة ضبط العلاقات بشكل كبير".

بينما قال دانييل باير، القائم بأعمال مدير برنامج أوروبا في مؤسسة كارنيجي إندومنت الدولية: "بالنسبة لفريق بايدن فإن تداعيات فوز لوبان ستمتد إلى ما هو أبعد من السياسات تجاه روسيا وستوجه ضربة لمشروعه لتعزيز الديمقراطية ضد الاستبداد في جميع أنحاء العالم".

وأضاف باير: "بايدن يرى هذه اللحظة على أنها صراع بين الديمقراطية والاستبداد، وبذلك فإن انتخاب واحدة من الديمقراطيات الأكثر احترامًا وتقدمًا في العالم، شخصًا غير ليبرالي سيكون نكسة لقضية الديمقراطية على نطاق واسع".

بينما علق كوبشان على ذلك بقوله: "كل شيء كنا قلقين بشأنه قبل 24 فبراير -تاريخ الغزو الروسي- لا يزال كامنًا تحت السطح، ومن ثمّ إذا فازت لوبان، فهذا يعني أن اللا ليبرالية -السياسات القائمة على العنصرية- ستكون في المواجهة".