خلايا داعش في السودان.. إرث نظام البشير وامتداد لإخوان مصر

عمرو فاروق، الباحث المصري في شؤون الجماعات الأصولية، قال إن نظام البشير جعل السودان بيئة حاضنة للتيارات الجهادية الإرهابية.

خلايا داعش في السودان.. إرث نظام البشير وامتداد لإخوان مصر

السياق

تطورات أمنية تشهدها الساحة السودانية، بالتزامن مع خلافات بين المكونين المدني والعسكري، فخلال الأيام الماضية، ضبطت السلطات السودانية، عددًا من الخلايا الإرهابية، التي يصنفها مراقبون للشأن السوداني، بالتبعية إلى تنظيم داعش.

 

ضربة أمنية

وعلى مدى أسبوعين، داهم الأمن السوداني أوكار إرهابيين، كان آخرها ما نفذته القوات المشتركة بضاحية جبرة في العاصمة الخرطوم، ما أسفر عن قتل 4، والقبض على 4 من الخلايا الإرهابية.

وفي بيان رسمي، قال جهاز المخابرات العامة السوداني: "إن القوات المشتركة نفذت الأحد الماضي، عملية مداهمة لموقعين بمدينة أم درمان، أسفرت عن القبض على 8 أجانب".

أعلنت سلطات الأمن السوداني، في 28 سبتمبر الماضي، أن 5 من رجالها، بينهم ضباط، لقوا مصرعهم أثناء مداهمة أحد الأوكار، التي يستغلها عدد من المتطرفين الأجانب، وأصيب آخر، وأنها ألقت القبض على 11 من المتطرفين الأجانب.

وذكرت في اليوم التالي، أنها ألقت القبض على 4 من أفراد الخلية الذين فروا أثناء المداهمة، بينهم الرأس المدبر للخلية الإرهابية في مدينة بورتسودان شرقي البلاد.

وتعد السودان، من الدول التي دفعت تكلفة موالاة نظامها السابق إلى التنظيمات الإرهابية، إذ فرضت عليها الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات اقتصادية، وأدرجتها ضمن الدول الراعية للإرهاب، عقب استضافتها لزعيم القاعدة أسامة بن لادن، مطلع تسعينيات القرن الماضي، بعد انقلاب الجبهة الإسلامية -الاسم المحلي الذي عُرفت به جماعة الإخوان داخل السودان- بقيادة حسن الترابي والرئيس المعزول عمر البشير.

كما سمحت عام 1989، لآلاف المصنفين دوليًا بالإرهابيين، بدخول البلاد والإقامة فيها، تحت لافتة "المؤتمر الشعبي الإسلامي".

ويرجع ظهور حركة داعش الإرهابية في السودان إلى عام 2018، عقب سقوط التنظيم في سوريا والعراق، وهروب بعض أفراده إلى عدد من الدول الإفريقية، في محاولة لإيجاد موطئ قدم له، وإعاقة التغيير الذي تشهده الدول التي كانت تحكمها أنظمة موالية للتنظيم، تتبع لجماعة الإخوان.

إلا أن السودان، من الدول التي أعلنت بشكل رسمي مع إعلان تأسيس تنظيم داعش، هروب عدد من مواطنيها وأغلبيتهم من طلبة الجامعات، للالتحاق بالتنظيم في سوريا والعراق وليبيا، وكشفت السلطات السودانية، أن معظم هؤلاء الشباب قُتلوا بينما عادت بعض السودانيات بأطفالهن.

إخوان مصر وداعش السودان

يرى مراقبون أن ما كشفته السلطات السودانية، عن وجود مصريين متورطين بخلية داعش في السودان، تبرئة للأجهزة الأمنية المصرية من تهمة الاختفاء القسري، التي تروج لها جماعة الإخوان عبر عشرات المنصات الممولة.

 وأوضحت تقارير تم تداولها بالإعلام السوداني، أن المصريين المشاركين في الخلية هم: محمد أحمد محمد علي مواليد القاهرة، يبلغ من العمر 31 عامًا، حاصل على معهد فني تجاري، وأكرم عبدالبديع أحمد محمود، وآية حسن عبدالسلام أبو السعود من مواليد 1997، وتقيم في محافظة بني سويف.

وبحسب التقارير الأمنية المصرية، كانت "آية حسن عبدالسلام" تدرس بكلية الآداب في جامعة بني سويف، وزعمت جماعة الإخوان، في أبريل 2019، عبر منصاتها، إلقاء السلطات المصرية القبض عليها من أمام مبنى الكلية واختفاءها قسرياً.

أما المتهم الثاني في خلية داعش، التي تم ضبطها بالسودان، أكرم عبدالبديع أحمد محمود، المتهم في القضية المعروفة إعلاميًا بتنظيم المنصورة، فسافر إلى السودان بتنسيق مع القياديين بالتنظيم محمد بدر الدين عثمان سلام وسعد الدسوقي السيد محمد، والتحق من هناك بحركات جهادية بدارفور.

 

حاضنة الإخوان والإرهابيين

عمرو فاروق، الباحث المصري في شؤون الجماعات الأصولية، قال إن نظام البشير جعل السودان "بيئة حاضنة للتيارات الجهادية الإرهابية".

وأضاف أن هناك عوامل عدة، ساعدت في اعتبار إخوان مصر، السودان "حاضنة طوارئ"، أبرزها قرب الموقع الجغرافي وامتداد الحدود بين البلدين،مما جعلها "دولة ترانزيت" وملاذًا للجماعات التكفيرية، وجسرًا بين جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية المسلحة بالقرن الإفريقي، وغرب إفريقيا، ووسط القارة وشمالها.

ويرى فاروق، أن وجود مصريين في خلايا داعش بالسودان، يكشف بوضوح دور نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، في دعم الإخوان والتنظيمات الإرهابية، اللوجستي والمادي.

من ناحية أخرى، يرى صلاح خليل، الباحث السوداني المتخصص في الشؤون الاستراتيجية، أن زيادة نشاط تنظيم داعش في بحيرة تشاد بإفريقيا، أسهم في انتشاره وسط القارة.

واعتبر أن تراجع فرض عودة التنظيم الإرهابي في العراق وسوريا، أسهم في تحويل إفريقيا إلى "أرض بديلة" يمكن من خلالها تحقيق أجندتهم من ناحية، والحفاظ على القوة الصلبة لهم من ناحية أخرى.

ويشير خليل إلى أن دور السودان عبر النظام السابق، في دعم الجماعات الإرهابية، سبب ظهور هذه الخلايا، بعد رفع الغطاء السياسي والأمني والمادي عنها.

ونفذ تنظيم داعش العام الماضي، هجمات إرهابية بدقة عالية قدِّرت بنحو 43% مقارنة بعام 2019، وهى دلالة واضحة على أن داعش منذ تأسيسه في إفريقيا، تمكن من استقطاب جماعات كبيرة من القبائل، فضلًا عن تنسيقه العالي مع بعض القبائل، في التجارة غير المشروعة، وتأمينه لها بهدف جمع الأموال والاستفادة منها في تحفيز الشباب العاطل عن العمل وتجنيده.

 

تاريخ من المعاناة

وعام 1993، شهد السودان أول عملية إرهابية في منطقة أم درمان، حيث فتح النيران على المصلين في صلاة الجمعة بمسجد أنصار السنة، في هجوم نفذه التكفيري عبد الله الخليفي "اليمني".

وعام 1997، عانى السودان هجمات إرهابية، حيث استولت مجموعة متشددة على أحد أحياء مدينة ود مدني "وسط" وقُتلوا على يد أفراد الأمن، كما استخدم أفراد ينتمون إلى "التكفير والهجرة" السلاح الأبيض، وشُن هجوم ثالث على مسجد بأحد أحياء المدينة استخدم فيه أيضًا السلاح الأبيض.

وعام 2000، شن الإرهابي عباس الباقر هجومًا على مسجد لأنصار السنة، راح ضحيته 27 شخصا، وعام 2007 انفجرت عبوة ناسفة بأحد أحياء جنوب الخرطوم، في مجموعة إرهابيين عُرفت بـ "خلية السلمة" كانت تصنع متفجرات.

وخلال الاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية 2008، شهد السودان عملية اغتيال الدبلوماسي الأمريكي جون غرانفيل، وسائقه السوداني على يد مجموعة متشددة تنتمي إلى تنظيم القاعدة.

بينما ألقت قوات الأمن السوداني، القبض على عشرات الشباب بمحمية الدندر الطبيعية في ولاية النيل الأزرق، بعد مواجهات راح ضحيتها أحد رجال الشرطة، وكشفت التحقيقات وقتها عن تدريبات، لهؤلاء الشباب استعدادًا للهجرة إلى مالي لمواجهة قوات فرنسية هناك.

وقبل أيام، كشف جهاز المخابرات السوداني، في بيان صحفي، أنه "بناءً على معلومات عن خلية تتبع تنظيم داعش الإرهابي، نُفذت عملية أمنية للقبض على مجموعة إرهابية داعشية، في منزل بحي جبرة جنوب العاصمة السودانية.

وقال إن العملية أسفرت عن القبض على 11 إرهابيًا من جنسيات مختلفة"، بينما سقط في صفوفه خمسة "ضابطان وثلاثة ضباط صف وإصابة ضابط بجروح"، عندما "أطلقت المجموعة الإرهابية الرصاص على القوة".