حداد عام بلبنان.. من القاضي الذي وصلت الانقسامات بشأنه إلى اشتباكات في بيروت؟

حزب الله اللبنانية وحركة أمل، دعتا إلى تظاهرة باتجاه القصر العدلي، للمطالبة بتنحية قاضي التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار، إلا أن الأمور سرعان ما ساءت بعد إطلاق نار، أدى إلى قتلى وجرحى.

حداد عام بلبنان.. من القاضي الذي وصلت الانقسامات بشأنه إلى اشتباكات في بيروت؟
طارق بيطار

السياق

بعد 14 شهرًا من أسوأ كارثة بشرية، ما زالت تداعيات انفجار لبنان حاضرة على البلد العربي، باحثة عن متهم لتلقي بأوزارها عليه، إلا أنها ألقت بثقلها على الشارع، لتتحول المنطقة المتاخمة للقصر العدلي في العاصمة بيروت، إلى ساحة لاشتباكات مسلحة راح ضحيتها 7 أشخاص وجرح العشرات.

مليشيا حزب الله اللبنانية وحركة أمل، دعتا إلى تظاهرة باتجاه القصر العدلي، للمطالبة بتنحية قاضي التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار، إلا أن الأمور سرعان ما ساءت بعد إطلاق نار، أدى إلى قتلى وجرحى.

 

حداد عام

قالت وزارة الصحة، إن عدد ضحايا الاشتباكات التي وصفتها بـ«المؤسفة» التي شهدها لبنان في منطقة الطيونة، ارتفع إلى سبع بعد وفاة جريح متأثرًا بإصابته البالغة، مشيرة إلى أنه بينما خرج العدد الأكبر من الجرحى من المستشفيات، بعد تلقيهم الإسعافات اللازمة، لا يزال أربعة يتلقون العلاج.

وأعلنت الحكومة اللبنانية، برئاسة نجيب ميقاتي، أن الجمعة سيكون «يوم حداد عام» على أرواح ضحايا أحداث العنف التي شهدتها، موجهة اعتذارًا للبنانيين عن تلك الأحداث.

من جانبه، طمأن الرئيس اللبناني مواطنيه، بأن «عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء»، مشيرًا إلى أن بلاده ذاهبة في اتجاه الحل وليس إلى الأزمة، مؤكدًا أنه بالتعاون مع رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب «لن نتساهل ولن نستسلم إلى أيّ أمر واقع، يمكن أن يكون هدفه الفتنة التي يرفضها اللبنانيون».

وأكد الرئيس اللبناني، عبر «تويتر»، أن أحداث الطيونة، ستكون موضع متابعة أمنية وقضائية، متعهدًا بالسهر على أن يبلغ التحقيق حقيقة ما جرى، وصولاً إلى محاسبة المسؤولين عنه والمحرّضين عليه، مثل أيّ تحقيق قضائيّ آخر، بما فيه التحقيق في جريمة المرفأ، التي كانت وستبقى من أولويات عمله، والتزامه تجاه مواطنيه والمجتمع الدولي.

وأشار إلى أن القوى العسكرية والأمنية، قامت وستقوم بواجباتها في حماية الامن والاستقرار والسلم الأهلي، ولن تسمح لأحد بأن يأخذ لبنان رهينة لمصالحه الخاصة أو حساباته.

 

إدانة أوروبية

أحدث الطيونة، دانتها بعثة الاتحاد الاوروبي في لبنان، وبينما أعربت عن تعازيها لأسر الضحايا، دعت إلى أقصى درجات ضبط النفس، لتجنُّب المزيد من الخسائر في الأرواح.

وحضت البعثة الأوروبية، جميع الأطراف والقادة، على التصرف بهدوء ومسؤولية، لمنع تصاعد العنف في هذه «اللحظة الحرجة بالنسبة إلى لبنان، ويجب أن تكمن الأولوية في المعالجة البنّاءة والعاجلة للأزمات التي يتحملها لبنان وشعبه، منذ وقت طويل جدًا».

وجددت تأكيد ضرورة استكمال التحقيق في انفجار المرفأ، في أقرب وقت ممكن، على أن يكون التحقيق غير منحاز وذات مصداقية وشفافًا ومستقلًا، ومن دون أي تدخل في الإجراءات القانونية.

 

حزب الله يتحدى

ورغم الأحداث التي كانت مليشيا حزب الله أحد أطرافها، فإن الحزب واصل تحديه للسلطة القضائية، مؤكدًا أنه لن يتراجع عن المطالبة بكف يد المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار.

وقال نائب رئيس المجلس التنفيذي في الحزب، علي دعموش، في تصريحات نشرتها الوكالة الوطنية للأنباء، إن  مسار تنحية القاضي بيطار «سيتواصل ولن يتراجع».

 

نادي قضاة لبنان يرد

نادي قضاة لبنان، لم يسكت على التصريحات المتداخلة بشكل واضح في أعمال القضاء، مؤكدًا في بيان، أن «القضاء قال كلمته، وخلص غير مرة إلى عدم قبول طلبات رد المحقق العدلي في جريمة المرفأ وعليه، من له أذنان فليسمع صوت القانون جيدًا، وليتوقف عن العبث بآخر حصن في فكرة الدولة».

وطالب النادي، في بيان، قضاة لبنان بالتعاضد والوحدة حول مجلس القضاء الأعلى ورئيسه، لمنع أي محاولة لتجاوز صلاحيات السلطة القضائية، وللتصدي لأي محاولة للتطاول والاستقواء عليها من خارجها، ترمي إلى كف يد المحقق العدلي، بأساليب وصفها بـ«الملتوية».

وبينما أكد نادي القضاة أن ملف التحقيق في انفجار بيروت، سيبقى بيد البيطار، ما دام لم يصدر أي قرار عن المرجع المختص برده أو تنحيته، عبَّـر عن أسفه لسقوط ضحايا وجرحى، داعيًا إلى «الإسراع في الكشف عن الفاعلين وإنزال أقصى العقوبات بهم، إحقاقًا للعدالة وتفاديًا لأي فتنة».

ودعا المواطنين إلى «الاتعاظ من التاريخ ومآسيه، والوقوف صفًا واحدًا مع القضاة، لإقرار قانون استقلالية السلطة القضائية، التي تبقى الضامن الوحيد للعدالة، والملاذ الأخير لكل مواطن».

 

من هو بيطار؟

وُلد بيطار في بلدة عيدمون بمحافظة عكار عام 1974، والتحق بمعهد الدروس القضائية عام 1999، وشغل منصب قاض منفرد جزائي في طرابلس بين عامي 2004 و2010.

وتولى النظر في قضايا جرائم مالية، ثم عيِّن مدعياً عاماً استئنافياً شمالي لبنان حتى عام 2017، وتولى التحقيق في جرائم طالت بعض الشخصيات السياسية والإعلامية.

ويشغل، إضافة إلى مهمته كمحقق عدلي في انفجار مرفأ بيروت، منصب رئيس محكمة جنايات بيروت منذ عام 2017، لينظر في عدد من القضايا الجنائية الكبيرة، التي شغلت الرأي العام، بينها جرائم قتل واتجار بالمخدرات واتجار بالبشر.

عين بيطار في فبراير 2021، قاضياً للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، خلفاً لفادي صوان، الذي أمرت محكمة التمييز الجزائية بتنحيته، بعد قبول دعوى تطالب بذلك، عقب طلبه استجواب رئيس الوزراء اللبناني السابق حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين.

إلا أنه بعد أشهر من توليه التحقيق، في الحادث الذي أسفر عن مصرع أكثر من مئتي شخص وإصابة أكثر من ستة آلاف، وجد بيطار نفسه في قلب معركة محتدمة، بين القوى السياسية المختلفة في لبنان.

بيطار قضى الأشهر الأولى من تعيينه قاضيًا للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، في دراسة ملف القضية والاستماع للشهود، ليصدر قرارات بإخلاء سبيل بعض المحتجزين على ذمة القضية.

ودخل القاضي بيطار في مواجهة مع الطبقة السياسية، بعد أن طلب في يوليو الماضي، رفع الحصانة النيابية عن الوزير السابق والنائب نهاد المشنوق، إضافة إلى النائب غازي زعيتر تمهيدًا للادعاء عليهما، كما طالب باستجواب عدد من المسؤولين، بينهم قادة أمن حاليون وسابقون.

وأصدر في أغسطس مذكرة إحضار بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال آنذاك حسان دياب، قبل جلسة استجوابه التي حددها حينها في 20 سبتمبر الماضي.

وأواخر سبتمبر الماضي، استدعى بيطار  النائب والوزرير السابق نهاد المشنوق والنائبين والوزيرين السابقين المنتميين إلى حركة أمل علي حسن خليل و غازي زعيتر، لاستجوابهم كمدعى عليهم بجرم الإهمال والقصد الاحتمالي، الذي أدى إلى جريمة القتل.

إلا أن التحقيق في القضية، جرى تعليقه بعد رفع الوزير السابق نهاد المشنوق دعوى قضائية تطالب بإعفاء بيطار، بينما رفضت محكمة الاستئناف الدعوى في 4 أكتوبر، ليعود سير التحقيقات من جديد.

لم تمضِ أيام، حتى علق التحقيق مرة أخرى في 12 أكتوبر، بعد أن رفع الوزيران السابقان علي حسن خليل و غازي زعيتر، دعوى جديدة تطالب بتنحية بيطار، إلا أن محكمة التمييز أصدرت قرارها برد دعوى الوزيرين واستمرار بيطار في المهمة الموكلة إليه، ليحتشد مئات من أنصار حزب الله وحركة أمل وتيار المردة، أمام القصر العدلي في بيروت، للتنديد به، والمطالبة بتنحيته.