مقتدى الصدر.. زعيم الميليشيا الذي تحوَّل إلى صانع ملوك في العراق
قال الصدر هذا الأسبوع: حان الوقت الآن للعيش بسلام، من دون احتلال ولا إرهاب ولا ميليشيات تختطف وترهب وتنتقص من دور الدولة

ترجمات - السياق
قالت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، إن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق، أكدت قدرة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على حشد الأصوات، بشكل أكبر من أي زعيم عراقي آخر، إذ استطاعت كتلته أن تحصل على 73 مقعدًا، بعدما حصلت على 54 فقط عام 2018، مشيرة إلى أنه جمع في خطاب النصر، الاثنين الماضي، بين الدين والقومية، والتعهدات بتطهير النظام السياسي، الذي انخرط فيه أتباعه.
خيبة أمل
ونقلت الصحيفة عن مقتدى الصدر قوله: "لن تسيطر الحكومة والأحزاب على الأموال والخيرات، لأنها ملك للشعب"، مشيرًا إلى أن حديثه يعكس خيبة أمل العراقيين المريرة من سياسييهم بعد عام 2003، الذين يُعتقد أنهم نهبوا الثروة النفطية للعراق، ثاني أكبر منتج في منظمة أوبك، لكن هذه لم تكن المرة الأولى، التي يسمع فيها شعب العراق هذه الوعود.
وأشارت "فاينانشيال تايمز" إلى أن الصدر الذي وصفته بأنه "متشدد، نصَّب نفسه بطلًا للمضطهدين، وصانع الملوك، وسليل عائلة دينية تحظى باحترام الأغلبية الشيعية في العراق"، أعاد اكتشاف نفسه مرات عدة".
الصدر الذي يبلغ الآن من العمر 47 عامًا، ولحيته بيضاء، لم يعد يشبه الرجل الأصغر سنًا، الذي قاد تمردًا ضد القوات البريطانية والأمريكية المحتلة عام 2004، وما تبع ذلك من إراقة للدماء.
ورغم أنه لا يزال يقود سرايا السلام، وهي جماعة شِبه عسكرية، يصر أنصارها على أنها ميليشيا ترعاها الدولة، فقد قال الصدر هذا الأسبوع: "حان الوقت الآن للعيش بسلام، من دون احتلال ولا إرهاب ولا ميليشيات تختطف وترهب وتنتقص من دور الدولة"، وفقًا للصحيفة.
وأضافت: "كان القيادي البارز في التيار الصدري، ضياء الأسدي، التقى الصدر لأول مرة، عندما كان يعمل لدى والده المرجع الشيعي محمد صادق الصدر، أحد أكثر رجال الدين الشيعة احترامًا في العراق، في العشرينيات من عمره، وكان الأخير قد حرَّض على بدء حركة دينية تمزج الشيعة بالعدالة الاجتماعية، وتحدى علنًا الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين".
متمرد ومزاجي
يصف الأسدي مقتدى الصدر، بأنه شخص شديد الجدية، فرغم أنه يفتقر إلى المؤهلات العلمية التي كانت لدى والده، فقد ورث الصدر حركته بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، وعلى عكس شخصيات المعارضة الشيعية الأخرى، بقي الصدر في العراق في عهد صدام، وكان معقله الحي الشيعي الفقير المترامي الأطراف في بغدادن الذي كان معروفًا باسم (مدينة صدام)، لكن أعيدت تسميته بـ(مدينة الصدر) بعد وفاة زعيم التيار، ويحظى الصدر بشعبية كبيرة بين الطبقة العاملة من الشيعة العراقيين، بحسب "فايننشال تايمز".
وأوضحت الصحيفة، أنه وفقاً لباحث قابل الصدر مرات عدة، خلال فترة الاحتلال الأمريكي، طلب عدم كشف هويته، فإن مقتدى الصدر، استطاع بناء شبكة من الأتباع تشبه الطائفة، بشكل لم يتمكن أي زعيم آخر في العالم العربي من القيام به، مرجعًا ذلك إلى إرث والده، رغم أنه شخص غير متوقع، ومتمرد، ومزاجي.
مواجهة الاحتلال
رغم دعم الصدر في البداية لإطاحة صدام، فإنه سرعان ما وقع في مواجهة المحتلين، الذين أصدروا مذكرة "قتل أو أسر" بحقه، بسبب الاشتباه بتورطه في مقتل رجل دين شيعي موالٍ للغرب عام 2003، وبحلول عام 2004، قرر الزعيم الشيعي مقاومة الاحتلال، لكن التمرد المناهض للولايات المتحدة، سرعان ما تحول إلى حرب أهلية دموية، مع حدوث قتال بين الجماعات المتطرفة السُّنية والشيعية وقوات الدولة العراقية والقوات الأجنبية.
لكن كان جيش المهدي التابع للصدر، بمساعدة إيران، يمثِّل طليعة الهجوم العسكري الشيعي ضد السُّنة، بحسب باتريك كوكبيرن مؤلف كتاب "مقتدى الصدر والمعركة من أجل مستقبل العراق".
وذكرت الصحيفة، أن الصد قرر عام 2008 تجميد جيش المهدي، بعد أن شنت الحكومة العراقية، بدعم الولايات المتحدة، هجومًا كبيرًا ضده، لكنه منذ ذلك الحين، أقام علاقة وصفتها بـ"الغامضة" مع طهران، حيث نصَّب نفسه على أنه قومي معارض للنفوذ الأجنبي، بينما كان يدرس بشكل دوري ويلجأ إلى قم، المدينة الشيعية المقدَّسة في إيران.
بطل المضطهدين
عندما دخل عالم السياسة، صوَّر الصدر نفسه على أنه بطل المضطهدين، في ظل خيبة أمل العراقيين من السياسيين الكليبتوقراطيين (السياسيون الفاسدون الذين يعملون على إثراء أنفسهم سرًا خارج سيادة القانون)، واستعرض عضلاته في الاحتجاجات المناهضة للفساد.
وعام 2016، اقتحم أنصاره المنطقة الخضراء، التي تقع وسط بغداد وتضم السفارات والبرلمان العراقي، وجذب نفوذه المتزايد الانتباه، حتى أنه عام 2017، دعاه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى زيارة السعودية، وفقًا لـ "فايننشال تايمز".
ورغم صورته الخارجية، أصبح أنصار الصدر جزءًا من الدولة العراقية، وفي انتخابات 2018، فازت كتلته بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية، ما منح حزبه السيطرة على الوزارات ومناصب الخدمة المدنية العليا، الأمر الذي سمح له بتوزيع الوظائف والمزايا على المؤيدين، وعند اندلاع المظاهرات المناهضة للنظام أواخر عام 2019، دعمها الصدر في البداية، لكنه انقلب لاحقًا على المتظاهرين الشباب، وتركهم غير واثقين في التيار الصدري، حسب الصحيفة.
محاربة الفساد
ورأت "فاينانشيال تايمز" في نهاية تقريرها، أن جاذبية الصدر الآن تقتصر على قاعدته المتشددة، لكن الآلة الانتخابية لحزبه، استفادت بمهارة من النظام الانتخابي الجديد، واستخدمت قوته التصويتية، مشيرة إنه رغم سيطرته على الكتلة الأكبر في البرلمان، فإنه يتعين على زعيم التيار الصدري، أن يتفاوض على تشكيل حكومة جديدة مع فصائل أخرى، بعضها مسلح ويرفض نتائج الانتخابات، ومع رؤية العديد من العراقيين أن أتباعه فاسدون، فإن ادعاء الصدر بأن "كل الفاسدين سيحاسَبون" سيتم اختباره الآن.