عطشى خوزستان يتلقون الرصاص بدلاً من الماء.. والاحتجاجات تطوِّق إيران
الرصاص ومسيل الدموع بدل الماء... واحتجاجات الأحواز تصل العاصمة

السياق
احتجاجات انطلقت شرارتها قبل 7 أيام، من إحدى محافظات غربي إيران، إلا أنها أخذت منعطفًا آخر بانتقالها إلى العاصمة طهران ومناطق عدة في البلد الآسيوي، لتجد السُّـلطات نفسها أمام مشهد غير مألوف، ممثلاً في هتافات تطالب بإسقاط الحكومة.
فمن قطع للإنترنت، وانتشار أمني مكثَّف، مرورًا بتعامل شرطي عنيف مع المحتجين، إلى إطلاق الرصاص الحي، تعدَّدت طرق تعامل السلطات الإيرانية، في محاولة لقمع تظاهرات الأحواز التي دخلت يومها الثامن، وأسفرت عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل.
قطع الإنترنت
وقالت مجموعة الدفاع عن الوصول إلى الإنترنت «نتبلوكس دوت كوم»، إن السُّـلطات الإيرانية، عطَّلت خدمة الإنترنت عبر الهاتف المحمول، بدءًا من 15 يوليو الجاري، عندما بدأت الاحتجاجات في خوزستان، وسط جفاف أثَّر في المنطقة الغنية بالنفط المجاورة للعراق.
وحذَّرت «نتبلوكس دوت كوم» من أن تقارير المستخدمين «كانت متسقة مع إغلاق إقليمي للإنترنت، يهدف إلى السيطرة على الاحتجاجات»، مشيرة إلى أن التأثيرات تمثِّل «إغلاقًا شِبه كامل للإنترنت، من المرجَّح أن يحد من قدرة المحتجين على التعبير عن السخط السياسي، أو التواصل مع بعضهم والعالم الخارجي».
الرصاص الحي
قطع الإنترنت، كان من طرق تعامل السُّـلطات الإيرانية القمعية مع الاحتجاجات، التي استخدمت فيها قوات الأمن الرصاص الحي، بحسب صحيفة جيروزاليم بوست، التي أشارت إلى بعض مقاطع الفيديو، التي تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، وتظهر أعدادًا كبيرة من المتظاهرين في الشوارع، مع محاولة يائسة للشرطة لتفريقهم بإطلاق النار.
إطلاق النار في محافظة خوزستان، تزامن مع انتشار أمني مكثَّف، شهدته ساحات العاصمة الإيرانية طهران، مساء الأربعاء، بعد ليلة من الاحتجاجات شهدتها تلك المناطق، ردَّد فيها المتظاهرون هتافات وشعارات، ضد النظام والمرشد الإيراني، في محطة مترو صادقية بطهران، تضامنًا مع احتجاجات الأحواز.
هتافات معادية
وأظهرت مقاطع فيديو، نساء يهتفن «تسقط الجمهورية الإسلامية» في محطة مترو بطهران، بينما عبَّر بعض الناس في العاصمة عن غضبهم، بهتافات ضد المرشد الأعلى علي خامنئي.
وفي مدينة إيزيه، أظهر شريط فيديو متظاهرين يهتفون «رضا شاه، بارك روحك»، في إشارة إلى الملك الذي أسس سلالة بهلوي، التي أطاحتها الثورة الإيرانية عام 1979.
كما نظَّم عدد من النشطاء المدنيين، الثلاثاء، تجمعات أمام مبنى وزارة الداخلية الإيرانية، دعمًا لاحتجاجات الأحواز، وأدانوا قمع المتظاهرين هناك.
سياسات النظام
إلى ذلك يقول عبدالرحمن الحيدري، المتحدِّث باسم التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز، في تصريحات لـ«جيروزاليم بوست»، إن قضية المياه كانت مجرَّد شرارة، مشيرًا إلى أن سياسات النظام تهجِّر الناس، وتركِّز على قمع الشعب الأحوازي.
وانتقد حيدري رد المجتمع الدولي، قائلاً: «لم يتجاوز الأمر الرسائل، لم يتخذوا إجراءات حقيقية»، مشيرًا إلى أنه في الوقت الذي تتطلَّع فيه الحكومة الأمريكية إلى عقد صفقة مع إيران، فإن هذه الصفقة ستمنح فرصة أخرى للنظام، لقمع الناس بشكل أعمق وتنفيذ خُطته.
وقالت المنظمة الأحوازية لحقوق الإنسان إن «الآلاف من أطفالنا ماتوا بعد إصابتهم بأمراض السرطان والرئة والربو والتنفس".
استجابة محدودة
ورغم الغضب الداخلي المتفجِّر، فإن استجابة المجتمع الدولي كانت محدودة، وهو ما أدانه حميد مطشر رئيس حزب الأحواز الأحرار، داعيًا إلى حماية الشعب الأحوازي.
وقال مطشر: «إنني أدعو العالم كله، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، والرئيس جو بايدن ونفتالي بينيت، إلى حماية الشعب الأحوازي الأعزل، من وحشية الحرس الثوري الإرهابي».
وناشد الشعوب والدول الحرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل... "أن تخرج شعبي من الأحواز المحتلة، وأن تطرح قضية الأحواز على طاولة الأمم المتحدة".
دعم أمريكي
أعرب عدد من المسؤولين الأمريكيين، عن دعمهم لاحتجاجات الأحواز، بينهم المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، الذي أكد -في مؤتمر صحفي- أن الولايات المتحدة تراقب الاحتجاجات في إيران، وتدعم حقوق الإيرانيين، للتجمع والتعبير عن السلام.
وأضاف المسؤول الأمريكي، أن الشعب الإيراني يجب أن يتمتع بهذه الحقوق، بلا خوف من العنف والاعتقالات القسرية، من القوات الأمنية.
وأدانت السيناتور الجمهورية كلوديا تني، هجمات النظام الإيراني على المتظاهرين السِّلميين، الأسبوع الماضي بشدة، قائلة: «الشعب الإيراني يريد الحرية، ويطالب بحقوقه الأولية»، مشيرة إلى أن نظام الملالي في طهران، لا يمثِّل مستقبل الشعب الإيراني.
قمع الأنظمة
وقال السيناتور الجمهوري نيكول ماليوتاكيس، في تغريدة عبر حسابه بـ «تويتر»: «ثار الشعب الإيراني ضد النظام الإيراني الظالم والمتجاوز... هذا مثال لقمع الأنظمة الديكتاتورية فقط».
وفي إيجاز صحفي لوزارة الخارجية الأمريكية، ردَّت نائبة المتحدِّثة الرئيسية جالينا بورتر، على سؤال أحد المراسلين عن الاحتجاجات، قائلة: «لقد رأينا بالتأكيد التقارير عن النقص في إيران والاحتجاجات الناتجة، ونحن نواصل حث الحكومة الإيرانية، على دعم الشعب الإيراني، وهو يمارس حقوقه العالمية في حرية التعبير، وكذلك حرية التجمع السِّلمي».
دعم محلي
رابطة الكُتّاب الإيرانيين، أصدرت بيانًا، أعلنت فيه دعمها لاحتجاجات الأحواز، قائلة: لا يحق لأحد الرد عليهم بالرصاص والغاز المسيل للدموع، ولا بتسهيل قمعهم، بوصف احتجاجاتهم العادلة والسِّلمية " لعب في أرض العدو".
وأكدت الرابطة، أن الوضع الحالي في خوزستان، نتيجة «سياسات النهب المعادية للشعب، التي تم انتهاجها في العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية»، مشيرة إلى أن أهالي خوزستان، الذين يحتجون الآن على شح المياه «يتلقون الرصاص والغاز المسيل للدموع بدلاً من الماء».
وانتقدت رابطة الكُتّاب الإيرانيين، التعتيم على الصحافة الإيرانية، داعية جميع الكُتّاب والصحفيين المستقلين، والنشطاء الاجتماعيين ومحبي الحرية، إلى عدم الرضوخ لأي تعتيم، وأن يكونوا صوتًا لمعاناة شعبهم ومطالبه المشروعة.
المجلس التنسيقي لنقابة المعلِّمين في إيران، أكد دعمه للاحتجاجات، التي تحاول السُّلطات نسبتها إلى الأجانب، مطالبًا بـ«إنهاء هذا العنف السافر، ووقف هذه الجرائم بشكل نهائي».
سكان الأحواز
ويبلغ عدد سكان الأحواز في إيران، نحو 5 ملايين نسمة، يتركزون في موقعين استراتيجيين مهمين، مقاطعة خوزستان (موطن إنتاج النفط والغاز الطبيعي الرئيس في إيران والموانئ الرئيسة)، ومنطقة الخليج الفارسي، بين بوشر وبندر عباس، التي تشهد حركة بحرية كبيرة.
ووفقًا للاستطلاعات، فإن الأحواز بين أقل الأقليات العِرقية في إيران اندماجًا، فنحو 82% من الأحواز يتحدَّثون العربية.
إضعاف الأغلبية
وسعت طهران -عمداً على مدى عقود- إلى إضعاف الأغلبية العِرقية الأحوازية في خوزستان، بسبب الأهمية الاستراتيجية لهذه المحافظة، بحسب مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، التي قالت إن النظام يدير برامج لتشجيع الفرس وغيرهم من غير العرب، على الانتقال إلى المحافظة من أجل الديموغرافيا.
وفي تقرير صدر في ربيع 2021، أشار جافيد رحمن، المقرِّر الخاص لمجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة بشأن إيران، إلى «تقارير عن عمليات إخلاء قسري في مناطق الأقليات العِرقية أثَّرت في الأحواز»، مؤكدًا أن عرب الأحواز يواجهون تمييزًا وظيفيًا، في صناعة النفط والغاز في خوزستان