شبح القاعدة الدستورية في ليبيا يعود من جديد... هل يتوافق الفرقاء على الحسم؟
بحسب مصادر -السياق- فإن المبادرة المصرية لها محوران، أولهما حث المجلسين على إنجاز القاعدة الدستورية وتهيئة الطريق أمامهما لحلحلة الصعوبات التي تواجههما، كونها طرفًا يتمتع بالحيادية في التعامل مع الأزمة الليبية.

السياق "خاص"
على وقع حالة «القوة القاهرة»، التي أرجأت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إلى أجل غير مسمى، ووسط غموض يكتنف الأزمة الليبية، التي باتت على أبواب عامها الثاني عشر من دون حل، بات الرهان على الداخل، بعد أن فشلت جهود الاستعانة بالأطراف الدولية.
فبينما تصادمت رغبات الأطراف الدولية، التي انكفأت على وضع حل لليبيا، ضاق الليبيون ذرعًا بالوضع الحالي، الذي امتدت عدوى الانسداد السياسي فيه، إلى جميع مناحي حياتهم، الاقتصادية والأمنية وغيرهما.
ومع استمرار الانسداد السياسي، وانشغال العالم بالأزمة الأوكرانية، بات الليبيون ينقبون في أفكارهم عن حلول لأزمتهم، التي تبدو لأول وهلة عصية على الحل، إلا أن في التفاصيل دومًا تكون الإجابة.
فإحدى الأوراق التي توصف بـ«السحرية»، التي تمتلكها الأطراف الليبية، تتمثل في توحيد الجبهة الداخلية بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، والاتفاق على الملفات العالقة، التي فتح الاختلاف فيها بابًا لأطراف دولية، لبعثرة جهود الحل.
ورقة تحسسها البرلمان الليبي مرارًا، إلا أنها وجدت عراقيل عدة من المجلس الأعلى للدولة، الذي يسيطر عليه تنظيم الإخوان، ما يثير أكثر من سؤال: هل حان وقت استغلال هذه الورقة؟ وهل تجدي نفعًا؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة، علينا الاطلاع أولًا على جديد الأزمة.
فما الجديد؟
في تصريحات صحفية، مساء الخميس، قال رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، إن هناك اتفاقًا مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، على إعادة تكوين المؤسسات السيادية التابعة لمجلس النواب، على أن يفصَل في هذا الملف خلال الأيام المقبلة، إضافة إلى تكوين سلطة واحدة في ليبيا.
وأوضح رئيس البرلمان، أنه سيلتقي رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في القاهرة، بحضور المبعوث الأممي عبد الله باثيلي، مشيرًا إلى «نحن في طريقنا لحل الأزمة الليبية».
وقال إن البرلمان والأعلى للدولة سيدعوان، خلال الأيام المقبلة، اللجنةَ المشتركةَ إلى استئناف اجتماعاتها في القاهرة لإنجاز القاعدة الدستورية، مشيرًا إلى أن ما يتَّفق عليه الطرفان سيجري إنجازه، وما يُختلف عليه يترك للشعب للاستفتاء عليه.
وعما أثير بشأن مبادرة مصرية بدأت تتبلور لحل الأزمة الليبية، قال صالح إن مصر تقف مع الشعب الليبي بكل قوة، مشيرًا إلى أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وقف مع السلطة التشريعية في ليبيا لإيجاد حل للأزمة.
المبادرة المصرية
وبحسب مصادر «السياق»، فإن المبادرة المصرية لها محوران، أولهما حث المجلسين على إنجاز القاعدة الدستورية وتهيئة الطريق أمامهما لحلحلة الصعوبات التي تواجههما، كونها طرفًا يتمتع بالحيادية في التعامل مع الأزمة الليبية.
وأوضحت المصادر، أن المحور الثاني يتمثل في حل أزمة ازدواجية السلطة التنفيذية، عبر الاتفاق على حكومة واحدة، لا يكون عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة تصريف الأعمال منتهية الولاية طرفًا فيها.
وعن إمكانية توافق المجلسين على القاعدة الدستورية في مشاورات القاهرة، قال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان الليبي علي التكبالي، في تصريحات مقتضبة لـ«السياق»، إن الاتفاق على الانتهاء من القاعدة الدستورية، وحسم الأمور الخلافية التي تعيق ذلك التوافق، بات أمرًا غير ممكن.
وأوضح البرلماني الليبي، أن الإعلان الدستوري الثاني عشر سيحل محل القاعدة الدستورية، مشيرًا إلى أن حكومة ثالثة في طريقها إلى ليبيا، بينما يعاني عبدالحميد الدبيبة النزع الأخير.
كان البرلمان الليبي أقر في 10 فبراير الماضي، الإعلان الدستوري الثاني عشر، الذي يتضمن 11 نقطة، أبرزها: تشكيل لجنة من 24 عضوًا من الخبراء والمختصين ممثلين بالتساوي للأقاليم الجغرافية التاريخية الثلاثة، يتم اختيارهم من قِبل مجلسي النواب والدولة مناصفة، مع مراعاة التنوع الثقافي، تتولى مراجعة المواد محل الخلاف في مشروع الدستور المنجز من الهيئة التأسيسية وإجراء التعديلات الممكنة عليه.
أما عن تصريحات رئيس البرلمان، بأن المجلسين في طريقهما لحل الأزمة الليبية، فقال التكبالي، إن هذه التصريحات تكررت مرارًا، مشيرًا إلى أنه لو جرى الاتفاق على المناصب السيادية، فإن ذلك يعني أن المجلس الرئاسي تخلى عن اعتبار نفسه وصيًا على مجلس النواب.
أسباب مناقشة القاعدة الدستورية
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي رضوان الفيتوري، في تصريحات لـ«السياق»، إنه من المستبعد توصل المجلسين لاتفاق بشأن القاعدة الدستورية، ارتكازًا على تاريخ المجلسين من الاجتماعات الطويلة، التي لم تفض إلى نتائج.
وأوضح المحلل السياسي الليبي، أنه ليس من مصلحة النواب والأعلى للدولة أن يتوصلا لاتفاق، لأنه لو حدث، سيكون المشري وصالح خارج أي حل، مشيرًا إلى أنه حتى لو توصلا لاتفاق، لن يسلم الدبيبة -المدعوم من تركيا- السلطة.
وأشار إلى أن تجاوزات حكومة الدبيبة غير مسبوقة، مؤكدًا أن الشارع الليبي يدرك أن الحل في ليبيا يجب أن يكون عسكريًا، لإقصاء المليشيات، والحكومة منتهية الولاية، رغم مطالبة المجتمع الدولي بتنحية الحل العسكري جانبًا.
في السياق نفسه، قال المحلل الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، إن أسباب عودة المجلسين إلى مناقشة القاعدة الدستورية، تتمثل بالاستمرار في المشهد وقطع الطريق على أي حلول أخرى، مشيرًا إلى أنه لا أمل في نجاح المجلسين لإقرار قاعدة دستورية، وإنما الهدف فتح الصراع من جديد على المناصب السيادية.
وأوضح المحلل الليبي، أن مجلسي النواب والدولة، أصبحا من المعرقلين لعودة الاستقرار إلى ليبيا، بهدف الحفاظ على الوضع الراهن، مشيرًا إلى أن الأيام المقبلة قد تشهد تقاربًا بينهما، لإطاحة حكومة الدبيبة.
وعن المبادرة المصرية، قال المرعاش، إن جهود القاهرة تبقى رهينة بموقف الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين تميلان إلى دعم النفوذ التركي، مقابل بقاء تركيا بعيدة عن روسيا، ما يعرقل أي جهود مصرية صادقة للحل في ليبيا، وانتشالها من الفوضى والعبث والتبعية لتركيا.
سياسة التخريب
أما عن تصريح صالح بأن بعض المسائل قد يحسمها استفتاء شعبي، فقال المحلل الليبي، إن ليبيا بوضعها الحالي وشمالها الغربي وعاصمتها طرابلس واقعة فعليًا تحت ما وصفه بـ«الاحتلال العسكري التركي»، مشيرًا إلى أنها غير مؤهلة لانتخابات ولا لاستفتاء.
وأكد أن بريطانيا والولايات المتحدة تريدان المحافظة على حالة الفوضى وعدم الاستقرار لتهديد بقية دول الإقليم مثل مصر والجزائر وتونس، مشيرًا إلى أنهما يمنحان الضوء الأخضر لكل سياسات التخريب والفوضى، التي يقودها أردوغان، ليس في ليبيا وحسب، لكن في سوريا والعراق والصومال.
وأشار إلى أنه من دون التعامل مع الوجود العسكري التركي والمرتزقة السوريين، الذين جلبهم الأتراك إلى ليبيا، لن تشهد ليبيا الاستقرار، مؤكدًا أن الدبيبة على استعداد لتقديم ليبيا فريسة لتركيا والولايات المتحدة وبريطانيا، من أجل أن يبقى في العاصمة طرابلس.
وعن الحكومة الجديدة، قال إن الحديث عن حكومة ثالثة أو رابعة لن يحل المشكلة في ليبيا، فالبلد الإفريقي بحاجة ماسة إلى إنهاء «احتلال» ليبيا وتحريرها من نفوذ بريطانيا والولايات المتحدة، عبر خطوات عدة، أولاها إعادة سيادتها ورفع الوصاية الدولية عنها، وإرغام الأتراك -حربًا أم سلمًا- على مغادرة عساكرهم ومرتزقتهم الأراضي الليبية.