نائب تركي سابق: أردوغان يدق المسمار الأخير في نعش الديمقراطية المتعثِّـرة في تركيا
الرئيس التركي يصعِّد حملته لحرمان ستة ملايين ناخب مؤيد للأكراد من حقهم في التصويت ودفع 40 ألف عضو في حزب الشعب الديمقراطي خارج القنوات الديمقراطية

ترجمات-السياق
قال النائب السابق في البرلمان التركي، أيكان إردمير، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في موقف حرج، في ظِل التراجع الاقتصادي الحاد، وتردي العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن تهديدات رجل المافيا التركي، سادات بكر، بفضح روابط الدائرة الداخلية للرئيس مع المافيا والمعاملات المالية غير المشروعة.
وأضاف إردمير، في مقال بمجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، أن استطلاعات الرأي الأخيرة، تظهر أن دعم الناخبين لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم الذي يتزعمه أردوغان تراجع إلى ما لا يزيد على 27%، وهو أدنى مستوى له، منذ وصول الحزب إلى السلطة عام 2002.
قلق من الانتخابات
ورأى إردمير، وهو مدير برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأمريكية، أن القلق من الانتخابات ليس ظاهرة جديدة بالنسبة لأردوغان، مشيراً إلى أنه عام 2015، أدى الأداء القوي لحزب "الشعب" الديمقراطي المؤيد للأكراد في الانتخابات، إلى سحب الأغلبية البرلمانية من حزب "العدالة والتنمية" بشكل مؤقت، ما أعاق طموحات أردوغان، فترة وجيزة، لاستبدال النظام البرلماني التركي بنظام رئاسي يمنحه سلطات معززة.
وقال إنه بعد أربع سنوات، عندما حوَّل حزب "الشعب" الأصوات الكردية لمرشَّحي المعارضة، في الانتخابات البلدية لعام 2019، خسر مرشَّحو "العدالة والتنمية" المدن الكبرى في جميع أنحاء تركيا.
وأوضح إردمير أن تعطيل حزب "الشعب" الديمقراطي لطموح أردوغان، أدى إلى وضع الحزب في مرمى حملة قمع شاملة، مشيراً إلى أنه على مدى السنوات الخمس الماضية، احتجزت السُّلطات التركية وسجنت الآلاف من أعضاء الحزب، بمَنْ في ذلك رؤساؤه والمشرعون، ورؤساء البلديات، والمسؤولون الإقليميون.
وأكد إردمير أنه، في حال نجحت محاولة قضائية جارية لحل الحزب، فإن أردوغان سيكون بذلك قد حرم ستة ملايين ناخب مؤيد للأكراد، من حق التصويت، في محاولة لتجنُّب الهزيمة في صناديق الاقتراع عام 2023.
دفن الديمقراطية
وقال النائب التركي السابق، إن أزمة حزب الشعب هي الأحدث، في سلسلة طويلة من الأحزاب السياسية المؤيدة للأكراد، التي اضطرت إلى إعادة تشكيل نفسها، بعد حظرها بأمر من القضاء.
ورأى إردمير، أن أردوغان على استعداد لدفن الديمقراطية وسيادة القانون في تركيا إلى الأبد، في سبيل بقائه في السُّلطة، وقال إنه يعوِّل على استمرار تشتُّت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما يمنعهما من صد مساعيه لملاحقة المعارضة، التي لديها إمكانات لاستعادة الديمقراطية، والقيام بذلك بشكل سِلمي.
وأشار إردمير إلى أن حزب "الشعب" الديمقراطي، أصبح هدفاً بعد نجاحه التاريخي في الانتخابات البرلمانية في يونيو 2015، عندما فاز بثمانين مقعداً من خلال تجاوز العتبة الانتخابية الوطنية (الحصة الدنيا من التصويت الأساسي التي يحتاجها الحزب السياسي ليصبح مؤهلاً للحصول على المقاعد) البالغة 10%، وهو أول حزب مؤيد للأكراد في التاريخ التركي يفعل ذلك.
كما أنها كانت المرة الأولى منذ عام 2002، التي يفقد فيها حزب "العدالة والتنمية" أغلبيته البرلمانية، وفي العام نفسه، توقَّفت مبادرة أردوغان من أجل الحل السلمي لتمرُّد حزب "العمال" الكردستاني المستمر منذ أربعين عاماً، وبدلاً من أن تكون المشاعر المؤيدة للأكراد مصدر قوة، أصبحت فجأة عائقاً في ذلك الوقت، حسب قوله.
حملة قمع
يقول الكاتب إنه في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، شن أردوغان حملة قمع، ضد حزب الشعب الديمقراطي، بدعوى أنه الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، رغم أن الأخير لم تكن له أي علاقة بمحاولة الانقلاب.
واعتقلت الشرطة التركية في نوفمبر 2016 خمسة عشر نائباً عن حزب الشعب الديمقراطي، بمن فيهم الرئيسان المشاركان للحزب فيجن يوكسيكداج وصلاح الدين دميرطاش، بتهم تتعلَّق بالإرهاب، ومنذ بدء هذه الحملة، احتجزت السلطات التركية نحو خمسين نائباً، سبعة منهم لا يزالون خلف القضبان، بمن في ذلك دميرطاش".
اشتدت الحملة القمعية على حزب الشعب الديمقراطي، خلال العامين الماضيين، بعد تعرُّض حزب "العدالة والتنمية" لانتكاسة أخرى في صناديق الاقتراع.
فقد تعرَّض الحزب، وشريكه في الائتلاف، حزب العمل القومي، لهزيمة محرجة في الانتخابات البلدية، في مارس 2019، إذ سيطرت كتلة المعارضة على منصب رئيس البلدية في أكبر مدينتين في تركيا، اسطنبول وأنقرة.
هزيمة جديدة
وقال إردمير: رغم إصرار أردوغان على كونه رئيساً ديمقراطياً، فإنه أظهر ازدرائه لرغبة الناخبين الأتراك، ومع اقتراب موعد الانتخابات المقرَّرة بعد أقل من عامين، فإنه يواجه حاجة ملحة لتغيير مسار الأمور، خشية أن يواجه حزب "العدالة والتنمية" هزيمة جديدة أكثر ضرراً.
وقال الكاتب إنه مع تراجع شعبية أردوغان، فإن الضغط على حزب الشعب الديمقراطي سيتزايد، مؤكداً أنه كان من أكثر الأحزاب المؤيدة للأكراد تأثراً عام 2021، إذ أودى هجوم عنيف، على أحد فروع الحزب، بحياة أحد الأعضاء، الشهر الماضي.
و في مارس الماضي، جرَّد الحزب الحاكم، مشرِّعاً بارزاً من الحزب من حصانته البرلمانية، وأرسله إلى السجن لنشر تغريدة على حسابه في "تويتر" تحتوي على مقال إخباري، بينما يواجه الآن خمسة عشر من زملائه خطر التجريد من حصانتهم البرلمانية نفسه، وقضاء عقوبة بالسجن بسبب جرائم وهمية، حسب قوله.
استهداف حزب الشعب
ورصد إردمير الأحداث التي تعرَّض لها حزب الشعب الديمقراطي التركي مؤخراً، قائلاً إن مارس 2021 بدأ باعتقال نائب الحزب البارز عمر فاروق جيرغيرلي أوغلو، وتجريده من حصانته البرلمانية، بعد أن أيدت محكمة النقض إدانته في اتهامات إرهابية، وصفها بأنها "مثيرة للضحك".
حيث أشارت لائحة الاتهام، إلى إعادة جرغيرلي نشر تغريدة على "تويتر" لمقال يدعو إلى حل سِلمي للنزاع الكردي، باعتباره دليلاً على الانخراط في دعاية إرهابية.
وقضت المحكمة الدستورية التركية، في الأول من يوليو الماضي، بإطلاق سراح جيرغيرلي أوغلو، قائلة إنه تم انتهاك حقه في الحرية والمشاركة السياسية.
ولكن بحسب إردمير، لا يزال هناك سبعة مشرِّعين آخرين من حزب الشعب الديمقراطي في السجن، كما يشغل الحزب 55 مقعداً فقط في البرلمان، من سبعة وستين مقعداً فاز بها عام 2018، بسبب إساءة استخدام أردوغان للإجراءات البرلمانية والقضائية.
في 17 يونيو الماضي، اقتحم مهاجم مسلَّح مكاتب حزب الشعب الديمقراطي في إزمير، ثالث أكبر مقاطعة في تركيا، التي تقع على ساحل بحر إيجة، وأطلق الرصاص على موظف الحزب دينيز بويراز، ما أودى بحياته.
وكان بويراز، البالغ من العمر 38 عاماً، وهو العضو الوحيد، موجودًا وقت الهجوم، لكن قادة الحزب يشتبهون في أن الهجوم كان متعمَّداً وليس مجرَّد تصرف متهوِّر.
وقال الرئيس المشارك للحزب، ميثات سنكار، إن المهاجم كان ينوي ارتكاب مجزرة، إذ كان مسؤولو الحزب يخطِّطون لعقد اجتماع في ذلك اليوم، لكن تم إلغاؤه في اللحظة الأخيرة، كما أنه في 14 يوليو الماضي، كان حادث إطلاق نار آخر في مقاطعة مارماريس، وهو ثاني هجوم مسلَّح على حزب الشعب الديمقراطي في شهر واحد".
خلط منهجي
لفت إردمير إلى أن الحكومة التركية، ظلت على مر السنين تخلط بشكل منهجي، بين حزب الشعب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني، إذ إنه غالباً ما يشير أردوغان وشريكه القومي المتطرف دولت بهجلي، إلى أعضاء حزب الشعب الديمقراطي، على أنهم إرهابيون.
ماذا بعد ذلك؟
وفقاً لتقرير أصدره حزب الشعب الديمقراطي، العام الماضي، ألقت السُّلطات التركية، القبض على نحو 16500 من أعضاء الحزب والمنتسبين له.
وذكر التقرير أن أردوغان يسعى الآن إلى توجيه ضربة قاضية للحزب، وهو ما يتضح جلياً في قبول المحكمة الدستورية التركية في 21 يونيو الماضي، لائحة اتهام تهدف إلى حظره وإبعاد نحو 450 من أعضائه عن الحياة السياسية، رغم أنه لا يزال ثاني أكبر حزب معارض في البلاد، حسب إردمير.
وقال النائب التركي السابق: إن صدور الحكم قد يستغرق عامًا، مشيراً إلى أنه إذا حكمت المحكمة لصالح حظر الحزب، فإنه سيتم حله مثل أسلافه المؤيدين للأكراد، كما سيواجه بعض أعضائه حظراً خمس سنوات من ممارسة العمل السياسي، معتبراً أنه بالنظر إلى الضغط المتزايد من الائتلاف الحاكم في تركيا، سيكون من الصعب على المحكمة الدستورية تبرئة الحزب.
وأضاف إردمير أنه في غضون ذلك، هناك جهود جديدة في البرلمان التركي، لرفع الحصانة عن خمسة عشر نائباً إضافياً عن حزب الشعب الديمقراطي، الأمر الذي رأى أنه من المرجَّح أن يمهِّد الطريق لمزيد من الاعتقالات.
نعش الديمقراطية
ووصف إردمير السياسيين المؤيدين للأكراد في تركيا، بأنهم مرنون ولديهم العديد من الحيل، مشيراً إلى أنه رغم تعهد الرئيس المشارك لحزب الشعب الديمقراطي بالقتال ضد تفكيك الحزب، فإن الأخير قد يختار حل نفسه، قبل أن تتشكل الدعوى القضائية وينضم إلى حزب معارض آخر، أو قد يؤسس النشطاء المؤيدون للأكراد حزباً جديداً، باتباع الاستراتيجية التي أتقنوها منذ التسعينيات.
ورأى إردمير أنه مع ذلك، فإن ديمقراطية تركيا قد لا تستطيع أن تنجو من هذه الضربة، معتبراً أن حرمان أكثر من 6 ملايين ناخب مؤيد للأكراد، ودفع 40 ألف عضو للحزب، بعيداً عن القنوات الديمقراطية، سيدق المسمار الأخير في نعش الديمقراطية.
وقال إن إخراج حزب الشعب الديمقراطي من الساحة السياسية، في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لعام 2023 يمكن أن يمنح أردوغان زخماً كافياً، للنجاة من تحدي صندوق الاقتراع، لكن وجوده يمكن أن ينهي عهده ويمثِّل عودة حاسمة نحو الديمقراطية.
وأوضح أن المتشدِّدين، الذين يدافعون عن العنف السياسي على جانبي الصراع الكردي، سيرون في حظر حزب الشعب الديمقراطي انتصاراً، إذ يتوقَّعون أن يحل العمل المسلَّح محل محادثات السلام والمداولات السياسية.
تكاليف بشرية
يبدو أن أردوغان على استعداد لدفع التكاليف البشرية، لمثل هذا التصعيد العنيف، إذا كان سيؤدي إلى دعمه سياسياً، من خلال عكس التآكل المستمر لدعم الناخبين له، لكن قد يكون ذلك سوء تقدير خطير، إذ إنه لن يتسبَّب فقط في خسارة المزيد من الأصوات للكتلة الحاكمة في تركيا، لكنه سيتسبَّب أيضاً في خسائر في الأرواح لمواطنيها البالغ عددهم 85 مليوناً، وذلك من الأتراك والأكراد على حدٍ سواء، بحسب الكاتب.
وبدلاً من ذلك، فإن أردوغان قد يعلِّق توقُّعات حل حزب الشعب الديمقراطي، لمنع وجود معارضة موحدة، قادرة على السيطرة على انتخابات الرئاسة المقبلة عام 2023، وذلك بالنظر إلى أن قدرة المعارضة في التغلُّب على الانقسامات وبناء تحالف كبير غير رسمي عام 2019 قد أدت إلى إحباط خُطط أردوغان في ذلك الوقت، وفي حال انضم حزب الشعب الديمقراطي، إلى تحالف الأمة المعارض ضد "تحالف الشعب" الإسلامي القومي المتطرف بزعامة أردوغان، فإن تكرار ما حدث عام 2019 قد يكلِّف الرئيس قبضته الطويلة على السياسة التركية، حسبما رأى إردمير.
وأكد إردمير أنه بالنظر إلى مدى ارتباط مستقبل حزب الشعب الديمقراطي الشديد، باحتمالات استعادة تركيا للديمقراطية، فإنه يجب على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، متابعة محاولات حظر الحزب وترهيبه، معتبراً أن "صمت بروكسل وواشنطن لا يثبِّط عزيمة القوى المؤيدة للديمقراطية في تركيا فحسب، بل يشجِّع أيضاً حكومة أردوغان على مواصلة حملتها القمعية".
وقال إردمير إنه ما لم تدرك السُّلطات التركية، أنه ستكون هناك تكاليف كبيرة، بما في ذلك فرض العقوبات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لمطاردتها ثاني أكبر حزب معارض في البلاد، فإنها لن تظهر أي محاولات لضبط النفس، وتابع: "هناك فرصة لمنع ديمقراطية تركيا المتعثِّـرة، من المزيد من التراجع، لكن حتى الآن يبدو أن حلفاء أنقرة في الغرب، لم يدركوا المخاطر".