صلح تلاشى وصراع يستعر... بعد كسر الجناح الأول مَنْ يفوز في معركة الإخوان؟

إخوان السجون لن يكونوا حاسمين للصراع و هناك 3 سيناريوهات تحدد شكل المعركة داخل الجماعة

صلح تلاشى وصراع يستعر... بعد كسر الجناح الأول مَنْ يفوز في معركة الإخوان؟

السياق

تشهد جماعة الإخوان -منذ ديسمبر 2015- صراعًا محتدمًا بين 3 أجنحة، سقط أحدها بعد قتل قائده محمد كمال، مؤسس التنظيم المسلح للجماعة الإرهابية في أكتوبر 2016، وظل هناك جناحان: محمود حسين ممثلًا لجبهة اسطنبول، وإبراهيم منير لجبهة لندن.

ومنذ ذلك التاريخ، لم ينتهِ هذا الصراع، رغم مبادرات الصلح التي طُرحت داخليًا وخارجيًا وإقليميًا، بل ظل متصاعدًا، حتى بلغ منتهاه عبر اتخاذ كل جبهة قرارات بفصل أعضاء الأخرى، في ظل صمت قيادات الجماعة المتهمين بقضايا إرهاب في السجون المصرية.

وأشارت مصادر مقربة من المكتب الإداري لجماعة الإخوان في اسطنبول لـ"السياق"، إلى أن جبهة منير، انضم إليها عدد كبير من المكتب العام، وقد انشقت هيكليًا عن الجماعة عام 2015، بعد أن قدَّمت ما عُرف داخليًا بـ"مراجعات الرؤية وتصحيح المفاهيم والأطر التنظيمية ومراجعة التجربة السياسية ككل".

وشددت المصادر ذاتها، على أنه تم طرح نحو 15 مبادرة للمصالحة بين الجانبين، لكنها فشلت في رأب الصدع.

4 مبادرات رئيسة

بيد أن مصادر أخرى مطلعة قالت لـ"السياق"، إن بين هذه الـ15 مبادرة، كانت 4 مبادرات هي الأبرز، وتضمنت خطوات إجرائية، لكنها باءت بالفشل.

المبادرة الأولى، بحسب المصادر، كانت من 12 عضوًا بمجلس الشورى، وهي عبارة عن مشروع قرار يتم تمريره في اجتماع عاجل للمجلس، يتضمن احترام قرارته كسلطة أعلى، إضافة إلى استمرار إبراهيم منير نائبًا للمرشد، على أن يتم التعامل مع مصر مثل باقي الأقطار، عبر المراقبة من دون إلزامها بقرارات.

ولفتت المصادر، إلى أن منير اتخذ قرارًا بتحويل أصحاب هذا المقترح من الشورى العام للتحقيق، لأنها كانت ترضية له من دون منحه صلاحيات فعلية، رغم أنها كانت الأقرب للوائح التنظيم، إذ "لا ولاية للتنظيم الدولي على الأقطار".

أما المبادرة الثانية، وفق المصادر، فقد ركزت على تقديم محمود حسين اعتذارًا لإبراهيم منير، وهو ما رفضه الأول، وطرح بدلًا منها مبادرة من جانبه.

تمثلت هذه المبادرة، التي جاءت مكملة للاعتذار، في ضرورة إعلان إبراهيم منير التزامه بقرارات مجلس الشورى، يليها مباشرة تقديم الأول للاعتذار وعقد اجتماع ثنائي، لمناقشة كيفية الخروج من هذه الأزمة، لكن المبادرتين رُفضتا من جانب منير وأعضاء جبهته.

وجاءت المبادرة الثالثة، بحسب المصادر، بداية عام 2022، وتقدم بها نحو 5 أعضاء من مكتب الإخوان في إحدى الدول، ارتكزت على وضع مبادئ وأسس حاكمة، للصلح، تمثلت في: تأكيد وحدة صف الجماعة بمؤسساتها في الداخل والخارج، وضرورة عدم المساس بها.

كما شددت هذه المبادرة، على ضرورة احترام الجميع للمؤسسية واعتبار مجلس الشورى العام -في الداخل والخارج- مرجعية لكل شؤون الجماعة، ووفق هذا المبدأ، فإنه يجب عقد اجتماع للمجلس يتم خلاله -عادة- النظر في القرارات الصادرة بعد 1 أكتوبر 2021 من كل الأطراف، والاتفاق على الضمانات والضوابط التي تمنع تكرار الأزمة الراهنة.

وتنص المبادرة أيضاً -بحسب المصادر- على نظر مجلس الشورى العام في عودة الهيئة الإدارية وتحديد ضوابط عملها، أو تشكيل مرجعية أخرى جديدة بديلة لها، وأيضاً النظر في انتخابات الرابطة وانتخابات تركيا، بما يحقق وحدة الصف.

إضافة إلى تعيين نائب أو أكثر للقائم بالأعمال، بينهم الدكتور مصطفى طلبة، اعتماداً لترشيح الشورى العام له، وتحديد اختصاصاتهم.

ونصت المبادرة أيضاً -بحسب المصادر- على أن آلية التنفيذ تتمثل في: دعوة مجلس الشورى العام في الداخل والخارج، بهيئته التي يجتمع بها طوال عام 2021 للانعقاد في فترة زمنية لا تزيد على أسبوعين، وأن يقر الجميع بما يتوصل إليه المجلس من قرارات، وكذلك آليات لتطوير اللوائح وتشكيل اللجان وتفعيل لم الشمل.

وتشير المصادر، إلى أن محمود حسين وأعضاء الشورى العام وافقوا على المبادرة، بينما ماطل إبراهيم منير في الرد عليها، بحسب وصفهم، وفي النهاية تلقى جناح اسطنبول إشارات ممن حول منير برفض المبادرة.

وأخيرًا، جاءت المبادرة الرابعة -بحسب المصادر- في 10 فبراير 2022، وتمثلت في اقتراح من عضو بالجماعة يدعى خالد حمدي، بأن يلتقي حسين ومنير لبحث سبل الوصول لحل الأزمة.

وأشارت المصادر إلى أن محمود حسين وافق على المقترح، مشترطًا عرض نتائج الاجتماع على مجلس الشورى العام للبت فيها، والالتزام بما يقره المجلس، واشترط أيضاً أن يشارك في اللقاء 4 أعضاء، بينهم عبدالخالق الشريف والمهندس مصطفى المغير.

وبعد نحو 12 يومًا، بحسب المصادر، جاء الرد من منير عبر أحد أعضاء جبهته، الذي رحب فيه بالمقترح، لكنه اشترط تقديم محمود حسين اعتذارًا علنيًا على أخطائه في حقه وحق الجماعة، بحسب وصفه.

تياران وغموض

عمرو فاروق الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، يقول في تصريحات خاصة لـ"السياق"، إن الصراع القائم بين جبهة إبراهيم منير وجبهة محمود حسين والمبادرات بين الطرفين، سواء من وسطاء داخل الجماعة أم من بعض الرموز ومراقبي الإخوان في الخارج، يمثل أزمة هي الأعلى في تاريخ الإخوان، وإن هناك خلافًا على توجهات الجماعة ورؤيتها واستراتيجيتها خلال المرحلة المقبلة.

ويوضح فاروق أن الجماعة انشقت إلى تيارين، أحدهما يرى أنه امتداد لحسن البنا، ويسعي للحفاظ على ثوابت الجماعة والأطر الفكرية الخاصة بها، وهو التيار الذي يمثله محمود حسين.

وأشار إلى أن هذا التيار يتبع خيرت الشاطر القيادي الإخواني، الذي ينفذ أحكامًا قضائية بالسجون المصرية، وهو الأكثر قربًا في الحفاظ على الهيكل التنظيمي، ويمكن أن نطلق عليه "القيادة التاريخية".

ويرى أن هذا التيار يمكن أن يكون نواة لـ"التيار القطبي" الذي كان يمثله محمود عزت وخيرت الشاطر، كما أنه تيار تقليدي، ويمتلك منافذ إعلامية ومؤسسات مالية خاصة به، وله بعض المكاتب في مصر أو حتى التابعة لرابطة الإخوان في الخارج، وتضم كل المصريين الموجودين خارج مصر ولهم هيكل تنظيمي يسمي الرابطة.

في المقابل، هناك تيار آخر، يحمل رؤية تميل إلى الرؤية الغربية، ولديه توجهات جديدة مبنية على دراسات حديثة للإشكاليات الخاصة بالجماعة، خلال مرحلة صعودها ثم سقوطها، في المنطقة العربية وفي مصر تحديدًا.

ويلفت فاروق إلى أن الأزمة الحالية هي بين إخوان مصر فقط، واصفًا إياها بـ"الصراع على القاهرة"، وليس على الجماعة.

وبحسب الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، فمعظم الأقطار التابعة للتنظيم الدولي للإخوان مستقرة ومتناسبة مع الظروف السياسية المحيطة بها، مثل الإخوان في سوريا واليمن وغيرها، لكن تظل الإشكالية الكبرى على الإخوان داخل مصر، إذ إن الجبهة المصرية تمثل جماعة الإخوان ككل.

فقه الاستضعاف

في ما يتعلق بالتيار الذي يحمل الرؤية الغربية، فهو يمثل جبهة إبراهيم منير، التي ترى أن التوسع في التنظيم -خلال الفترة المقبلة- ليس له محل من الإعراب، خاصة أن هناك أسبابًا الجماعة مرغمة على العيش في ظلها، وهو ما يسمي "فقه الاستضعاف أو استراتيجية دار الأرقم".

 ويشير فاروق إلى أن منير، يرى أن الجماعة يجب أن تنكفئ على ذاتها، وألا تتوسع في الإطار التنظيمي، في الوقت نفسه يجب أن تتراجع إلى الوراء في ما يخص الجانب السياسي، خاصة أنها سقطت سياسيًا وتحديدًا خلال تجربتها في مصر.

ويرى الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، أن جبهة لندن بقيادة منير، تضع في اعتبارها وجود رفض شعبي لها في مصر، وأيضاً معاناتها من الارتباك الفكري والتخبط التنظيمي، وهي أمور تضع التنظيم حائلا بينهم وبين المجتمع، خصوصًا مع فشل الإخوان في صنع تيار فكري متغير بحسب الضرورة مثل التيار السلفي.

ويرى منير -بحسب فاروق- ضرورة تراجع الجماعة سياسيًا، وألا تدخل في صراع مع النظام المصري، ضمن "مراوغات" وليست تنازلات.

ويشر الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، إلى أن الجماعة تفكر في البقاء والعودة إلى المشهد مرة أخرى، لكن بعد 10 سنوات على الأقل، عبر مخاطبة الأجيال القادمة، خصوصًا في السن من 6 أعوام إلى 12 عامًا، لتجنيدهم وتشكيل إدراكهم للولاء للجماعة وأفكارها، استعدادًا للعودة للمشهد السياسي بعد السنوات الـعشر، عبر هذا الجيل الذي سيكون عصب الجماعة، في ما يعرف بـ "استراتيجية العقول البيضاء".

انقسام إخوان السجون

ويرى فاروق أن الصراع القائم لن يحسم الآن، بل ليس من السهولة حسمه، إذ إن إخوان السجون منقسمون في هذا الأمر، ويعتقد أنه لن يتراجع أي من الطرفين عن موقفه، فكلاهما اتخذ قرارات لتهميش الآخر والاستحواذ على الجماعة، من خلال احتكار صناعة القرار، بخلاف تبادل الاتهامات بينهما بالخيانة وتدمير الجماعة والعمالة للأجهزة الأمنية والاستخباراتية.

ويثير الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، تساؤلات عدة: هل الجماعة انتهت؟ وهل هناك عودة للمشهد أو بقاء داخل العمق المجتمعي سواء العربي أم الأوروبي؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات، يرى فاروق، أنها تحتاج إلى إعادة النظر في قراءة التطورات داخل الجماعة، فهي الآن منشغلة بصراعاتها وخلافاتها، لكن ذلك لا يمنع أن جبهة إبراهيم منير تعمل وفق استراتيجية جديدة، هي تحويل الجماعة من إطار تنظيمي إلى تيار عام، وهو ما يحتاج أيضاً إلى بناء مؤسسات فكرية افتراضية وهي قائمة بالفعل، وتسهم في وجودها مواقع التواصل الاجتماعي.

ويعتقد الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، أن جماعة الإخوان لم تنتهِ، وأن فكرة مشروعهم باقية، مشيرًا إلى أننا أمام تنظيم دولي يدعم التنظيم المحلي، إلى جانب أن فكرة الجماعة لم تجد ما يقابلها لتفكيك أصولها.

وأشار إلى أن الأفكار تفنى وتتلاشى، لكن في ظل أفكار مضادة محكمة لمواجهتها، وهو ما لم يحدث حتى الآن، فلا توجد أفكار جديدة في ما يخص الاسلام السياسي، بل ليس هناك مشروع فكري جديد من أي دولة عربية، أو حتى في المطلق.

وينوه الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، إلى أن حسن البنا قدَّم مشروعه وعمل على أرض الواقع، وعرض فكرة مضادة للفكر السائد وقتها، وهو ما أسهم في تأسيس جماعته، لافتًا إلى أن الواقع الحالي والظروف المحيطة كلها "مربكة"، ففكرة أن يكون هناك طرح جديد يكون فيه الدين بعيدًا عن التشدد، لمواجهة إشكالية الإسلام السياسي والحركي، لم يدركها أحد حتى الآن، وأن جميع ما يتم تقديمه اجتهادات على المستوى الفردي.

إخوان السجون والسيناريوهات الـ3

الدكتور عمرو عبدالمنعم، الباحث المتخصص في الحركات الأصولية، يرى في حديثه لـ"السياق"، أن جبهة محمود حسين الرهان الأخير لاستمرار جماعة الإخوان كتنظيم.

ويلفت إلى أن قيادات السجون لن تحسم الصراع الدائر داخل جماعة الإخوان بين جبهتي اسطنبول ولندن، مشيرًا إلى وجود مجموعة بينهم موالية إلى محمود حسين، وتحصل على دعم مادي منه، وأخرى منشقة وتدعم منير للحصول على دعم مادي أيضاً، لذا فإن حسم الصراع ليس في حساباتهم.

ويشدد عبدالمنعم على أن تنظيم الإخوان يعني "منصب المرشد فقط"، وهو ما يؤخذ بالاعتبار، ولا يوجد أي من الإخوان داخل السجون الآن لديه قائمة فعلية تمكنه من الترشح على هذا المنصب، وبذلك فالإخوان في السجون لن يكونوا حاسمين للصراع.

كما يرى أن هناك 3 سيناريوهات تحدد شكل المعركة داخل الجماعة، أولها أن يبقى الوضع كما هو عليه، ثانيها أن يحسم لطرف من الأطراف، والسيناريو الثالث أن يتدخل طرف إقليمي لصناعة تيار جديد داخل الجماعة.

ويربط الباحث في شؤون الحركات الأصولية، بين مستقبل جماعة الإخوان، الذي يراه على المحك، والإخوان الموجودين في تركيا، باعتبار الأخيرة آخر رهان يمكن البناء عليه مرة أخرى.

ولفت إلى أن ما تعرف بـ"مجموعة الستة" التي شكلها محمود حسين، أو مجموعة مجلس الشورى الجديد التي تخص إبراهيم منير، جميعها مجرد مسميات ليست لها سلطة ولا نفوذ فعلي داخل التنظيم.

ووصف الشقاق داخل الجماعة الإرهابية بـ"الشرخ العمودي"، حيث وصل من القمة إلى القواعد، وهي أخطر مرحلة تمر بها الإخوان الآن.

وفي النهاية، يرى عبدالمنعم، أنه بالنسبة لمصر، لا توجد مبادرات للصلح، ولا عودة للجماعة، ولا تسويات جماعية، ولا حتى فردية للهاربين.

وشدد على أن مصر لا تتجاوب مع هذه المبادرات، وأن الجماعة ليست أمامها خيارات غير تقييم نفسها والمراجعة والعودة إلى مرحلة ما يسمي "التيار الدعوي".