الاقتصاد المزدهر تحول إلى مدين.. كيف ساهم الإنفاق المفرط في تردي الأوضاع بغانا؟
ولع السياسيين في غانا بالإنفاق المفرط... كيف حوَّل الاقتصاد المزدهر إلى مدين؟

ترجمات -السياق
"السياسة في غانا قضية مكلفة للغاية"، بهذه الجملة افتتحت صحيفة فورين بوليسي الأمريكية، تحليلها للوضع الاقتصادي في غانا، الذي انحدر كثيرًا في الآونة الأخيرة.
ورغم أن غانا كانت منارة للديمقراطية على مر السنين، فإن النظام السياسي للبلد لم يكن موجهاً نحو خدمة الشعب الغاني والارتقاء به، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أنه بدلاً من ذلك، كانت الأهداف المهيمنة للسياسيين الفوز بالانتخابات، والبقاء في السلطة، وإثراء أنفسهم ورفاقهم، بصرف النظر عن التكلفة المالية للدولة.
نتيجة لذلك، فإن معظم السياسيين في مناصبهم ينظرون إلى الدورة الانتخابية، التي مدتها أربع سنوات، على أنها لضمان فوزهم في الانتخابات المقبل،ة أو تجميع ثروة كافية لمغادرتها، إن لم يفعلوا ذلك.
ولإزاحة الرئيس آنذاك جون ماهاما في انتخابات ديسمبر 2016، وعد الرئيس الحالي نانا أكوفو-أدو، بين أمور أخرى، بجعل التعليم الثانوي (بما في ذلك الإقامة الداخلية) مجانيًا، وإعادة بدلات التمريض والمعلمين المتدربين التي ألغتها حكومة ماهاما، وإلغاء عديد من الضرائب المزعومة التي فرضتها حكومة ماهاما، وبناء مصنع في كل مقاطعة من مقاطعات البلاد البالغ عددها 216.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن الحزب الوطني الجديد في غانا، التابع للرئيس نانا أكوفو أدو، لا يكترث بأن هذه السياسات المقترحة كانت غير عملية، ويستحيل تمويلها على نحو مستدام، لاسيما في الوقت الذي كانت غانا في خضم خطة التقشف، التي وضعها صندوق النقد الدولي، والتي كانت شرطًا لخطة إنقاذ بـ 918 مليون دولار عام 2015.
استنزاف المدخرات
بحسب «فورين بوليسي»، فإن تنفيذ وعود حملة نانا أكوفو أدو، أدى إلى استنزاف للوضع المالي للبلاد، مشيرة إلى أن الحكومة اقترضت -على نطاق واسع- من الأسواق الدولية والمحلية لتنفيذ برامجها، ودفع ديون ضخمة لمنتجي الطاقة المستقلين، وتعويض نقص الإيرادات من إلغاء وتخفيض 18 ضريبة وجباية (رغم أن الحكومة فرضت -نهاية المطاف- مزيدًا من الضرائب).
كان الدين العام لغانا مرتفعًا بشكل لا يمكن تحمله عند 63.1% من الناتج المحلي الإجمالي في ديسمبر 2019، وفقًا لصندوق النقد الدولي، عندما ضربت جائحة كورونا ودخلت البلاد في إغلاق جزئي ثلاثة أسابيع، بدءًا من مارس 2020.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن غانا أجرت أيضًا انتخابات عامة في ديسمبر 2020، وكما يفعل السياسيون الغانيون عادةً خلال سنوات الانتخابات، مشيرة إلى أن أكوفو-أدو وحكومته أنفقوا مبالغ طائلة، رغم مستويات الديون المرتفعة.
وقدمت الحكومة مياهًا مجانية للغانيين وكهرباء مجانية للمستهلكين (خفضت تكاليف الكهرباء للمستهلكين الآخرين بنسبة 50%)، إضافة إلى وجبات ساخنة لـ2.7 مليون شخص ضعيف أثناء الإغلاق، وقروض ميسرة للشركات، وغيرها من الاستجابة للوباء.
اللجوء إلى صندوق النقد
لتمويل استجابة جائحة كورونا ودعم الاقتصاد، حصلت الحكومة على مليار دولار من صندوق النقد الدولي، في إطار التسهيل الائتماني السريع، جنبًا إلى جنب مع التمويل الخارجي والدعم من البنك المركزي، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه كان هناك سوء إدارة لجزء كبير من هذه الأموال، وفقًا لمراجع الحسابات العام في البلاد.
وعانت غانا عجزًا ماليًا قدره 11.7% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020، ما يتجاوز بكثير هدفها البالغ 4.7%، وأعلى بكثير من متوسط غرب إفريقيا في ذلك العام، البالغ 7.5% والمتوسط الإفريقي البالغ 7.2%.
واتبعت نسبة العجز المالي المرتفعة في غانا لعام 2020 اتجاه سنوات الانتخابات السابقة، عندما تجاوز العجز في الإنفاق الأهداف بشكل كبير.
وبعد فترة وجيزة من فوزها في الانتخابات، فرضت حكومة أكوفو-أدو عديد الضرائب الجديدة على الغانيين، بما في ذلك ضريبة كورونا، التي فُرضت لتعويض تكاليف المنح المجانية، التي تمتعت بها العام الماضي، وتغطية نفقات الوباء الأخرى.
غضب شعبي
إجراءات أثارت غضبًا بين الغانيين، الذين شعروا بالاستغلال من قبل حيلة الحكومة المخادعة للفوز بالانتخابات، وأدت إلى صعود حركة الاحتجاج #FixTheCountry.
ورغم ذلك، فإن الحكومة في غانا واصلت فورة الاقتراض عام 2021، حيث أصدرت سندات دولية بـ 3 مليارات دولار في وقت مبكر من ذلك العام، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أنه عندما أصبح من الواضح أن الاقتصاد كان يعاني، قاومت الحكومة السعي للحصول على دعم من صندوق النقد الدولي، وبدلاً من ذلك سعت إلى فرض ضريبة بنسبة 1.75% على المدفوعات الإلكترونية (تستهدف التحويلات المالية عبر الهاتف المحمول، التي تُستخدم على نطاق واسع في غانا).
وكثيرًا ما انتقد أكوفو-أدو وحكومته، حكومة ماهاما لسوء إدارة الاقتصاد وأخذ خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، تقول «فورين بوليسي»، مشيرة إلى أن الحكومة الحالية وصلت إلى السلطة من خلال الاعتراف بالخبرة اللازمة لتغيير الاقتصاد وفطم غانا عن المساعدات.
وُصف نائب الرئيس محمدو باوميا، على وجه الخصوص، بأنه «ساحر اقتصادي»، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن احتمال الذهاب إلى صندوق النقد الدولي -آنذاك- كان تحولًا مذلًا لم تكن الحكومة مستعدة له.
لكن المعارضة والجمهور الغاني لم يقبلا حجة الحكومة بالحاجة إلى زيادة الإيرادات محليًا جزئيًا، عن طريق استهداف شرائح كبيرة من السكان الذين لم يدفعوا ضرائب الدخل، لا سيما لأن غانا لديها عددًا كبيرًا من الضرائب غير المباشرة المطبقة.
ضعف الثقة
أعقب ذلك الجمود والمشاجرة في البرلمان، ما أدى إلى مزيد من إضعاف ثقة المستثمرين بقدرة البلاد على زيادة الإيرادات محليًا، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى استبعاد غانا من السوق الدولية أواخر ذلك العام.
وعندما بدأت وكالات التصنيف الائتماني تخفيض تصنيف غانا في يناير 2022، بدأت العملة الرسمية «السيدي الغاني» انزلاقها الهبوطي، قبل العملية الروسية في أوكرانيا، التي اندلعت في 24 فبراير 2022.
استمرت العملة المحلية في الانخفاض طوال عام 2022، حتى مع دخول الضريبة الإلكترونية حيز التنفيذ في مايو الماضي، وأعلنت الحكومة في يوليو أن البلاد ستسعى للحصول على خطة إنقاذ بـ3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.
وأدى نقص العملات الأجنبية والمضاربة المحلية ونشاط السوق السوداء إلى زيادة الانخفاض، وبحلول أكتوبر 2022 فقد السيدي أكثر من 55% من قيمته مقابل الدولار.
وبالنظر إلى اعتماد غانا على الواردات، ارتفع التضخم بالمقابل ووصل إلى 54.1% في ديسمبر 2022، وفقًا لخدمة الإحصاء الغانية.
تجارب مرعبة
وعاش الغانيون تجربة سريالية ومرعبة لشراء المواد الغذائية الأساسية وغير الغذائية، بثلاث أو أربع مرات أسعارهم السابقة، بينما أثبتت السياسة أنها مكلفة للغاية بالنسبة للغانيين، حيث وصل الدين العام إلى 63.3 مليار دولار (88.1% من الناتج المحلي الإجمالي) في ديسمبر 2022، وفقًا لصندوق النقد الدولي.
وتخلفت البلاد عن سداد معظم ديونها الخارجية في ذلك الشهر، وشرعت في إعادة هيكلة الديون المحلية، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن السياسات المكلفة لم تكن سبب الأزمة الاقتصادية في غانا.
واستهل أكوفو أدو رئاسته عام 2016 بـ120 وزيراً - وهو أعلى رقم في تاريخ غانا، ما حمل دافعي الضرائب الغانيين تكلفة باهظة، مع الأخذ في الاعتبار الأجر المرتفع والامتيازات الأخرى الممنوحة للوزراء والموظفين الإضافيين المعينين في الوزارات التي أنشئت حديثًا.
كان أكوفو أدو قد خسر محاولتين لمنصب الرئاسة، ويبدو أنه شرع في مكافأة كل شخص دعم عطاءاته الثلاثة، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه يوجد في غانا أكثر من 1000 موظف رئاسي، بأعلى نسبة في تاريخ البلاد.
ولقد أظهر الرئيس الغاني مرارًا وتكرارًا، أن ولاءه لمؤيديه والمانحين السياسيين، وليس للدولة، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إن الرئيس قاوم الدعوات لإقالة وزير الصحة كواكو أجيمانج مانو، لشرائه لقاحات كورونا للبلاد من وسطاء بتكلفة تقارب ضعف التكلفة العادية من دون موافقة برلمانية.
وبالمثل، لا يزال وزير المالية كين أوفوري-أتا (وهو أيضًا ابن عم الرئيس) في منصبه، رغم التحريض من المسؤولين الحكوميين والجمهور لإقالته، بسبب سوء إدارة الاقتصاد بشكل صارخ.
ويريد الغانيون أن تكون ديمقراطيتهم أكثر من مجرد انتخابات سلمية وحرية التعبير، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن الغانيين يريدون -كذلك- أن ترتقي بهم اقتصاديًا.
تجاوزات رئاسية
يمكن القول إن أكثر تجاوزات أكوفو-أدو إثارة للجدل، قراره ببناء كاتدرائية وطنية بتكلفة مبدئية متوقعة تبلغ 100 مليون دولار، تضاعفت أربعة أضعاف، ويمكن أن ينتهي بها الأمر إلى استنزاف ما يصل إلى مليار دولار.
وقال أكوفو أدو إنه كمرشح تعهد شخصيًا ببناء كاتدرائية وطنية إذا أصبح رئيسًا، مشيرة إلى أن تعهده الشخصي قد تحول -حتى الآن- إلى تعهد وطني بإنفاق 58 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب على المشروع، من دون موافقة برلمانية.
وتوقف بناء المشروع الذي مزقته الفضيحة في مرحلة التأسيس، بعد رفض البرلمان تخصيص تمويل إضافي للكاتدرائية في ديسمبر الماضي.
في غضون ذلك، سئم الغانيون نظام الحكم الذي يفشل باستمرار في تلبية توقعاتهم، بينما أدت السياسة إلى انقسام الغانيين ووسعت عدم المساواة.
وانحسرت الروح الوطنية، حيث اعتاد الغانيون الاعتناء بأنفسهم وعائلاتهم بمفردهم، في ظل غياب نظام يمكنهم الوثوق به وبلد يدعمهم ويحميهم، تقول الصحيفة الأمريكية التي أضافت أن الغانيين يريدون أن تكون ديمقراطيتهم أكثر من مجرد انتخابات سلمية وحرية التعبير، الحد الأدنى الذي وضعه الغرب غالبًا لغانا.
وإلى أن ترفع السياسة في غانا الناس اقتصاديًا وترفع مستويات المعيشة، فإن الفساد سيتفاقم بينما يفعل الناس ما يجب عليهم لكسب لقمة العيش، بينما تبقى الديمقراطية، كما يعلوها الغرب، أسطورة في غانا.