مجد قائد فاغنر إلى زوال.. سلطة صانع الحرب الروسي تتلقى الطعنة الأخيرة

رغم التهديد الذي شكله أمير الحرب الروسي، للرئيس بوتين، بعد محاولة استيلائه على مدينة روستوف، كمركز للانطلاق نحو العاصمة موسكو، فإن طباخ بوتين كان يخسر آخر فرصه في معاركه الشخصية، نحو الوصول إلى السلطة.

مجد قائد فاغنر إلى زوال.. سلطة صانع الحرب الروسي تتلقى الطعنة الأخيرة

ترجمات – السياق

رغم أن اسم يفغيني بريغوجين، زعيم مجموعة فاغنر الروسية، ظل يتردد بأنه الخليفة المحتمل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السلطة، فإن فشل "تمرده" الأخير لا يعني سوى حقيقة واحدة، أن "مجده بدأ يتلاشى"، حسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم التهديد الذي شكله أمير الحرب الروسي، للرئيس فلاديمير بوتين، بعد محاولة استيلائه على مدينة روستوف، كمركز للانطلاق نحو العاصمة موسكو، فإن "طباخ بوتين" كان يخسر آخر فرصه في معاركه الشخصية، نحو الوصول إلى السلطة.

وأوضحت، أنه قبل "الانتفاضة"، تعرض بريغوجين لـ"تقليم أظافره" عبر تهميش جيشه الخاص، على أرض المعركة في أوكرانيا من قِبل الكرملين، وتعرضت عقوده المربحة لخدمات تقديم الطعام للجيش الروسي لإعادة تقييم، كما فقد أهم مصادر تجنيد المقاتلين (السجون الروسية).

في 13 يونيو الجاري، تبدد أمله الوحيد بالحصول على دعم من الكرملين، في صراعه الطويل على السلطة مع وزير الدفاع سيرغي ك.شويغو، إذ وقف بوتين إلى جانب خصوم بريغوجين، مؤكدًا أن الوحدات غير النظامية التي تقاتل في أوكرانيا، يجب أن توقع عقودًا مع وزارة الدفاع، وقد شمل ذلك شركة فاغنر العسكرية الخاصة التي يملكها بريغوجين.

وهو القرار الذي يُخِضع زعيم المجموعة لـ شويغو " عدو بريغوجين اللدود".

وقال الرئيس الروسي لمجموعة من المدونين المؤيدين للحرب، إنه يدعم مبادرة وزير الدفاع، سيرغي شويغو، لوضع الجماعات غير النظامية تحت السيطرة المركزية، وهو مرسوم رفض مؤسس "فاغنر" الانصياع إليه.

وأضاف بوتين: "هذه هي الطريقة الوحيدة للضمانات الاجتماعية، لأنه إذا لم يكن هناك عقد مع الدولة، ولا عقد مع وزارة الدفاع، فلا يوجد أساس قانوني للضمانات الاجتماعية من الدولة"، متابعًا: "نحن بحاجة إلى ذلك في أسرع وقت ممكن".

 

تحول خطير

ورأت "نيويورك تايمز" أن ما حدث بعد ذلك أذهل العالم، حيث نفذ بريغوجين تمردًا مسلحًا أصر على أنه لا يهدف إلى إطاحة بوتين، لكن لإطاحة القيادة العسكرية للكرملين.

وحسب الصحيفة، يُنظر على نطاق واسع إلى التمرد -رغم أنه لم يدم طويلاً- على أنه نذير سياسي مشؤوم لقيادة بوتين، وهو ما يمكن أن ينذر بمزيد من عدم الاستقرار مع استمرار الرئيس الروسي في حربه المكلفة جدًا بأوكرانيا.

لكنه بالقدر نفسه يُمثل "الفرصة الأخيرة" لأمير حرب مستقل وعنيد، كان يسعى للفوز -ولو بالقوة- بواحد من أكثر صراعات القوة الروسية غير العادية في الذاكرة الحديثة.

فخلال 23 عامًا من حكم بوتين، شهدت روسيا خروج عديد من الشخصيات القوية من المشهد السياسي، بل انتهى ببعضهم المآل إلى المنفى أو السجن أو الاختفاء.

ولكن مع تمرده الأخير، اختار بريغوجين مسارًا مختلفًا، إذ اتخذ إجراءات "غير اعتيادية"، لكنها متاحة لشخص يملك جيشًا خاصًا مسلحًا جيدًا، ورافضًا لقرارات وزارة الدفاع الأخيرة، ورغم أنه أظهر ألمه وغضبه أمام العالم، فإنه لم يحصل على ما يريد.

ونقلت الصحيفة عن تاتيانا ستانوفايا -الزميلة البارزة في مركز كارنيغي روسيا أوراسيا- قولها: "لم يكن تمرد بريغوجين محاولة للسلطة ولا محاولة للتغلب على الكرملين، وإنما نشأ بالأساس من الشعور باليأس، خصوصًا بعد أن أُجبر على الخروج من أوكرانيا ووجد نفسه غير قادر على دعم (فاغنر) بالطريقة التي كان يفعلها من قبل، بينما كانت آلة الدولة تنقلب ضده".

ورأت أن السلطات تسعى "ربما إلى إخراج بريغوجين من اللعبة بعد أن انتهى دوره"، مضيفة: "بالنسبة لجهاز الأمن الفدرالي وهيئة الأركان فإن ما يحصل يناسبهما، أو على الأقل فرصة لتنحية بريغوجين".

وأوضحت أن محاولة تهميش بريغوجين بدأت مع إعلان بوتين دعمه لقرارات وزارة الدفاع بشأن العقود، وتجاهله لمطالب حليفه السابق.

 

امبراطورية

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن بريغوجين بنى إمبراطورية مالية وعسكرية كبيرة، لكن مع تنامي تحديه السياسي للقيادة العسكرية، كان تدفق الأموال من وزارة الدفاع والعقود الحكومية الأخرى معرضًا للتهديد بالإيقاف، ما زاد استياءه، رافضًا تلقيه أوامر من أشخاص يعدهم غير أكفاء.

ومع ذلك، عندما استنكر بوتين أفعاله، السبت الماضي، ووصفها بالخيانة، بدا أن سلطات بريغوجين قد تكبلت على حين غرة، ولم يكن مستعدًا ليكون ثوريًا حقيقيًا أو يواصل المسيرة على الكرملين، التي أدرك أنها ستنتهي بالتأكيد بالهزيمة، وفق ستانوفايا.

ومن ثمّ فإنه عندما عُرض عليه فرصة لإنهاء الأزمة بسحب قواته، استغلها، ولم يتردد.

بينما وصف مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في مجموعة أبحاث "كان" في أرلينغتون بولاية فيرجينيا ، تصرفات بريغوجين بأنها "عمل يائس لشخص محاصر، إذ كانت خياراته تتضاءل مع اشتداد نزاعه المرير مع القيادة العسكرية في الجيش الروسي".

ورأى أن هذا التصرف قد ينتهي بما هو أسوأ بالنسبة لمجموعة فاغنر.

فخلال السنوات الأخيرة، من خلال صلاته المباشرة ببوتين والكرملين، تمكن بريغوجين من تأمين عقود مربحة لتوفير الغذاء لنظام المدارس في موسكو والقواعد العسكرية الروسية، ما عاد عليه بثروة ضخمة.

في الوقت نفسه، دخل في مغامرات أجنبية بدعم الكرملين، من خلال "فاغنر"، وحمل لواء تحقيق أهداف موسكو -وأهدافه- في الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث اتُهم مقاتلوه بارتكاب أعمال قتل وفظائع عشوائية هناك.

كما اتُهم بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016.

ورغم السرية التي فرضها بريغوجين على عمل "فاغنر"، لدرجة أنه رفع دعوى قضائية ضد وسائل إعلام روسية، تحدثت عن علاقته بالمجموعة المسلحة، فإن كل ذلك تغير العام الماضي، مع الغزو الشامل لأوكرانيا.

ففي سبتمبر الماضي، ظهر بريغوجين لأول مرة كزعيم مجموعة فاغنر ومؤسسها.

وبعد أقل من أسبوعين، عين بوتين الجنرال سيرغي سوروفيكين -الذي سبق له العمل بجانب جنرال الحرب في سوريا- لقيادة المجهود الحربي في أوكرانيا.

وعلى الفور وصف بريغوجين، القائد الجديد بأنه شخصية أسطورية وأنه القائد الأكثر قدرة في الجيش الروسي.

وسريعًا تزايدت مكانة بريغوجين داخل الكرملين، خصوصًا بعدما أحرز مقاتلوه تقدمًا في المعركة الطويلة للسيطرة على مدينة باخموت الأوكرانية، بينما لم يكن لدى الجيش الروسي الكثير لإظهاره في ساحة المعركة.

وهو ما جعل المعلقين الروس يغدقون على مجموعة فاغنر  بتغطية إيجابية، لدرجة تغيير اسم برج زجاجي في سانت بطرسبرغ إلى مركز فاغنر، وانتشرت ملصقات التوظيف داخل المجموعة في جميع أنحاء البلاد.

لكن مع بداية هذا العام، بدأ خصوم بريغوجين في وزارة الدفاع إعادة تأكيد سلطتهم.

وفي يناير، عين بوتين الجنرال فاليري جيراسيموف، ليحل محل الجنرال سوروفيكين كقائد أعلى للعمليات في أوكرانيا.

وكثيرًا ما قلل بريغوزين من شأن الجنرال جيراسيموف، في رسائله الصوتية على "تلغرام"، مشيرًا إلى أنه كان مسؤولا مقيدًا بالمكتب، من النوع الذي يخنق الجنود النظاميين بالبيروقراطية.

ووفقًا لمذكرات اثنين من قدامى المحاربين في "فاغنر"، تعود العداوة بين الجيش والمجموعة، إلى تدخل موسكو في القتال بسوريا، حيث كان الفريقان -"فاغنر" والجيش الروسي- أحيانًا ما يشتبكان أثناء تنافسهما على الموارد وغنائم الحرب.

وفي فبراير الماضي، اعترف بريغوجين بأن موسكو منعت عنه تجنيد المساجين، إذ كان يعتمد عليهم بشكل رئيس، وبدأت وزارة الدفاع في ما بعد، تجنيد السجناء بنفسها، متبعة تكتيك بريغوجين.

 

انفجار التوتر

ونوهت "نيويورك تايمز" إلى أن التوتر بين "فاغنر" والجيش الروسي -الذي ألمح إليه منذ فترة طويلة المدونون العسكريون الروس- انفجر في فبراير الماضي، مشيرة إلى أنه نهاية الشهر، اتهم بريغوجين، شويغو والجنرال جيراسيموف بالخيانة، مدعيًا أنهما تعمدا حجب الذخيرة والإمدادات عن "فاغنر" لإفشالها في الحرب.

وحينها حاول بوتين تسوية الخلاف، من خلال استدعاء بريغوجين وشويغو إلى اجتماع، وفقًا لوثائق استخباراتية مسربة.

لكن التنافس بين الرجلين ظل في تصاعد، خصوصًا بعد أن أصبحت "فاغنر" غير قادرة على تجنيد السجناء، واضطرارها للاعتماد -بشكل متزايد- على الإمدادات المحدودة من المقاتلين المخضرمين المهرة، لمواصلة المعركة في باخموت، وفقًا لمسؤولين أوكرانيين وغربيين.

أمام ذلك، هاجم بريغوجين حينها، قيادات الجيش وطالبهم بالخروج من مكاتبهم، ونشر صورًا مروعة لجنود "فاغنر" الذين قُتلوا أثناء القتال، وهدد بسحب قواته من باخموت.

تصريحات بريغوجين، أثارت الجدل بشأن الأسباب التي تجعل بوتين يتمسك به رغم ذلك، أو على الأقل التدخل لكبح جماحه.

وبينما أشار بعض المحللين إلى أن بوتين يفضل الفصائل المتنافسة التي تعمل تحت إمرته، ولا يكتسب أي منها سلطة كبيرة، تساءل آخرون عما إذا كان الزعيم الروسي قد أصبح منعزلاً، بحيث لا يمكنه حل المشكلة، أم أنه ببساطة لا يملك السيطرة الكافية.

نهاية مايو، استولت قوات بريغوجين على باخموت، وبعد فترة وجيزة غادرت ساحة المعركة، ما جعل بريغوجين يخرج ضعيفًا، وليس كقائد منتصر.

وبحلول يونيو ، أصبحت عزلته أكثر وضوحًا، خصوصًا بعد أن أشار إلى خلاف مع وزارة الدفاع بشأن عقود التموين العسكري، التي ساعدت في تغذية ثروته ونفوذه لأكثر من عقد من الزمان.

ففي رسالة معلن عنها إلى شويغو في 6 يونيو الجاري، قال بريغوجين إن الطعام الذي قدمه للقواعد والمؤسسات العسكرية الروسية منذ عام 2006 بلغ 147 مليار روبل -1.74 مليار دولار- وهو رقم يستحيل التحقق منه.

واشتكى من أن "الأشخاص رفيعي المستوى" كانوا يحاولون إجباره على قبول الشركات المرتبطة بهم كمورّدين له.

وفي 10 يونيو، أعلن أحد نواب شويغو أن التشكيلات التي تقاتل خارج الرتب الرسمية للجيش الروسي، ستحتاج إلى توقيع عقد مع وزارة الدفاع الروسية بحلول الأول من يوليو.

رفض بريغوجين الأمر في البداية، لكن بعد ذلك أيد بوتين خطة شويغو.

وفي الأيام التي تلت ذلك، أصدر بريغوزين رسائل صوتية ومرئية تظهر ما بدا أنها محاولات للتوصل إلى صفقة بشروطه.

وفي أحد مقاطع الفيديو -الذي نُشر في 16 يونيو- يُظهر بريغوجين نفسه وهو يسلم "عقدًا" إلى وزارة الدفاع في موسكو، لكن موظف استقبال خلف كشك في قفص سرعان ما يغلق النافذة في وجهه.

وخلال الأيام التي سبقت انتفاضة السبت، لمح بريغوجين بالاستقالة، قائلاً إنه لن تحل أي من المشكلات التي يعانيها الجيش الروسي، كما تحدث عن انتفاضة الأمة ، قائلاً إنه يجب إعدام شويغو ، وأشار إلى أن أقارب الذين قُتلوا في الحرب سينتقمون من المسؤولين غير الأكفاء.

وقال في مقابلة بالفيديو في 6 يونيو: "ستأتي أمهاتهم وزوجاتهم وأطفالهم ويأكلونهم أحياء عندما يحين الوقت"، ما يشير إلى أنه قد يكون هناك "تمرد شعبي".

وأضاف: "أستطيع أن أقول بصراحة، أعتقد أنه لم يتبق لدينا سوى شهرين إلى ثلاثة أشهر قبل الإعدام".