مصر والهند... ماذا وراء زيارة مودي إلى مصر؟
يقول الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور أحمد سيد أحمد، في تصريحات لـ -السياق-، إن زيارة رئيس وزراء الهند إلى مصر، تعكس العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وخصوصيتها على المستويين السياسي والاقتصادي.

السياق "خاص"
الحرب الأوكرانية قبل 16 شهرًا، كانت لها تداعيات كبيرة على النظام الدولي، إذ تحاول الدول الانسلاخ من النظام أحادي القطب، الذي هيمنت عليه أمريكا والغرب، سنوات، إلى نظام دولي متعدد الأقطاب، يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار العالمي.
ذلك النظام بدأت مؤشراته تتضح على الأصعدة الإقليمية والدولية، فالصين وروسيا واللتان تعدان أحد المنادين الرئيسين بذلك النظام، دخلتا بشكل فاعل في بلورته، بينما كانت مصر والإمارات والسعودية أحد الفاعلين الرئيسين فيه.
مصر -على سبيل المثال- تحركت على عدد من الأصعدة، فقبل أيام طلبت الانضمام إلى تجمع بريكس، الذي يضم روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، والذي يمثل حجم اقتصاده نحو 30% من الاقتصاد العالمي، وينتج ما يزيد على ثلث إنتاج الحبوب في العالم.
تحرك يأتي مع توسيع علاقاتها بالهند، الذي برز في زيارة أجراها رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى العاصمة المصرية القاهرة، استغرقت يومين، بدعوة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
زيارة حملت عديد الملفات، التي تركز على تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، خاصة في ما يتعلق بزيادة حجم الاستثمارات الهندية، التي تتجاوز 3 مليارات دولار عبر 372 شركة.
فهل حققت الزيارة أهدافها؟
يقول الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور أحمد سيد أحمد، في تصريحات لـ«السياق»، إن زيارة رئيس وزراء الهند إلى مصر، تعكس العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وخصوصيتها على المستويين السياسي والاقتصادي.
وأوضح الخبير في العلاقات الدولية، أن القاهرة تسعى إلى موازنة العلاقات الدولية عبر تعزيز علاقاتها بالهند، لثقلها الاقتصادي والسياسي عالميًا، ما يساعد في الحد من الاستقطاب الدولي، الذي أعاد أجواء الحرب الباردة، لكن بين أمريكا والمعسكر الغربي من ناحية، والصين وروسيا من ناحية أخرى.
وأشار إلى مصر والهند تدعمان تأسيس «نظام دولي متعدد الأقطاب»، ما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار العالمي، الذي تأثر بوضوح بسبب النظام أحادي القطبية، الذى ساد خلال العقود السابقة، وأدى إلى الاضطراب وعدم الاستقرار وعسكرة العلاقات الدولية.
الخبير في العلاقات الدولية، أكد توافق القاهرة ونيودلهي في ملفات دولية محورية، أبرزها ضرورة إصلاح مجلس الأمن، الذي تسبب في خلل النظام الدولي وعجزه عن إدارة عديد من الملفات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، إلى جانب تناغم الرؤى بضرورة إقرار ما تعرف بـ«عدالة النظام الاقتصادي الدولي»، كما جاء في قمة باريس الدولية للتمويل قبل أيام.
وأشار إلى أن مصر والهند تعملان على تعظيم مفهوم العمل الجماعي الدولي في مواجهة الأزمات العالمية، خاصة تلك التهديدات غير التقليدية المتمثلة في الأوبئة والتغيرات المناخية، وانعكاساتها على الأمن الغذائي.
بديل استراتيجي
في السياق نفسه، قال المدير التنفيذي للمركز الوطني للدراسات هاني الأعصر، في تصريحات لـ«السياق»، إن الهند تعد بديلًا استراتيجيًا لمصر على المستويين الاقتصادي والسياسي، مشيرًا إلى أن العلاقات بين البلدين تعززت بعد الأزمات التي مر بها العالم، من جائحة كورونا إلى الحرب الروسية الأوكرانية.
وأوضح الأعصر، أن القاهرة تتجه نحو بدائل لتوفير بعض السلع الاستراتيجية مثل القمح والأرز، ما جعل نيودلهي البوابة الرئيسة لذلك التحرك، مشددًا على أن العلاقة بين البلدين تعتمد على المنفعة المتبادلة، فعلى سبيل المثال تعتمد إحدى الصناعات الاستراتيجية الهندية «الغزل والنسيج»، على القطن المصري، في المقابل تعتمد القاهرة على فائض عديد من المنتجات الاستراتيجية لنيودلهي.
وعن الأبعاد السياسية للزيارة، قال المدير التنفيذي للمركز الوطني للدراسات، إن الهند طامحة إلى لعب دور إقليمي ودولي، خاصة في ظل التنافس الدولي الراهن، مشيرًا إلى أن ما ساعدها في هذه الخطوة بالشرق الأوسط، ذلك التاريخ الطويل من العلاقات الدبلوماسية المصرية الهندية، التي تصل إلى نحو 75 عامًا.
وبحسب الأعصر، فإن مصر رفعت في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، مستبعدًا في الوقت نفسه، فكرة الربط بين زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى القاهرة والتنافس الهندي الصيني.
وأشار إلى أن حجم الاستثمارات الهندية داخل مصر خلال الفترة الماضية، لا يشير إلى أن هناك توجهًا للاستحواذ الهندي على السوق المصرية، مقارنة بالاستثمارات الصينية خلال الفترة نفسها.
صراع دولي
من جهة أخرى، لم يستبعد الباحث في العلوم السياسية إبراهيم أحمد، في تصريحات لـ«السياق»، التنافس الدولي بين الهند والصين، عن زيارة مودي إلى القاهرة، مشيرًا إلى أن ذلك التنافس بدأ في جنوب شرق آسيا، ويتجه إلى توازن القوى والنفوذ، عبر خطوات في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.
وأوضح الباحث في العلوم السياسية، أن هناك عديد المواقف التي حفزت التوجه المصري لتعزيز العلاقات بالهند، ترتبط أيضاً بـ«لعبة توازن القوى»، يتمثل أبرزها بالموقف الصيني الداعم للتوجه الإثيوبي في قضية سد النهضة، في مواجهة الموقفين المصري والسوداني.
وشدد على أن تغلغل الصين في إفريقيا، يتجاوز مسألة الاستثمارات وتعزيز نقاط مسار مبادرة الطريق الاقتصادية، إلى الاستحواذ على الأرض عبر «أداة القروض»، التي وصفها بأنها «شكل جديد من أشكال الاستعمار»، ما يؤثر في الأمن الإقليمي الإفريقي بانعكاساته المختلفة على مصر.
ولفت إلى تجميد خطط الاستثمارات الصينية في منطقة إقليم قناة السويس، التي طرحت علامات استفهام عدة، وما إذا كان مرتبطًا بشروط وضعتها بكين، من شأنها تكرار استخدام «أداة القروض» في مصر كما حدث في دول إفريقية، أم أنه خضع لاعتبارات سياسية مرتبطة بالقضايا الخلافية مع القاهرة، مثل سد النهضة وأيضاً التطورات الراهنة في السودان.
وشدد الباحث في العلوم السياسية، على أن الهند تعد موازنًا استراتيجيًا في العلاقات بين مصر والقوى الكبرى الفاعلة في النظام الدولي، متوقعا أن تتطور العلاقات بين القاهرة ونيودلهي بشكل متسارع خلال السنوات المقبلة، من دون الاقتصار على الجانب الاقتصادي.