بكين-طالبان... العملاق الصيني ونسج خيوط التعاون مع المتمرِّد الأفغاني

يوضح أستاذ العلوم السياسية شاوجين شاي لـ السياق، أن الصين لن تقدم يومًا على صراع عسكري مع طالبان، لأنها تعلَّمت درسًا مما حدث للولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي هناك، في السنوات الـ 40 الماضية

بكين-طالبان... العملاق الصيني ونسج خيوط التعاون مع المتمرِّد الأفغاني

السياق
سيطرة طالبان تمتد، ونفوذها يتسع، وقواتها تبتلع الأراضي الأفغانية، تنديد دولي، وتحذير أمريكي، مصحوب بدعم مشكوك في فاعليته، والعملاق الصيني يترصَّد، والدب الروسي يتأهب، ومخاوف داخلية من وقوع السُّلطة الرسمية، في أيدي الحركة المتطرفة، وأيضاً من تفجير حرب أهلية، لن تبقي ولن تذر، بدأ فتيلها فِعلًا.
الحدود الطاجيكية، والأوزباكستانية، تحت أيدي طالبان، وكذلك مدينة قندوز، في الشمال الأفغاني، ومحاولات مستميتة، لاستحواذها على إقليم بلخ، ومعبر حيرتان الحدودي، وفيه يمر "طريق الحرير" كما أنها تتجه نحو "ووخان" الملاصق للحدود الصينية.
قراءات كثيرة، تشير إلى مخاوف صينية، حال استتباب الوضع لطالبان، إذ إن ذلك من شأنه تعزيز العنف، والحركات التي تصفها الصين بالمتطرفة على أراضيها، مثل مسلحي الإيغور، وحركة "تركستان الإسلامية"، وكذا تقويض نفوذها الاقتصادي، المستهدف في أفغانستان ودول غرب آسيا، كما تحدَّثت تقارير عن بناء قاعدة عسكرية صينية، في منطقة ووخان المستهدفة حاليًا من طالبان.


قلق صيني
يعقِّب على ذلك أستاذ العلوم السياسية شاوجين شاي، بقوله: إن بكين تشعر بالقلق، من هيمنة طالبان العسكرية، إذ قد تجلب تحديات أمنية، مثل تصاعد التطرف والإرهاب، والصراعات الإقليمية بين الدول المجاورة، خاصة الضغط على الحدود الغربية للصين مثل شينجيانغ.
ويضيف -في حديثة لـ "السياق"- أن طالبان ستتخلى عن علاقاتها بقوات حركة الأيغور، والجماعات المتطرفة الأخرى، إذا أجبرتها الصين، ومن أجل إظهار حُسن النية، لأن طالبان تحتاج بكين بشدة لاستقرار وضعها الإقليمي.
ويؤكد المتخصِّص في الشؤون الصينية، أن الحركة لن تتصرَّف بجدية، ضد تلك الجماعات المسلحة نيابة عن الصين، إذ إنها استندت إليها وحصلت على دعم كبير منها، ويشير إلى تقرير للأمم المتحدة، يقول إن طالبان لا تزال تحتفظ بعلاقات وثيقة بالقاعدة، خلافًا لوعد الجماعة في اتفاق الدوحة للسلام.

الوجود الأمريكي في أفغانستان 
وبينما لم تطالب بكين واشنطن، بالتراجع عن الإجلاء العسكري، أوضحت تصريحات كبار المسؤولين في الحزب الحاكم، أنهم سيلقون باللوم على الولايات المتحدة، في أي حالة من انعدام الأمن تنتشر في المنطقة.
ورغم أن موقفها بدا رماديًا من عملية الانسحاب، فإنها ركزت -في انتقاداتها لأمريكا- على المفاجأة وسرعة تنفيذ الإجلاء.
ويقول شاوجين: إن بكين شعرت بالارتياح من عملية الانسحاب، إذ من شأنها تخفيف استراتيجية الاحتواء الأمريكية على غربي الصين، وتضعف الميزة الجيوسياسية الأمريكية في آسيا الوسطى.
 ويضيف: لا يمكن إنكار أن الصين تشعر بالقلق من الهيمنة العسكرية لطالبان، التي قد تجلب تحديات أمنية مثل تصاعد التطرف، والإرهاب، والصراعات الإقليمية، بين الدول المجاورة، خاصة الضغط على الحدود الغربية للجمهورية الصينية الشعبية، وتحديدًا منطقة شينجيانغ.
ويؤكد  أستاذ العلوم السياسية، أن الانتقادات التي وجَّهتها بكين للانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان، كما عبَّـر عنها سفير الصين لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون ووزير الخارجية الصيني وانغ يي، تكشف وِجهة نظر صينية عميقة الجذور، مفادها أن الوجود العسكري الأميركي المستدام، هو الذي ساعد في تأمين مصالح الصين هناك.

من اجتماعات باكستان السرية إلى بكين العلنية
وفق محللين، فإن الصين أدركت مبكرًا إقدام أمريكا على الانسحاب، وإمكانية فرض طالبان سيطرتها مرة أخرى، لذلك مدَّت خيوط تواصل مع الحركة، بدأت باتصالات سرية، عندما التقى السفير الصيني في باكستان زعيم الحركة "الملا عمر" في قندهار، ثم تدرَّجت لاجتماعات علنية، ووصلت لمستويات عليا، في الحزب الشيوعي الحاكم. 
عوامل، ومجريات عدة، متشابكة، وضبابية، تكتنف المشهد الصيني الطالباني، كانت آخرها زيارة وفد من الحركة المتمرِّدة إلى بكين، إذ أجرى مباحثات مع وزير الخارجية الصيني وقيادات أخرى، جاءت بعد محاولاتها فرض سيطرتها على ممر حيرتان الحيوي، وقبل أيام من سيطرتها على إقليم بلخ الاستراتيجي.
وفي الاتجاه ذاته، يوضح أستاذ العلوم السياسية الصينية، أن تلك الزيارة، لا ترتبط بسيطرة طالبان على المعبر ولا تقدُّمها الجغرافي، لكنها ضمن محاولات سياسية واستراتيجية، للتواصل، واختبار نية بعضهما، وبحث التعاون المحتمل، كما أن مثل هذه الخطوة الدبلوماسية، ترسل إشارة جديدة وواضحة إلى الخارج، بأن الصين وطالبان تدرسان المصلحة والاهتمامات المشتركة في المنطقة.

الصين والصدام العسكري مع طالبان
فشلت أمريكا وحلف الناتو، كما فشلت روسيا والاتحاد السوفييتي، في القضاء على طالبان، وتشير تقارير إلى أن القوى الثالثة العظمى، والأهم الآن في الرقعة الآسيوية -الصين- هي التي قد تجرها طالبان إلى الفخ الأفغاني مجددًا.
ويعقِّب على ذلك، أستاذ العلوم السياسية تشاوجين شاي بقوله: إن الصين لن تقدم يومًا على هذا الصراع العسكري، لأنها تدعم سياسة عدم التدخل، كما أن بكين تعلَّمت درسًا مما حدث للولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي هناك، في السنوات الـ 40 الماضية.
ومع ذلك فإن الصين ستعزِّز نفوذها الاقتصادي في أفغانستان، انطلاقًا من مبادرة الحزام والطريق الصينية.