هل يدفع التضخم بريطانيا إلى المجهول؟
الركود الذي يتوقعه بنك إنجلترا المركزي قد يسبب حالة من الغضب

ترجمات-السياق
حذر الكاتب البريطاني جوناثان فريدلاند من خطورة ارتفاع معدلات التضخم في المملكة المتحدة، قائلاً إنها قد تدفع السياسة البريطانية نحو مكان مُظلم، وأضاف أن اقتراب فصل الشتاء يؤدي إلى تعميق الخوف المتزايد في البلاد.
وأشار الكاتب، في مقال لصحيفة غارديان البريطانية، الجمعة، إلى أن بنك إنجلترا المركزي يقول إن التضخم سيصل إلى 13%، ما يقلل الأجور، ويجعل كل شيء أكثر تكلفة، بما في ذلك الطعام والتدفئة، وهو ما سيجبر المزيد من الناس على اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانوا سيتضورون جوعاً أو يرتجفون من البرد.
وتابع: "نحن نستعد لحالة من الركود سنشهد فيها أرباعًا متتالية من انكماش النمو، وتراجعًا لدخل الأسرة بنسبة 5% بحلول عام 2024، وهو أكبر انخفاض منذ أن بدأ تسجيل البيانات قبل أكثر من نصف قرن، الأمر الذي سيؤدي بالتأكيد للإضرار بشدة بالأقل دخلاً، إذ ستصبح واحدة من كل خمس أسر في المملكة المتحدة بلا مدخرات على الإطلاق بحلول عام 2024، كما سيرتفع التضخم بما يصل إلى 30% في بلدات ومدن شمال إنجلترا، بسبب العزل السيئ للمنازل، والاعتماد على استخدام السيارات الذي يجبر الناس على استهلاك المزيد من البنزين".
وذكر الكاتب أنه يجب ألا يكون الشخص خبيراً ليعرف أن كل ذلك سيشكل السياسة البريطانية في الفترة المقبلة، لافتاً إلى المنافسة الحالية لاختيار رئيس وزراء بريطانيا المقبل، قائلًا: رغم أنه يجب على المرشحين في السباق إلى داونينج ستريت وأحزابهما: وزير المال البريطاني السابق ريشي سوناك وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، أن يستعدا للمهمة الصعبة للغاية التي سيواجهها أحدهما في أقل من شهر، فإن الواقع ليس كذلك.
وتابع: "بدلاً من ذلك، تواصل تروس الإدلاء بتصريحات خيالية عن التخفيضات الضريبية لتهدئة البريطانيين، مع وعود بالإنفاق على كل شيء، بدءًا من الدفاع حتى معاشات الأطباء، بينما يميل سوناك إلى التظاهر بأنه الشخص الذي يشعر بهموم المواطنين، ويصر على أن التخفيضات الضريبية الفورية ستزيد حدة أزمة التضخم".
ورأى فريدلاند أنه على الصعيد الوطني فإن الوضع سيكون مختلفاً، فالتضخم يرتفع بشكل جامح، وهناك ركود وشيك، كما ارتفعت الرهون العقارية، وانخفضت الدخول، مشيراً إلى أنه سيكون لحدوث صدمة اقتصادية بهذا الشكل تأثير محسوس، بعيداً عن وستمنستر والسياسة الانتخابية في المملكة المتحدة.
وتابع: "هناك العديد من الذكريات في أعماق الذاكرة الشعبية الغربية، عن المكان الذي يمكن أن تصل إليه البلاد بسبب زيادة التضخم، لكن ماذا عن الارتفاع الحاد في معدلاته، كيف سيؤثر ذلك في السياسة البريطانية؟ وقد تكون النتيجة السريعة حدوث تغيير في الموقف العام تجاه الحرب في أوكرانيا، إذ إن السبب الأكثر وضوحاً لارتفاع التضخم هو ارتفاع أسعار النفط والغاز الناجم جزئياً عن الغزو الروسي لكييف، حيث يتحمل الأشخاص العاديون تكلفة الوقوف إلى جانب الأخيرة وفرض عقوبات على موسكو، لكن حتى الآن، يظل البريطانيون، إلى جانب معظم الأوروبيين والأمريكيين، يدعمون -بشكل مثير للإعجاب- ضحايا "عدوان" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن مع ازدياد حدة التضخم، فإن هذا الدعم يمكن أن يتغير، وقد تظهر ضغوط جديدة على كييف للاستسلام في حال كان هذا هو الحل لخفض الأسعار، كما قد يجد البريطانيون طريقة أخرى للتعبير عن غضبهم مثلما حدث عام 1990 حينما ظهرت حملة (لا تدفع) لحث المستهلكين على رفض دفع فواتير الطاقة الخاصة بهم حتى تخفض الشركات أسعارها".
ووفقاً للكاتب، فإن ارتفاع التضخم يؤثر في مختلف طبقات المجتمع البريطاني، إذ تكافح طبقة العمال لأن معدل التضخم المتسارع يؤدي لخفض أجورهم، وفي غضون ذلك، تعاني الطبقة المتوسطة تراجع مدخراتها.
ونقل الكاتب عن أستاذ التاريخ الاقتصادي في كلية لندن للاقتصاد، ألبريشت ريتشل، قوله عن الخطوة التي يمكن أن تتخذها حكومة المملكة المتحدة لتخفيف آلام البريطانيين تتمثل في تعليق خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي لمدة 20 عاماً، وأشار فريدلاند إلى أنه رغم أن ريتشل يعلم أن ذلك لن يحدث، فإنه يوضح أن أزمة اليوم ليست أزمة طلب، بل أزمة عرض، إذ إنه ليس هناك ما يكفي من السلع لتلبية الطلب، وهو ما يرجع، جزئياً، إلى الاضطرابات التي شهدتها سلاسل التوريد العالمية في أعقاب وباء كورونا، كما تفاقم الوضع في بريطانيا لأنها لم تعد قادرة على استيراد البضائع الأوروبية بحرية أو بثمن قليل كما كانت تفعل أثناء وجودها داخل الاتحاد.
وأضاف: "بالنظر لهذا السياق، فإن صانعي السياسة البريطانيين قد يواجهون مشكلة تتعلق بتوزيع السلع، إذ كيف يمكن مشاركة الكمية المحدودة، والمتقلصة بالفعل، بين الجميع، ويجب أن تكون الأولوية بالتأكيد هي أولئك الأكثر احتياجاً، ولكن إذا كنا نريد أن تعطي شيئاً للفقراء، فعلينا أن نفعل ذلك من خلال الأغنياء، ولذا فإن الحل ليس في التخفيضات الضريبية التي تتعهد بها تروس، لكنه في زيادة الضرائب على المواطنين الأكثر ثراءً".
ونهاية المقال، قال فريدلاند: "قد يشعر البعض بالراحة عند تصور أن زيادة الضرائب على الأغنياء وزيادة الفوائد وإعادة النظر في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد تؤدي لحل هذه الأزمة، لكن علينا استعادة ذكريات آخر ارتفاع بمعدلات التضخم في السبعينيات، إذ شهد ذلك العقد تصاعداً في العنف السياسي، وتزايداً في دعم اليمين المتطرف العنصري، ورغم أن الوضع الحالي يبدو مُظلماً، فإنه قد يصبح أكثر قتامة عندما يأتي الشتاء".