حل مجلس القضاء.. اجتثاث التمكين الإخواني في تونس

تقول المحللة السياسية ضحى طليق للسياق إن الرئيس التونسي لم يتدخل قط في أي حكم أصدره القضاء، كما أن حل المجلس الأعلى لا يعني إلغاءه كهيئة دستورية، بل لأن عددًا من أعضائه تحوم حولهم شبهات فساد وموالاة لحركة النهضة، الأمر الذي دفع الرئيس إلى حله.

حل مجلس القضاء.. اجتثاث التمكين الإخواني في تونس

السياق

تشهد الساحة السياسية التونسية، معركة جديدة بطلها القضاء هذه المرة، بعد أن أعلن الرئيس قيس سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء واستبدل به آخر مؤقتًا لحين تنظيم القانون المسير له، مشددًا على أن تطهير القضاء يعني تطهير البلاد.

وتباينت ردود الأفعال، على القرار، بين مؤيد ومتحفظ ومعارض، وكل له أسبابه خصوصًا الفريقين الأول والثاني، أما الفريق الثالث، فتقوده حركة النهضة الإخوانية، لأسباب تتعلق بتجفيف مصادر نفوذها في الدولة التونسية.

 

مجلس مؤقت

وشدد قيس سعيد على أن القضاء ليس سلطة، إنما وظيفة يخضع أفراده للقانون، موضحًا أنه لن يقبل بوجود دولة داخل الدولة التونسية.

كانت وزيرة العدل ليلى جفال، صرحت عقب اجتماع مع قيس سعيد، بأن قانون المجلس سيراجع بما يضمن حقوق القضاة ومساعدتهم في أداء مهامهم بشكل لائق.

وكشفت ملامح التعديل المتوقعة في القانون، قائلة إنها ستتعرض إلى مدة التقاضي وحق المتقاضين، مؤكدة أنه سيشكل مجلس مؤقت حتى الانتهاء من مراجعة القانون وإقرار التعديلات المقترحة.

 

ترحيب وتأييد

وتعبيرًا عن معاناتها مع القضاء خلال حكم الإخوان، رحبت هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي -اللذين اغتيلا بعد معارضتهما لحكم الإخوان في تونس- بهذا القرار، وأكدت معارضتها للمجلس بتشكيلته الحالية المخترقة من حركة النهضة، المتورطة في قضايا الاغتيال السياسي والأمني.

بينما شددت الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، على ضرورة طي صفحة حكم الإخوان بكل تشكيلاتها وكياناتها الرسمية وغير الرسمية.

وأشارت الهيئة إلى معاناة القضاء من مشكلات وأزمات كبرى، تسببت في توسيع الهوة بينه وبين الشعب، نتيجة تورط قضاة النهضة في تزييف الحقائق، ومحاولة إعدام الأدلة التي تؤكد تورط الحركة في الاغتيالات السياسية وقضايا الأمن الوطني.

على النهج ذاته، أعلنت جمعية المحامين الشبان التونسية، دعم حل المجلس الأعلى للقضاء، وعدته ساحة خلفية للإخوان، للتعتيم على جرائمهم.

وشددت الجمعية في الوقت ذاته على ضرورة استقلال القضاء ولكن ليس بهذه التركيبة المخترقة من حركة النهضة الإخوانية.

 

حوار مجتمعي

في المقابل، جاء التحفظ من الحزب الدستوري الحر، الذي يرى ضرورة استقلال القضاء، كسلطة وليست وظيفة.

وهو ما أكده وسام الشعري القيادي والنائب عن الحزب الدستوري الحر بالبرلمان المجمد، لـ"السياق"، إذ أكد أن القضاء سلطة مستقلة وليست وظيفة تابعة للسلطة التنفيذية.

واستنكر الشعري حل الرئيس التونسي قيس سعيد، المجلس الأعلى للقضاء بموجب التدابير الاستثنائية، مشيرًا إلى أن تلك الإجراءات تعطي لحركة النهضة الإخوانية وزعيمها راشد الغنوشي، الفرصة لمواصلة تفكيك الدولة.

من ناحية أخرى، قال الدكتور عادل لطيف، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة السوربون والخبير في الشأن التونسي لـ"السياق": "القضاة هم الذين مهدوا الطريق أمام الرئيس قيس سعيد، لاتخاذ خطوة أحادية لحل المجلس الأعلى للقضاء، في ظل فقدان ثقة التونسيين".

ولفت إلى أن أزمة القضاة التونسيين لا تطرح فقط إشكالية الاستقلال، بل أيضًا إشكالية النزاهة والانغماس في الفئوية، وأشار إلى أن بعض القضاة عُدوا "مصيبة ابتلي بها التونسيون مع النهضة والانتهازيين".

ودعا الخبير في الشأن التونسي، إلى ضرورة إطلاق حوار مجتمعي لإصلاح القضاء خارج حالة الاستثناء وليس بشكل فردي.

 

 

مخاوف مشروعة...!

من ناحيتها أكدت المحللة السياسية التونسية ضحى طليق أن المخاوف من هذه الخطوة مشروعة، لكنها تساءلت في الوقت نفسه عن حيادية القضاء التونسي، الذي عليه -خلال السنوات العشر الأخيرة- علامات استفهام، عقب شواهد ووقائع انحيازه إلى الإخوان.

وقالت طليق لـ "السياق" إن التهاون وعدم الحسم في ملفات الاغتيالات، خاصة بعد ما كشفت هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، مما وصفته بـ" تلاعب" القاضي البشير العكرمي بملفات القضايا وإخفاء أو إتلاف الآلاف منها، دفعا عددًا من المواطنين والمنظمات التونسية، إلى المطالبة بقضاء عادل ومستقل وهو السبب نفسه الذي دفع رئيس الجمهورية لحل المجلس الأعلى للقضاء.

وترى المحللة السياسية التونسية أن مخاوف بعض القوى من هذه القرارات مشروعة، حيث تتوجس من تجميع الرئيس سعيد كل السلطات في يده، وهو أمر يتنافى مع الحكم الديمقراطي، إلا أن الواقع لا يشير إلى حدوث ذلك، بحسب قولها.

 

ليست نزوة فردية

الرئيس التونسي -بحسب رؤيتها- لم يتدخل قط في أي حكم أصدره القضاء، كما أن حل المجلس الأعلى لا يعني إلغاءه كهيئة دستورية، بل لأن عددًا من أعضائه تحوم حولهم شبهات فساد وموالاة لحركة النهضة، الأمر الذي دفع الرئيس إلى حله.

كما ترى طليق، أن مبادرة سعيد، لم تجد معارضة من هيئة المحامين، بكونه أحد أعمدة المرفق القضائي، التي ترى بدورها أن الوقت حان لمراجعة تركيبة المجلس.

وشهد مقر المجلس الأعلى للقضاء التونسي على مدى الأيام الماضية، تجمع المئات من المواطنين، مطالبين بحله وتشكيل آخر مستقل يسهم في بناء دولة القانون، وهو ما يؤكد –حسب طليق- أن قرارات الرئيس قيس سعيد ليست مجرد "نزوة فردية" كما يحاول البعض الترويج لها، بل تجسيد لمطالب التونسيين، الذين خرجوا في صيف 2021 مطالبين بالقطع الكلي للمنظومة السابقة.