العقوبات الموجهة باتت شائعة.. ولكن ماذا عن فاعليتها؟
قد يبدو تشديد العقوبات الأحادية أو الإقليمية على الجهات الفاعلة السيئة، أفضل ما يمكن فعله في مناخ تقاعس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكنها غالبًا ما تفشل في تحقيق النتائج.

ترجمات - السياق
العقوبات منتشرة في كل مكان هذه الأيام، هذا الأسبوع فقط، كان هناك تصعيد للعقوبات وحظر السفر وتجميد الأصول، ضد المجالس العسكرية في ميانمار ومالي، ومن شبه المؤكد أن تليها عقوبات ضد القادة العسكريين في بوركينا فاسو، الذين أطاحوا حكومة ذلك البلد -المنتخبة ديمقراطيًا- الأسبوع الماضي.
في غضون ذلك، اقترب الكونجرس الأمريكي خطوة، من تمرير مجموعة من العقوبات الجديدة على الجيش السوداني بسبب أحداث أكتوبر، ثم، بالطبع، هناك تهديدات خطيرة للغاية من الولايات المتحدة وحلفائها في "الناتو" بفرض عقوبات أوسع على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والاقتصاد الروسي، إذا غزت روسيا أوكرانيا، بحسب موقع وارلد بوليتيكس رفيو.
إدانات أكثر
يرى الموقع أن هناك سمتين بارزتين، لهذه المجموعة الكبيرة من العقوبات، أولًا: لا تشترك فيها الأمم المتحدة، إضافة إلى أن معظمها فُرض من جانب واحد، من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، بما في ذلك المملكة المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي أو الدول الأعضاء فيه.
كما صعَّدت المنظمات الإقليمية في إفريقيا "الاتحاد الإفريقي ومنظمة التنسيق الاقتصادي لدول غرب إفريقيا" وعلَّقت عضوية بعض الحكومات الانقلابية، أو فرضت حظر سفر إقليمي جديد، مع تجميد الأصول، وعقوبات أخرى على مسؤولين عسكريين.
كانت هناك جهود، لتقديم هذه الأزمات إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لإدانات أكثر قوة، وفرض حظر شامل على الأسلحة، وعقوبات، بات تأثيرها ضئيلًا على نحو متزايد.
وذكر الموقع أن حق النقض والكتل في الأمم المتحدة ليسا جديدين، لكن في هذه الأيام، لم تعد الاعتراضات محصورة في عدد من البلدان التي تشهد توترًا مثل سوريا.
ونتيجة لذلك، لجأت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلى الأدوات الوحيدة التي يبدو أنها بقيت عقوبات أحادية الجانب، أو منسقة إقليميًا.
وفقًا للموقع، فإن الاتجاه الثاني هو أن الأغلبية العظمى من هذه الإجراءات، هي ما تسمى العقوبات الموجهة أو الفردية، التي تستهدف إما قادة سياسيين معينين وشركاءهم المقربين، وإما الشركات والأصول والأفراد المتورطين في جرائم مثل الاتجار بالأسلحة وقمع الدولة والهجمات الإلكترونية.
وذكر الموقع أنه كثيرًا ما استخدمت تدابير مماثلة، لاستهداف الأفراد والجماعات في مكافحة الإرهاب، لكن الممارسة توسعت في العقد الماضي، مع تدابير جديدة تستهدف الجهات الفاعلة الحكومية، وتشمل مجموعة من قضايا السياسة الخارجية، بما يتجاوز مكافحة الإرهاب.
عقوبات ضد روسيا
يقول الموقع: في ما يتعلق بروسيا وحدها، اعتبارًا من الشهر الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على "ما لا يقل عن 735 فردًا وكيانًا وسفنًا وطائرة" لعدم احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، إضافة إلى 68 فردًا لهم علاقة بما تقول الولايات المتحدة إنه تدخل في انتخاباتها.
كما فرضت عقوبات على نحو 54 فردًا، لتورطهم في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد، باستخدام قانون ماغنتسكي لعام 2012، وهي آلية عقوبات خاصة بروسيا.
و فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، عقوبات على المسؤولين أو الشركات الروسية، في ما يتعلق بتسميم العميل الروسي المزدوج سيرجي سكريبالين عام 2018 والناشط المعارض أليكسي نافالنين عام 2021، وكذلك لانتهاكات حظر الأسلحة وأنشطة أخرى للمرتزقة الروس في ليبيا وأماكن أخرى.
ونمت العقوبات محددة الأهداف، في مجال انتهاكات حقوق الإنسان والفساد، ففي عام 2016، أصبح قانون ماغنتسكي الأمريكي، الذي كان مخصصًا لروسيا، عالميًا، ما يمنح الحكومة الأمريكية سلطة فرض عقوبات أو قيود على التأشيرات، أو تجميد الأصول أو عقوبات أخرى، على أهداف في أي مكان في العالم.
ثم ارتفعت هذه الأنواع من التصنيفات، في ظل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي أصدرت 173 تصنيفًا بموجب قانون ماغنتسكي، مقارنة بـ12 صدرت عام 2020، لمؤسسات وأفراد في الخارج"، وفقًا لما قاله بنجامين برس، وهو باحث مساعد يتتبع هذه القضايا لصالح مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
تشديد العقوبات
وذكر الموقع أن الولايات المتحدة ليست وحدها التي تفعل ذلك، فقد تبنت كندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ومؤخراً أستراليا، نسخها الخاصة من قانون ماغنستكي، وأشار إلى أن هذه الدول تميل إلى سن عقوبات في مجال حقوق الإنسان أو المتعلقة بالفساد، كما حدث ردًا على الانقلاب العسكري في ميانمار عام 2021، وحملة 2020 ضد المتظاهرين في بيلاروسيا. واستمرار اضطهاد الأويغور في الصين.
وقد يبدو تشديد العقوبات الأحادية أو الإقليمية على الجهات الفاعلة السيئة، أفضل ما يمكن فعله في مناخ تقاعس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكنها غالبًا ما تفشل في تحقيق النتائج. وتكون العقوبات المحددة الأهداف أكثر فاعلية، في تغيير السلوك السيئ أو ردعه، عندما تكون مرتبطة بأهداف محددة، وعندما يكون الضغط الممارس جوهريًا ومستهدفًا، بطرق تغير الحوافز أو المثبطات للاشتراك في الجرائم التي تهدف إلى وقفها، لكن هذه المعطيات لم تكن متوفرة في معظم العقوبات الأخيرة.
وفقًا للموقع، فإن العقوبات المحددة الأهداف أثبتت فائدتها، على سبيل المثال، في ضم الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات، وتحويل الحوافز للقتال أو تعزيز الالتزامات الحالية أثناء محادثات السلام أو الوساطة، لكن العقوبات التي تستخدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها، نادرًا ما تفرض تكاليف عالية، بما يكفي لجعل الأهداف تغير سلوكها أو تردعه.
ويرجع ذلك إلى أن الإرهابيين والانقلابيين ومهربي الأسلحة والمسؤولين الفاسدين، يعملون عادة من خلال شبكات متقنة وسبل مالية غير مشروعة، يصعب وقفها من خلال الآليات الرسمية، خاصة المحددة، وبشكل عام، كلما كانت العقوبة ضيقة أومحددة، كان التهرب منها أسهل.
ثقل العقوبات
واستشهد أحد خبراء العقوبات الدولية، بقائد ميليشيا في العراق مدعوم من الولايات المتحدة، إذ قدر المسؤول أن قادة الميليشيات العراقية متشابكون للغاية، ومترابطون في جميع أنحاء الدولة العراقية والمجتمع العراقي، ويتعين على الولايات المتحدة تجميد أصول أو تحديد كتل على نحو مئتي فرد، ليكون لها أي تأثير في أنشطة قائد الميليشيا الواحد.
وبالمثل، فإن العقوبات الأحادية أو الإقليمية، لا تنطوي على ثقل العقوبات العالمية، ما يسهل تجنُّبها، وقد يتأذى قادة الانقلاب في مالي أو ميانمار أو السودان من العقوبات الغربية، لكنهم يعلمون أنه لا يزال بإمكانهم الاعتماد على الصين في الصفقات التجارية والاستثمارية، وعلى روسيا للحصول على مزيد من الأسلحة والمساعدة الأمنية.
وعادة ما تُفرض العقوبات الجديدة المحددة الأهداف أيضًا، من دون معايير واضحة، وغالبًا ما تكون خارج عمليات الوساطة، وعندما تكون جزءًا من مفاوضات، فإن العقوبات لا يتم توقيتها بطرق من شأنها أن تغير الحوافز داخل هذا الحوار، وفقًا للموقع.
وذكر الموقع أن العقوبات المتعلقة بحقوق الإنسان ومكافحة الفساد، ضعيفة بشكل خاص على هذه الجبهة، ورغم أن بعضها مرتبط بجرائم أو إساءات، فإن البعض الآخر جزء من عملية تصنيف منتظمة يُعلن عنها من دون الانتباه إلى توقيتها.
في بعض الحالات، استهدفت العقوبات مسؤولين من المستوى المنخفض، لدرجة أنه من الصعب تصور كيف يمكن أن تردع أي من منظمي الانتهاكات الجماعية أو المؤسسات الفاسدة.
وهناك تكاليف جسيمة للفشل، إذ إن إعلان العقوبات وحظر السفر له بالتأكيد قيمة بلاغية فورية، ولكن إذا فشلت مرارًا وتكرارًا في تحصيل تكاليف حقيقية لأهدافها، فإن هذه الإجراءات ستفقد مصداقيتها بمرور الوقت، ما من شأنه أن يترك للغرب أدوات أقل، لمنع التهديدات الأمنية وانتهاكات الحقوق في المستقبل، والأزمة الحالية بشأن أوكرانيا، خير مثال على ذلك.
وفي حال النظر إلى العقوبات المفروضة على المسؤولين والشركات الروسية، فإن التهديد الأمريكي بفرض عقوبات جديدة، له وزن أقل مما كان عليه قبل 10 سنوات.
ردود انتقامية
كما يمكن للعقوبات غير الفعالة أو سيئة التوجيه، أن تقوِّض -من دون قصد- المبادئ ذاتها التي تهدف إلى حمايتها، إذ إن العدد الهائل من الأفراد الذين يتعين عليهم معاقبتهم لتطبيق قوانين مغنيتسكي بالتساوي، يعني أن التطبيق الانتقائي أمر لا مفر منه.، لكن معاقبة البعض وليس الآخرين، لانتهاك القيم العالمية المفترض.
ويتمثل الخطر الأخير في أن رد الفعل السريع لفرض العقوبات، قد يؤدي إلى تفاقم التوترات السياسية والجيوسياسية. على سبيل المثال، أدت العقوبات الأمريكية والقيود المفروضة على التأشيرات وإغلاق السفارات وغيرها من الإجراءات، التي تستهدف المسؤولين والكيانات الصينية، إلى ردود انتقامية متبادلة من بكين.
في النهاية، لم تفشل الاستراتيجية، في إجبار الصين على تغيير سلوكها فحسب، بل أدت إلى تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وعلى سبيل المثال، انظر إلى إيران، حيث أدت مجموعة العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على الجنرالات والوكالات والشركات الإيرانية، إلى اندلاع أعمال عدائية خطيرة عام 2019.
مع كل أزمة وانقلاب ونظام عقوبات جديد، يُقسم العالم بشكل متزايد إلى تلك البلدان، التي تتمتع بالاعتراف الغربي والمساعدات والتجارة، وتلك التي لا تتمتع بذلك.
وقد جادل بعض المحللين بأن "الحرب الباردة الجديدة" التي كان يخشاها كثيرون، دفعت البلدان إلى اللجوء -في كثير من الأحيان- إلى عقوبات أحادية الجانب أو إقليمية، لكن العكس قد يكون صحيحًا.
بدلاً من تعزيز نظام دولي قائم على القواعد، يمكن للعقوبات الموجهة أن ترسي الأساس لذلك التقسيم الجديد للحرب الباردة، وتقسيم العالم إلى كتل ومناطق نفوذ متنافسة.