محاكمة أنور رسلان.. السجن مدى الحياة لضابط سوري سابق لتعذيبه الآلاف

رسلان أكبر مسؤول في النظام، يُعاقب على التعذيب والقتل خارج نطاق القانون والعنف الجنسي، من قبل أفراد القوات الحكومية.

محاكمة أنور رسلان.. السجن مدى الحياة لضابط سوري سابق لتعذيبه الآلاف

السياق

في أول قضية جنائية تُرفع بشأن عمليات التعذيب، يُتهم مسؤولو الحكومة في سوريا بتنفيذها، قضت محكمة ألمانية بالسجن مدى الحياة لعقيد سابق في الجيش السوري، في اتهامه بارتكاب قرابة 4 آلاف حالة تعذيب و27 جريمة قتل وحالتين من الاعتداء الجنسي.

ورأس أنور رسلان، وهو مسؤول كبير في النظام السوري، وحدة التحقيق في مركز اعتقال سيئ السمعة في دمشق معروف باسم الفرع 251، إلا أن المحكمة الألمانية أدانته الخميس، بجميع التهم الموجهة إليه، بحسب «سي إن إن»، التي قالت إن المحكمة وجدت أن الضابط السوري السابق مشارك في الجريمة.

ولعب رسلان، البالغ من العمر 58 عامًا، دورًا في الإجراءات التي اتخذت في سوريا ضد الاحتجاجات المناهضة للحكومة عام 2011.

 

جرائم ممنهجة

ووصف القضاة الجرائم، بأنها ممنهجة وجزء من ممارسات النظام السوري على مدى عقود، بحسب الشبكة الأمريكية، التي قالت إن رسلان قد يكون مؤهلًا للإفراج المشروط بعد 15 عامًا في السجن.

وأفاد المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، الذي يمثل المدعين المشتركين، في البداية بأنه أدين بـ30 جريمة قتل وخمس قضايا عنف جنسي قبل مراجعة أعدادها.

وأدين المتهم المساعد مع رسلان إياد الغريب، وهو ضابط صغير خدم أيضًا بالمنشأة، في فبراير 2021 للمساعدة والتحريض على التعذيب والحرمان من الحرية كجرائم ضد الإنسانية.

ورسلان أكبر مسؤول في النظام، يُعاقب على التعذيب والقتل خارج نطاق القانون والعنف الجنسي، من قبل أفراد القوات الحكومية، إلا أنه انشق عن النظام السوري عام 2012 وفر من البلاد ونفى جميع التهم الموجهة إليه.

 

انتصار للضحايا

جمانة سيف، محامية سورية عضو في الفريق القانوني للمدعين، كانت من الذين انتظروا خارج قاعة المحكمة من الساعة 6 صباحًا للاستماع إلى الحكم، وقالت لشبكة سي إن إن، بينما كانت تغالب دموع الفرح: «إنه اعتراف حقيقي بمعاناة الناجيات (..) نأمل أن يعيد ذلك إيمانهن بالعدالة».

ياسمين المشان، ناشطة سورية في جمعية عائلات قيصر، تنتظر خارج قاعة المحكمة في كوبلنز، غربي ألمانيا، قالت مشيرة إلى صور أشقائها الخمسة الذين اختفوا في سجون الأسد: «السجن المؤبد كان أقل ما يمكن أن نفعله لهم (..) هذه مجرد خطوة أولى في طريق طويل نحو العدالة».

وقال أنور البني، محامي حقوق الإنسان السوري والسجين السياسي السابق: «أنا سعيد لأن هذا انتصار للعدالة (..) أنا سعيد لأنه انتصار للضحايا الجالسين داخل قاعة المحكمة (..) أنا سعيد لأنه انتصار للضحايا في سوريا، الذين لم يتمكنوا من تحقيق ذلك هنا».

 

ألم مبرح

وصفت شاهدة لم تذكر اسمها، كيفية استجوابها وهي عارية، فضلًا عن تعرضها للضرب في مركز الاحتجاز، وأوضحت تفاصيل لقائها مع رسلان، بعد اصطحابها إليه بملابسها الممزقة من الاعتداء، قائلة إنه أمر برفع العصابة عن عينيها، وعرض عليها القهوة.

وفي اليوم التالي، وفقًا لملخص تفاعلاتها مع رسلان من المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، نُقلت إلى منطقة أخرى وأطلِق سراحها.

وقال المدعي المشارك وسيم مقداد، وهو موسيقي سوري يعيش في برلين، إنه تعرض للضرب على أخمص وكعوب قدميه وعلى ركبتيه أثناء الاستجواب، مضيفًا للمحكمة: كانوا يعرفون كيف يلحقون أقصى قدر من الألم.

وفي تصريحاتهم الختامية، ألقى المدعون خطابات مؤثرة أشادوا بالمحكمة ووبخوا رسلان لإنكاره التهم الموجهة إليه، بينما قالت الأمم المتحدة: يُعتقد أن أكثر من 100 ألف شخص اختُطفوا أو احتُجزوا أو فُقدوا في سوريا.

وأشار المدعي، حسين غرير، إلى أن آسريه في مركز الاحتجاز قالوا إنه «سيختفي وراء الشمس»، وأخبر المحكمة بأنه بالنسبة لأحبائه كان مثل قطة شرودنغر، ويبدو حيًا وميتًا في الوقت نفسه.

وقال غيرر للمحكمة: «بصرف النظر عن المدة التي سيُسجن فيها رسلان، ستكون بالقرب منه ساعة، سيرى الشمس ويعرف متى تشرق ومتى تغرب (..) سيحصل على رعاية طبية عند الحاجة، وسيتلقى زيارات من أقاربه الذين سيعرفون كيف حاله، تمامًا كما سيعرف كيف يفعلون».

 

ترحيب أوروبي

ورحبت لجنة العدالة الدولية والمحاسبة، التي قدمت أدلة للمحكمة، بما وصفتها الخميس بـ«الإدانة التاريخية»، قائلة: «إجراء مهم للغاية لتحقيق العدالة للناجين وضحايا النظام السوري».

من جانبه، وصف بيتر ستانو أحد المتحدثين باسم المفوضية الأوروبية الحكم بـ«التاريخي»، مشيرًا إلى أنه «نتاج أول محاكمة على مستوى العالم، بشأن تعذيب الدولة في سوريا، وخطوة مهمة نحو مكافحة الإفلات من العقاب، وتأمين العدالة والمساءلة هناك».

وأكد المسؤول، أن التكتل الأوروبي سيواصل دعم الجهود المبذولة لجمع الأدلة، واتخاذ إجراءات قانونية، من خلال الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، واللجنة الدولية المستقلة للتحقيق، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي يجدد دعوته لإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.

 

جرائم حرب

ونُظر إلى محاكمة رسلان على أنها تتويج لما يقرب من عقد من الأدلة، التي جمعها النشطاء والمحامون، الذين يسعون إلى تحميل النظام السوري المسؤولية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

وفي السنوات الأولى للأحداث في سوريا التي تحولت إلى حرب، والتي بدأت عام 2011، هرَّب متطوعون معروفون باسم «صائدي الوثائق» مئات الآلاف من الوثائق من منشآت النظام المهجورة، بينما قال كثيرون إنهم واجهوا هجومًا بالرصاص والصواريخ، لتهريب أوراق كانت أدلة في التحقيقات ضد النظام.

وعام 2013، هرَّب منشق يُدعى قيصر عشرات الآلاف من الصور، التي تظهر سجناء يُزعم أنهم تعرضوا للتعذيب حتى الموت في سجون النظام، بينما كانت الصور أيضًا جزءًا من الأدلة في المحاكمة التاريخية.

وتعهد محامون ونشطاء، بمواصلة ملاحقة مسؤولي النظام السابقين والحاليين المتورطين في جرائم بألمانيا، إذ ألقِي القبض على رسلان وغريب بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يعطي الولاية الولاية القضائية على الجرائم ضد القانون الدولي، حتى لو لم تحدث داخل تلك الدولة.