بعد كارثة أفغانستان... هل نشهد قرنًا صينيًا؟

أمريكا لن تعود كما كانت... لكن العالم بحاجة إلى قيادة ديمقراطية

بعد كارثة أفغانستان... هل نشهد قرنًا صينيًا؟

ترجمات-السياق

ذات مرة، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: "لقد عادت أمريكا"، وتنفَّس العالم الديمقراطي الصعداء، لكن بينما يشاهد العالم كارثة انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، فإن هناك أسئلة مطروحة منها: ماذا لو لم تعد أمريكا كما كانت؟ وماذا سيحدث بعد ذلك؟ هل سيكون هناك قرن صيني، أم تبرز أوروبا كقائد جديد للعالم الحر، أم تحدث فوضى دولية؟

يقول الكاتب البريطاني، تيموثي جارتون آش، في مقال بصحيفة "جارديان" البريطانية: إن الولايات المتحدة تعرَّضت للإذلال في فيتنام، وكذلك بعد فضحية ووترجيت، وهي أوقات شهدت تدني سُمعة أمريكا في العالم، لكنه أشار إلى أنها في غضون عقد، عادت الولايات المتحدة مرة أخرى، وبحلول عام 1995، بدا أنها تتصدَّر العالم كقوة عظمى بلا منازع.

ورأى الكاتب أن الجميع يعلمون أن الوضع هذه المرة يبدو مختلفًا، لأن المشكلات الداخلية، التي فرضتها الولايات المتحدة على نفسها، تبدو أكثر عمقاً بعشرة أضعاف مما كانت عليه منتصف السبعينيات، وهو ما يرجع جزئياً إلى أنها، من خلال اتباع نمط الإمبراطوريات الممتدة عبر التاريخ، أنفقت تريليونات الدولارات، في أماكن مثل أفغانستان والعراق، بدلاً من بناء الأمة في الداخل، وأضاف: "كما أنها في الخارج، لا تواجه قوة عظمى شيوعية متراجعة يحكمها الاتحاد السوفييتي، لكنها تواجه قوة عظمى صاعدة تحكمها الصين".

وتابع: "من الناحية الواقعية، فإن أكثر ما يمكن توقُّعه، هو أن تعود الولايات المتحدة، كقوة غربية رائدة على المسرح الدولي، بين أندادها في الشبكة العالمية من الديمقراطيات".

وذكر الكاتب أنه "ينبغي عدم الاستياء من السلوك الأمريكي السيئ، في أجزاء مختلفة من العالم، بما في ذلك المأساة الأخيرة في كابل، أن يغمض أعين أي ديمقراطية في أي مكان من حقيقة، أن جميع البدائل المحتملة لهذا السيناريو ستكون أسوأ، وأن إدارة بايدن أفضل فرصة لدينا لتحقيق الأمر".

وقال: "تخيَّلوا أن الحكومة الأفغانية، الفاسدة والمثيرة للشفقة، التي تموِّلها الولايات المتحدة وجيشها، الذي يُفترض أنه تم تدريبه على أيدي الأمريكيين، والذي يبلغ قوامه 300 ألف جندي، صمدوا بضعة أسابيع أخرى، وأنه كان هناك انسحاب منظم، فحينها كان الرئيس الأمريكي سيبدو كرجل مخضرم، ينفِّذ خطة صارمة لإعادة أمريكا دوليًا، ما يجعلها في وضع استراتيجي أكثر ملاءمة، لمواجهة التحدي الذي حدَّدته إدارته، المتمثِّل في وباء كورونا، وأزمة المناخ، والصين".

ورأى الكاتب أنه لا يزال من الممكن، أن تستأنف الولايات المتحدة هذا المسار، قائلاً إن تلك المشاهد التي ظهرت في مطار كابل لن تُنسى، لكنها ستتلاشى بمرور الوقت، لتتحول إلى منظور جديد.

وأشار الكاتب إلى أنه يجب التفكير في البديل، والتساؤل عمّا سيحدث في حال عدم عودة الولايات المتحدة إلى موقع القيادة الدولية، موضحاً أنه من المؤكد أن الصين ستصبح القوة المهيمنة في آسيا، لكنها ليست القوة المهيمنة في العالم، حيث ستعمل اليابان والهند وأستراليا، وكذلك الولايات المتحدة، التي لا تزال في المحيطين الهندي والهادئ، على تجنُّب حدوث ذلك، كما أنه في الصين نفسها، ستؤدي التناقضات بين النظام السياسي الشيوعي المتزايد، الذي تتركز السلطة فيه، ليس فقط في أيدي حزب واحد ولكن في يد رجل واحد، والاقتصاد والمجتمع الرأسمالي المعقَّد، عاجلاً أم آجلاً، إلى تفاقم أزماتها الداخلية.

وقال الكاتب: إن هذه ليست معادلة مناسبة لنشأة "قرن صيني" مشابة للقرن الأمريكي، بين عامي 1989 و2009، أو القرن البريطاني قبل ذلك، مضيفًا: "صحيح أن الصين تمارس نفوذاً كبيراً في بعض الدول الأوروبية، لكنها لن تصبح القوة الرائدة في أوروبا، ولا روسيا كذلك، رغم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مثل نظيره الصيني شي جين بينج، سيشعر بلا شك بالشماتة، بسبب الانتكاسة الأمريكية الأخيرة.

وتحدَّث الكاتب عمّا رآه "سيناريو أكثر تفاؤلاً"، وهو ذلك الذي قد يصبح فيه الاتحاد الأوروبي زعيماً للعالم الحر، معتبراً أن آفاق تحقيق هذا السيناريو لا تبدو جيدة، لأن هناك زعيمًا أوروبيًا واحدًا، هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يملك هذه الرؤية، ولكن ليس لديه الوسائل لتحقيقها، كما أن الخلفاء الألمان المحتملين للمستشارة أنجيلا ميركل، بعد الانتخابات المقرَّرة في سبتمبر المقبل، سيكون لديهم الوسائل ولكن ليست لديهم الرؤية، فضلاً عن مغادرة بريطانيا الاتحاد، وهو ما رآه الكاتب لا يمثِّل وصفة مناسبة لتشكيل قيادة عالمية.

وتابع: "هذا يترك البديل الثالث المتاح، وهو الفوضى الدولية وصراعات القوى العظمى، والصراعات القبلية والمصالح المتنافسة، أي سيكون هناك ما يشبه ما حدث في أفغانستان ولكن على نطاق أكبر".

وقال الكاتب: بصرف النظر عن البؤس، الذي قد يجلبه هذا البديل لملايين البشر، فإنه يخاطر بالقضاء على الكوكب، مضيفاً أن حرائق الغابات المروِّعة هذا الصيف في الجزر اليونانية، والفيضانات في ألمانيا، ناهيك عن التحذيرات الرسمية الأخيرة لعلماء المناخ، توضح أن العالم بحاجة إلى مستوى غير مسبوق من العمل الجماعي العالمي لمعالجة أزمة المناخ، إلا أن اللحظة الجيوسياسية الحالية تجعل من الصعب تحقيق مثل هذا العمل، وفقًا للكاتب.

وفي نهاية مقاله، قال الكاتب: إن الأمر متروك لنا، موضحاً أنه بالنظر إلى هذه اللحظة الجيوسياسية، فإننا سنجد أنها تتطلَّب التزامًا نشطًا من أوروبا والصين والهند واليابان وأستراليا، والعديد من الدول الأخرى، كما أن على الولايات المتحدة أن تعود إلى تولي دور قيادي بين الديمقراطيات، وألا تكون مجرَّد قوة مهيمنة، وتابع: "افتقار الولايات المتحدة لقيادة العالم، لا يمثل خطرًا على الغرب فقط، بل على العالم".