رغم عودة الهدوء.. مستقبل شديد القتامة ينتظر كازاخستان

بالنسبة للعديد من الكازاخيين، تظل قصة الاضطرابات التي حدثت الأسبوع الماضي غامضة، مثل الضباب الذي غلف مدينة ألماتي، أكبر مدينة في البلاد ومركز العنف في الوقت نفسه.

رغم عودة الهدوء.. مستقبل شديد القتامة ينتظر كازاخستان

ترجمات - السياق

رغم عودة الهدوء إلى كازاخستان، بعد التظاهرات العنيفة التي شهدتها مؤخرًا، رفضًا لزيادة أسعار الوقود، فإن مستقبلًا أكثر قتامة ينتظر البلاد، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.

وأشارت الصحيفة، في تقرير، إلى أن الأحداث المأساوية التي وقعت الأسبوع الماضي، والتي راح ضحيتها العشرات، كشفت عن توترات سياسية خفية.

كانت كازاخستان شهدت منذ 2 يناير الجاري، مظاهرات عنيفة، قُتل فيها العشرات، إذ خرج المتظاهرون إلى الشوارع في مدينتي ألماتي وجاناوزين -في منطقة مانغيستاو غربي البلاد- للاحتجاج على ارتفاع أسعار الغاز النفطي المسال المستخدم في السيارات، قبل أن تتسع رقعة المظاهرات بشكل غير مسبوق، لتصل إلى مدينة أكتاو الإقليمية الكبرى، على ضفاف بحر قزوين.

ورغم قمع قوات الأمن للمتظاهرين، استمرت الاحتجاجات، بينما استنجد الرئيس قاسم جومارت توكاييف، الذي توعد بالرد "الحازم"، بما يعرف بـ"منظمة الأمن الجماعي" الإقليمية التي ترأسها روسيا، فبادرت موسكو بإرسال دفعة من القوات، نجحت في قمع الاحتجاجات، واستعادة النظام، ومن المقرر أن تبقى هذه القوات في هذا البلد شهرًا على الأقل.

 

أسباب غامضة

ورأت "الغارديان" أنه بالنسبة للعديد من الكازاخيين، تظل قصة الاضطرابات التي حدثت الأسبوع الماضي غامضة، مثل الضباب الذي غلف مدينة ألماتي، أكبر مدينة في البلاد ومركز العنف في الوقت نفسه.

وأوضحت أن الكازاخيين، لم يستطعوا الوصول إلى معلومات دقيقة بشأن هذه التظاهرات، إذ أدى انقطاع الإنترنت إلى تجميد كل الطرق الممكنة للوصول إلى العالم الخارجي لمعرفة ما يجري، خلال هذه الأيام القليلة التي شهدت مآسي وعنفًا غير مسبوق، مشيرة إلى أن المركبات العسكرية انتشرت في الشوارع، وأحُرقت المباني الحكومية، بينما واصل التلفزيون الحكومي إذاعة تهديدات متتالية بأن "قُطاع الطرق والإرهابيين" سيُقضى عليهم من دون رحمة، في إشارة إلى المتظاهرين.

وأضافت "الغارديان": "الآن عاد النظام والإنترنت إلى حد كبير، لكن لا تزال هناك أسئلة كثيرة بحاجة إلى أجوبة"، مشيرة إلى أن الشيء الوحيد الواضح، أن الافتراضات القديمة عن كازاخستان -الدولة الغنية بالموارد في آسيا الوسطى- تغيرت.

كانت كازاخستان احتفلت الشهر الماضي، بالذكرى الثلاثين لاستقلالها ، مع خطابات رسمية سلَّطت الضوء على صورة أمة مسالمة ومزدهرة، وأنها دولة تجنبت الاضطرابات السياسية إلى حد كبير، وتفاخرت بسياسة خارجية مستقلة و "متعددة القطاعات"، إلا أنه لم يمر قرابة الشهر واندلعت مثل هذه التظاهرات العنيفة وغير المألوفة بهذا البلد الآسيوي.

الانتقال الصعب

ورأت "الغارديان"، أنه يبدو أن كازاخستان نجحت في إدارة الانتقال الصعب للخروج من وطأة رئيسها السابق طويل الأمد، نور سلطان نزارباييف، الذي قاد البلاد منذ الاستقلال عام 1991 حتى عام 2019، والانتقال إلى خليفته المختار، قاسم جومارت توكاييف.

وتضيف الصحيفة: "رغم أنه لم يمر أكثر من شهر على احتفالات الاستقلال، فإنه فجأة تحولت الاحتجاجات السلمية المطالبة بخفض أسعار الغاز، إلى اشتباكات عنيفة"، مشيرة إلى أن الأحداث تطورت سريعًا، خصوصًا بعد أن أعلن توكاييف أنه أمر قوات الأمن بإطلاق النار لقتل المتظاهرين، من دون إنذار.

وتابعت: "وسط ذلك كله، سقط عشرات القتلى، إذ أعلنت وزارة الداخلية مقتل 164 شخصًا بينهم 18 ضابطًا أمنيًا، واعتقال أكثر من 4000 شخص"، مشددة على أن التقارير التي نُقلت عن شهود عيان، تقول إن العدد الحقيقي للضحايا بين المتظاهرين قد يكون أعلى بكثير من هذه الأرقام.

انتفاضة وخيانة

وأوضحت "الغارديان"، أنه "كان هناك شك طوال الأسبوع في أنه قد يكون هناك ما هو أكثر من انتفاضة شعبية مباشرة، وقد تعزز ذلك من خلال إعلان اعتقال كريم ماسيموف، رئيس الأمن الوطني السابق القوي، رئيس الوزراء، بشبهة الخيانة العظمى".

وأشارت إلى أن هذه الخطوة -اعتقال ماسيموف- أدت إلى زيادة التكهنات بأن الاحتجاجات الأولية، كان من الممكن أن تستخدمها مجموعات داخل النخبة السياسية في البلاد لخوض معاركهم الخاصة.

ونقلت الصحيفة البريطانية، عن مصدر في دوائر الأعمال بكازاخستان، وصفه للوضع خلال الأشهر الأخيرة بأنه "شهد توتراً متزايداً بين الشخصيات المقربة من نزارباييف وخليفته، توكاييف".

وقال المصدر: "في الأشهر الستة إلى الاثني عشر الماضية، كان هناك تزايد في الخلاف، أدى إلى شل عملية صُنع القرار". وأضاف أن "واحدة من أكثر حلقات الأسبوع إثارة للدهشة كانت تحول توكاييف من مسؤول هادئ إلى مستبد غاضب، ووعد بسحق التمرد بوحشية".

كان توكاييف قال في خطاب: "كنا نتعامل مع قُطاع طُرق مسلحين ومجهزين جيداً، محليين وأجانب، قُطاع طرق وإرهابيون ينبغي القضاء عليهم".

 

دور نزارباييف

وذكرت "الغارديان"، أن هناك العديد من الأسئلة عن دور نزارباييف، مشيرة إلى أن توكاييف كان قد أعلن الأربعاء الماضي أنه أقال نزارباييف من رئاسة مجلس الأمن، من دون أن يوضح ما إذا كان ذلك بموافقة الرئيس السابق أو من دونها، كما أنه كانت هناك شائعات بأن نزارباييف فر وعائلته من البلاد.

وأضافت: "مهما كانت النتيجة النهائية لاضطراب الأسبوع الماضي، فإن صور هدم تمثال نزارباييف في مدينة تالديكورغان، وسط هتاف الجماهير: ارحل يا عجوز، من المرجح أن تغير الإرث الذي كان يأمله الرئيس السابق".

ووصفت الصحيفة البريطانية غياب نزارباييف بأنه "مفاجئ" بالنسبة لسياسي جسَّد كازاخستان على مدى العقود الثلاثة الماضية.