سد النهضة.. إثيوبيا تبدأ استعداداتها للملء الثالث وسط تحذيرات من مصر والسودان
قال مصدر في وزارة الخارجية السودانية، إن إثيوبيا بدأت تعلية الممر الأوسط لسد النهضة، ووضع جدران خرسانية، استعدادًا للملء الثالث للسد

السياق
بعد ساعات من تصريحات للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، كشفت مصادر سودانية استعداد إثيوبيا للملء الثالث لسد النهضة، في تحدٍّ لدولتي المصب القاهرة والخرطوم، اللتين تطالبان باتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل السد.
كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أكد خلال كلمة مع الرئيس المجري يانوش أدير، أنه من المهم أن تتحول التصريحات الإثيوبية، بعدم المساس بالحقوق المصرية في مياه النيل، إلى اتفاق ملزم لملء وتشغيل السد.
وأوضح الرئيس المصري، أن بلاده تريد فقط الحصول على حصتها من المياه، من دون تأثير ولا نقص منها، مؤكدًا أن القاهرة ليس لديها مصدر للمياه إلا نهر النيل، الذي قامت عليه الحضارة المصرية منذ آلاف السنين.
تعلية الممر الأوسط
إلا أنه لم تمضِ ساعات على تصريحات الرئيس المصري، حتى قال مصدر في وزارة الخارجية السودانية، إن إثيوبيا بدأت تعلية الممر الأوسط لسد النهضة، ووضع جدران خرسانية، استعدادًا للملء الثالث للسد.
وأوضح المصدر السوداني، في تصريحات صحفية، أن بلاده تنتظر دعوة رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيلكس تشيسكيدي، الذي يرأس الاتحاد الإفريقي، لاستئناف المفاوضات التي شدد مجلس الأمن على البدء فيها، مشيرًا إلى أن السودان سلَّم وزير خارجية الكونغو، ملاحظاته بشأن منهجية التفاوض في أزمة سد النهضة.
من جانبه، قال المستشار الأمنى لرئيس جنوب السودان، رئيس لجنة الوساطة الجنوبية، توت قلواك، إن حل أزمة سد النهضة في العودة إلى الحوار، محذرًا من اندلاع نزاع في المنطقة.
وأكد المسؤول، أن بلاده لا تريد أي صراع فى منطقتى حوض النيل والقرن الإفريقى، وتسعى لحل الأزمات وتحقيق المنافع لكل الشعوب والمواطنين، مؤكدًا أن بلاده تقدِّر أن المفاوضات بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) بشأن سد النهضة استمرت سنوات طويلة، وأن مصر والسودان سلكتا جميع الطرق الدبلوماسية لحل الأزمة.
وأوضح أن المباحثات، بين الرئيسين السيسس وكير، تناولت مستجدات الأوضاع فى الإقليم، وأبرزها: أزمة سد النهضة، والتوتر بين الخرطوم وأديس أبابا بشأن منطقة الفشقة على الحدود الشرقية، وكذلك التطورات الأخيرة بدولة السودان.
اتفاق ملزم
وفي السياق نفسه، أعلنت وزارة الخارجية المصرية، أن السفير المصري بدر عبدالعاطي، مُساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية، عقد جلسة مُشاورات مع نائب سكرتير عام جهاز الخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبي إنريك مورا، تناولت ملفات عدة بينها سد النهضة.
وأكدت وزارة الخارجية المصرية، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، أن اللقاء تناول أزمة سد النهضة، وأهمية التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم لملء وتشغيل السد.
سيناريو تصادمي
التصريحات من السودان وجنوب السودان، تحذر من سيناريو تصادمي، قد يخيم على منطقة القرن الإفريقي، إذا مضت إثيوبيا في طريقها نحو الملء الثالث، من دون التوصل لاتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب.
ووصلت المباحثات بين الدول الثلاث إلى طريق مسدود، بسبب خلافات بين دولتي المصب من جانب، ودولة المنبع من الجانب الآخر، بينما لم تتوصل الأطراف الثلاثة إلى اتفاق قانوني ملزم لقواعد الملء والتشغيل، والاتفاق على عدد سنوات الملء، وآلية حل النزاعات ومشاركة المعلومات بين الدول الثلاث، وكيفية إدارة السد خلال مواسم الجفاف.
وهو ما أكده وزير الري المصري محمد عبدالعاطي، في تصريحات صحفية، قبل يومين، قائلًا، إن المفاوضات «شبه مجمَّدة حاليًا»، كاشفًا عن «اتصالات على مستويات مختلفة من بعض الدول، لكنها لا ترقى لمستوى الطموحات».
وقال الوزير المصري، إن بلاده التي تؤمن بحق التنمية لها ولجميع دول حوض النيل، جاهزة للتعامل مع أي طارئ في ما يخص قطاع المياه، مضيفًا أن الدولة لن تسمح بحدوث أزمة مياه في مصر أو حدوث ضرر في المياه التي تصل إليها.
دراسة القرارات
وأكد عبدالعاطي، أن هناك تنسيقًا بين أجهزة الدولة للتعامل مع قضية سد النهضة، بلا تسرع في اتخاذ أي قرار، مشيرًا إلى أنه تتم دراسة القرارات التي تخص الأمر بتأنٍ، حتى يتم تحديد الوقت لتنفيذ أي سيناريو.
وشدد على ضرورة أن يثبت الطرف الآخر في ملف سد النهضة جديته، مؤكدًا أن القاهرة لا تنتظر حدوث ضرر بالغ، إلا أن مَنْ يفعل ذلك، عليه أن يتحمل مسؤوليته.
وبينما دعا بيان لمجلس الأمن الدولي، منتصف سبتمبر الماضي، إلى استئناف المفاوضات التي يقودها الاتحاد الإفريقي «بطريقة بناءة وتعاونية»، لم يحدث أي اختراق في الملف المعقَّد حتى الآن.
مجلس الأمن يتدخل
وأكد مجلس الأمن الدولي، ضرورة وضع صيغة نهائية لاتفاق مقبول وملزم للأطراف، وعلى وجه السرعة، بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، ضمن إطار زمني معقول.
وشجع المراقبين، الذين تمت دعوتهم لحضور المفاوضات، التي يقودها الاتحاد الإفريقي- وأي مراقبين آخرين قد تقرر مصر وإثيوبيا والسودان، دعوتهم، بشكل توافقي ومشترك- على مواصلة دعم المفاوضات، لتيسير حل المشكلات الفنية والقانونية العالقة.
وبينما رحبت مصر والسودان، بالبيان الصادر عن مجلس الأمن، قالت أديس أبابا إنها «لن تعترف بأي مزاعم تُبنى على هذا البيان»، واصفة تقدُّم تونس بمشروع البيان إلى المجلس بأنه «زلة تاريخية».
وجاء بيان مجلس الأمن، بعد أن أعلنت إثيوبيا في يوليو الماضي، اكتمال المرحلة الثانية من ملء سد النهضة، رغم مطالبة دولتي المصب، بتأجيل هذه الخطوة حتى التوصل إلى اتفاق شامل.
ولم تعلن إثيوبيا حجم المياه المخزنة خلف السد، إلا أن المرحلة الثانية كانت تتطلب الاحتفاظ بـ 13.5 مليار متر مكعب من المياه، إضافة إلى 4.9 مليار متر مكعب سبق تخزينها في الملء الأول، ليصل إجمالي المستهدف إلى 18.4 مليار متر مكعب.
تخوفات مصرية وسودانية
ويعد نهر النيل شريان الحياة في مصر والمصدر الرئيس للمياه، إذ تبلغ حصتها منه 55.5 مليار متر مكعب، تمثل 68.5% من الموارد المائية عام 2019/ 2020، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.
وتعد مصر سد النهضة تهديداً وجودياً لها، إذ تعاني إمدادات المياه الشحيحة أصلاً من النيل، التي يعتمد عليها أكثر من 100 مليون نسمة.
وتوقعت دراسة لجامعة القاهرة، أن تفقد مصر 51% من أراضيها الزراعية، حال إتمام عملية ملء الخزان خلال 3 سنوات.
لم تكن مصر وحدها التي تخشى تأثير سد النهضة، بل إن السودان الذي تبلغ حصته من مياه النيل 18.5 مليار متر مكعب، يؤكد أن السد الإثيوبي سيؤثر في عمل سدوده، التي تعرَّضت للضرر عقب الملء الأول.
ويخشى السودان حدوث نقص في الطاقة، لأن 50% من إنتاجه للكهرباء يعتمد على التوليد المائي، بينما حذر وزير الري السوداني ياسر عباس، من أن ملء سد النهضة سيهدد نِصف سكان وسط السودان، الذين يعتمدون على سدي الرصيرص ومروي لري أراضيهم وتوليد الكهرباء.
نقاط الخلاف
صيغة الاتفاق، أول نقطة في الخلاف بين الدول الثلاث، فبينما لا تريد إثيوبيا أي اتفاق ملزم، بل اتفاقًا على نقاط استرشادية، يكون لها الحق في تعديلها في أي وقت، تريد مصر والسودان أن يحمل الاتفاق صفة قانونية ملزمة، ويكون شاملاً التفاصيل الخاصة بالسد، مثل آلية الملء وترتيبات الجفاف وآلية التحكيم عند الخلافات.
ثاني نقاط الخلاف هي سنوات الملء، فبينما تريد الحكومة المصرية، أن يتم ملء سد النهضة (74 مليار متر مكعب) في 6 أو 7 سنوات، إذا كان إيراد النهر متوسطاً أو فوق المتوسط خلال فترة الملء، تتمسك إثيوبيا بملء السد بوتيرة أسرع، خلال فترة تتراوح بين 4 و7 سنوات.