صفقة الغواصات... لماذا يجب أخذ غضب فرنسا ضد أمريكا على محمل الجد؟
يتعين على الرئيس الأمريكي جو بايدن أيضًا، الجلوس مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتحدث عن إطار العمل الأمني في أوروبا

ترجمات – السياق
حذَّرت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، الولايات المتحدة وحليفتيها الجديدتين "بريطانيا وأستراليا"، من غضب فرنسا عقب فسخ كانبيرا تعاقدها مع باريس لشراء 12 غواصة فرنسية، مشيرة إلى أن الفرنسيين غاضبون، ولديهم ما يكفي من الإمكانات، لمنع استفادة أمريكا من انتصارها الدبلوماسي في أوروبا والمحيط الهادئ.
وذكرت المجلة -في تقرير- أن الأيام الماضية أظهرت حقيقة الغضب الفرنسي، بعدما أصرت باريس على سحب سفيريها من واشنطن وكانبيرا.
كانت فرنسا سحبت سفيرها من الولايات المتحدة، احتجاجًا على الصفقة الدفاعية التي عقدتها مع أستراليا على حساب باريس، وهي الصفقة التي قيل إنها موجَّهة ضد الصين، لكنها أثارت غضب باريس، لأنها ألغت صفقة بين فرنسا وأستراليا.
هل تتجه باريس إلى بكين؟
وحذَّرت المجلة الأمريكية، من لجوء فرنسا إلى الحضن الصيني، قائلة: إنه لأول مرة في علاقاتهما الثنائية، تستدعي باريس سفيرها لدى الولايات المتحدة "للتشاور"، مشيرة إلى أن اللغة التي استخدمها الدبلوماسيون والوزراء والمفكرون، على وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية، في الأيام القليلة الماضية، كانت "غير دبلوماسية".
وشدَّدت على أن الدعوات، لإعادة مراجعة علاقة باريس وأوروبا بالصين، يجب أن تؤخذ على محمل الجد، لأن الفرنسيين غاضبون، ولديهم ما يكفي من الإمكانات، لجعل الأمر صعبًا بالنسبة لأمريكا.
وأضافت: "لا يعني ذلك أن الفرنسيين محقون في لعب دور الضحية البريئة الغاضبة، لأنه لم يكن سِراً لأحد -باستثناء الإليزيه ووزارة الخارجية الفرنسية على ما يبدو- أن صفقة الغواصات مع أستراليا تواجه صعوبات.
واستدلت المجلة، بما جاء في صحيفة Le Figaro ثاني أكبر الصحف في فرنسا، على كيفية بحث أستراليا بنشاط عن خطة B في يونيو من هذا العام، للحصول على غواصات أخرى، بديلة للفرنسية، وأشارت إلى أن الجميع كانوا يعلمون ذلك، وكانت التكاليف ترتفع خارج نطاق السيطرة، وأصبح العقد قضية سياسية داخلية في أستراليا.
وأوضحت المجلة، أن كل هذه العوامل كان يجب أن تدق ناقوس الخطر في باريس، لكن من الواضح أن السياسيين الفرنسيين لم يأخذوها على محمل الجد، مشيرة إلى أن الخطأ الكبير في باريس، هو تجاهلها أن التحالف الجديد "أكوس" موجَّه ضد الصين وسياستها الخارجية العدوانية.
وأشارت المجلة إلى أنه "في حين أن فرنسا قد لا تكون قوة عالمية وهي أقل أهمية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ من أستراليا، فإن إمكاناتها حقيقية في أوروبا".
وأوضحت أن فرنسا تعتبر "قوة مقيمة" في المحيط الهادئ، إذ يعيش 1.6 مليون فرنسي في أقاليم ما وراء البحار مثل نيو كاليدونيا وبولينيزيا الفرنسية واليس وفوتونا ومنطقة اقتصادية كبيرة جدًا تشكل ثلاثة أرباع إجمالي مساحة فرنسا، فضلا عن أن فرنسا تعد "أفضل رهان لأمريكا إذا كانت تريد أن يلعب الاتحاد الأوروبي دورًا كحليف في المنطقة".
أسباب وجيهة
وقالت المجلة "من الواضح أن فرنسا تحمل الآن ضغينة مشروعة ضد شركائها الأستراليين بسبب طريقة معاملتها وضد الولايات المتحدة، لتجاهلها التام مصالح فرنسا".
وأشارت إلى أنه في مايو من هذا العام، تم إرسال أسطول فرنسي إلى كيوشو -ثالث أكبر جزيرة في اليابان- لإجراء مناورات مشتركة مع الحلفاء اليابانيين والأستراليين والولايات المتحدة، ومن ثم فإن إخراج الفرنسيين مما أطلق عليه في فرنسا "صفقة القرن" يعرِّض أجزاء من صناعة الدفاع الفرنسية للخطر، والأهم من ذلك، أنه يقدِّم حججًا لأولئك الموجودين في باريس، الذين كانوا يقولون إن الأنجلو لا يمكن الوثوق بهم.
الديغوليون الجدد
وأوضحت "ناشيونال إنترست" أن من نتائج هذه الكارثة الفرنسية، أنها عزَّزت يد "الديغوليين" الجدد المناهضين لأمريكا في وزارة الخارجية الفرنسية، مؤكدة أنه بعد فترة قصيرة من القطيعة من 2005 إلى 2010، أخذ هؤلاء "الواقعيون" المزعومون أنفسهم في الصدارة على مدى العقد الماضي، ما حوَّل نهج إيمانويل ماكرون الأطلسي الأصلي، إلى نظرة عالمية أكثر تناقضًا.
وقالت المجلة: إن نوايا الديغوليين الجدد -في إشارة إلى شارل ديجول أول رئيس للجمهورية الفرنسية الخامسة- واضحة، وهي الإبقاء على مسافة من التحالف الأطلسي، إذ إنهم يرون، ليس فقط فرنسا، بل أيضًا لأوروبا اهتمامًا أكبر بالموازنة بين الشرق والغرب بدلاً من الانحياز إلى الغرب، مشيرة إلى أنه حيال ذلك سيكون من الخطأ رفض هذا، باعتباره غرورًا فرنسيًا فريدًا، إذ إن المدرسة الدبلوماسية للفكر هي في الواقع جزء من حركة "قارية" أكبر (وصاعدة) داخل النخب الأوروبية القارية، مبينة أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والاختلافات الأخيرة بين أنجلو ويورو في السنوات الماضية، عززا موقفهم ليس فقط في باريس، ولكن أيضًا في برلين وبودابست وبروكسل.
خيارات واشنطن
وأوضحت المجلة، أن الخطر بالنسبة للولايات المتحدة، هو أن أعداءها سيستخدمون حجة "النادي الأنجلو فقط" لإضعاف شراكات أمريكا الأخرى، في أوروبا أو في المحيطين الهندي والهادئ، مشيرة إلى أنه لهذا السبب، تحتاج أمريكا إلى أخذ ما سمته (الانهيار العام المسرحي) لفرنسا على محمل الجد، وإيجاد طرق لتجنُّب تحويل نصر استراتيجي كبير إلى خطأ فادح طويل الأمد، يبعد الشركاء الآخرين على المدى الطويل.
وقالت المجلة إن لدى واشنطن عدة خيارات لنزع فتيل الأزمة، رغم أنه من المؤكد الآن أنه سيكون من الصعب التعامل مع فرنسا لبعض الوقت، مشيرة إلى أن الخيار الأول هو محاولة تضمين باريس بشكل أفضل في نظام التعاون الأمريكي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ،إذ أن فرنسا يمكن أن تحافظ على استقلاليتها، ولكن بصفتها دولة مقيمة في المحيطين الهندي والهادئ، فإنها قلقة من الحشد العسكري الصيني في المنطقة مثل الآخرين.
ورغم أن عرض الانضمام إلى التحالف الأمريكي البريطاني الأسترالي سيكون غير واقعي ويؤدي إلى نتائج عكسية في هذه المرحلة، فقد يكون من المنطقي إضفاء الطابع الرسمي على مشاركة باريس في الرباعية، وهي تحالف غير رسمي ولكن ليس أقل أهمية لأمن المحيطين الهندي والهادئ والذي يضم حاليًا اليابان والهند بالإضافة إلى الولايات المتحدة وأستراليا.
وشددت المجلة، على أن دعوة باريس ستكون لها ميزة دعم نظام أكبر للتعاون في المنطقة، مع تحالف رسمي من "أوكوس" يكمل ويعزز رباعي موسع أكثر رسمية، ولكن ليس أقل أهمية لحماية إطار العمل الأمني الحالي بين المحيطين الهندي والهادئ، مشيرة إلى أن باريس من الممكن أن تتلاءم بشكل أفضل بشبكة أمنية مع الهند (التي لن تتورَّط في تحالف رسمي لأسباب تاريخية) واليابان، ويمكن أن تجلب لها قيمة مضافة، لا سيما في الدفاع.
وذكرت المجلة، أنه يتعين على الرئيس الأمريكي جو بايدن أيضًا، الجلوس مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتحدث عن إطار العمل الأمني في أوروبا، مشيرة إلى أن أمريكا حققت انتصارًا دبلوماسيًا مهمًا بتوقيع صفقة الغواصات مع أستراليا وهي الآن بحاجة إلى البناء عليها لتقوية شراكاتها الأكبر.
وقالت المجلة: قد يكون من الأفضل تقديم الدعم العلني، لدعوات فرنسا للاستقلال الاستراتيجي، بشرط أن يظل استقلالًا ذاتيًا، ما يعني بناءً موحدًا للقدرات المصممة لتقوية حلف الناتو، مشيرة إلى أن ذلك لن يكون مجرد وسيلة، لنزع فتيل أزمة ثقة أكبر كانت تختمر منذ فترة، بين الولايات المتحدة وأوروبا، وإنما أيضًا من شأنه أن يضغط على الأوروبيين، للتركيز على الجانب التشغيلي للحُكم الذاتي الاستراتيجي، بدلاً من الإحباط بشأن تحالفهم.