داعش والقاعدة وجهًا لوجه في إفريقيا... دلالات الاقتتال والنتائج المتوقعة
قال الباحث الموريتاني في العلوم السياسية، الدكتور بون ولد باهي، في تصريحات لـ السياق، إن هناك دلالات للاقتتال بين تنظيمي داعش والقاعدة، في مالي ومنطقة غرب إفريقيا، خاصة بعد انسحاب فرنسا من المنطقة ودخول روسيا.

السياق
بعد فقدانه معاقله الرئيسة في سوريا والعراق، سعى تنظيم داعش إلى البحث عن مناطق نفوذ جديدة وساحات بديلة، لتلك التي خسرها على يد القوات النظامية في البلدين العربيين.
إلا أن تلك المناطق البديلة، كان يجب أن تتمتع ببعض المزايا، التي تؤهلها لأن تكون موطنًا دائمًا لتنظيم داعش الإرهابي، وساحة رخوة لتمديد نفوذه والاستيطان فيها، بعيدًا عن القبضة الأمنية.
مزايا وضعها تنظيم داعش نُصب عينيه، في مساعيه للبحث عن موطن بديل، تحققت على أرض الواقع في القارة الإفريقية، لما تتمتع به من طبيعة تضاريسية، قد تساعده في إعادة التموضع، واتخاذ أوكار ومراكز قيادة جديدة، خاصة مع ضعف بعض البؤر الحدودية بين الدول، إضافة لتوتر الحالة السياسية وانتشار الجريمة في بعض البلدان، ما يجعلها فريسة سهلة للإرهاب والتطرف.
وبعيدًا عن البلدان التي تتمتع فيها السلطات الأمنية بقبضة قوية على حدودها، كانت منطقة الساحل والصحراء، خيارًا جيدًا لإعادة تمركز التنظيم، بسبب ضعف القبضة الأمنية هناك، ولوعورة تضاريسها، وانتشار النزاعات القبيلة، وتغلغل جرائم الاتجار بالبشر هناك، وهروبًا من سطوة وقوة حركة «الشباب» كتنظيم متماسك منظم قد يخسر «داعش» موقعة الدخول معه في صراع، خاصة في الوقت الراهن.
إلا أن تلك المنطقة، التي تعد بوابة للسيطرة على معبر خليج غينيا الحدودي، ذي المزايا اللوجستية المهمة للتنظيم ومليشياته، كباب رائج لأعمال التهريب وما يدره عليه من دخول وأرباح مستمرة، تعد موطنًا لتنظيم القاعدة الإرهابي، الذي يعد العدود اللدود لـ«داعش»، رغم انبثاقهما من المنشأ نفسه.
صراع إرهابي
وما إن التقى التنظيمان، حتى دبت الاشتباكات المسلحة بينهما، ما أوقع قرابة 80 قتيلًا من تنظيم القاعدة الإرهابي، إضافة إلى أسر وإصابة عشرات على يد «داعش».
وبحسب بيان منسوب لتنظيم داعش، فإن مسلحيه الإرهابيين أحرقوا مركبة واستولوا على 6 مركبات أخرى، إلى جانب كمية كبيرة من الذخيرة والأسلحة.
ورغم أن الاقتتال بين التنظيمين «الإرهابيين» قد يجعل حياة المقيمين في تلك المناطق صعبة، فإن له جانبًا إيجابيًا، بحسب مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، الذي قال إنه يجب أن ينظر إلى صراع التنظيمين، من كونه نقطة إيجابية، ينبغي على الحكومات والجيوش النظامية التابعة للدول الإفريقية أن تستغلها.
وأوضح مرصد الأزهر، أن «الصراعات بين تلك التنظيمات تضعفها وتستنفد قواها، خاصة مع وجود تضييق للخناق من الأنظمة والمؤسسات الحكومية، واتخاذ الإجراءات الوقائية لضمان عدم تنفيذ عمليات تضر بالشعوب المسالمة، الأمر الذي يسرع من القضاء عليها وتفادي خطرها»، بحسب بيان للمرصد اطلعت «السياق» على نسخة منه.
دلالات عدة
إلى ذلك، قال الباحث الموريتاني في العلوم السياسية، الدكتور بون ولد باهي، في تصريحات لـ«السياق»، إن هناك دلالات للاقتتال بين تنظيمي داعش والقاعدة، في مالي ومنطقة غرب إفريقيا، خاصة بعد انسحاب فرنسا من المنطقة ودخول روسيا.
وأوضح الباحث الموريتاني، أن اقتتال التنظيمين، الذي عده أمرًا ليس جديدًا، يعود لعوامل عدة، بينها الخلاف الفكري والأيديولوجي للتنظيمين، والصراع من أجل الانفراد بالمنطقة، مشيرًا إلى أن لكل من التنظيمين أجندات يراهن عليها.
ومن أسباب الاقتتال -كذلك- بين التنظيمين، أزمة القيادات التي قادت إلى انشقاق قادة «القاعدة» وتأسيس «داعش»، بحسب الباحث الموريتاني، الذي قال إن التطورات الجديدة في منطقة غرب إفريقيا، ترجع إلى حالة الفراغ القيادي، نتيجة الاستقطاب الذي تسبب فيه الوجود الروسي في المنطقة، كمنافس للوجود الفرنسي والأمريكي، ما «أسال لعاب التنظيمين للانفراد بالمنطقة».
وعن مستقبل التنظيمين في المنطقة، قال إن التنبؤ بأمر كهذا قد يكون سابقًا لأوانه، لكنه أكد -في الوقت نفسه- أن حالة الاقتتال الراهنة ستضعف التنظيمين، وستجعلهما مكشوفين أمام الجميع.
تصاعد الإرهاب
الباحث الصومالي في شؤون القرن الإفريقي، الدكتور نعمان حسن، وافق الباحث باهي في تصريحاته، قائلًا إن الاقتتال الذي تشهده منطقة غرب القارة الإفريقية بين التنظيمين "من أجل السيطرة على مناطق أوسع".
وأوضح الباحث الصومالي، في تصريحات لـ«السياق»، أن هذا الاقتتال أحد نماذج الحرب المستعرة بين «داعش» من جهة، والحركات التي تنسب نفسها للإسلام من جهة أخرى، التي قد توجد معه في منطقة نفوذه.
ورغم ذلك، فإن الحرب الدائرة بين داعش والقاعدة في مالي، ليست الأولى من نوعها، فسبق أن وقعت في دول كان على أرضها التنظيمان، مثل سوريا والعراق والصومال، ما أدى إلى إضعاف قوة طرف من قِبل الآخر، بحسب الباحث الصومالي، الذي قال إنه «لا يمكن التنبؤ بمستقبل وجود الإرهاب في غرب إفريقيا».