مفاوضات نووي إيران تصل لطريق مسدود.. رصاصة الرحمة أم ضربة عسكرية؟

بعد وصول مفاوضات نووي إيران لطريق مسدود.. من يطلق رصاصة الرحمة على الاتفاق؟

مفاوضات نووي إيران تصل لطريق مسدود.. رصاصة الرحمة أم ضربة عسكرية؟

السياق

عرض أخير، وفرصة أوشكت على الانتهاء، هكذا هو الوضع في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني التي تعثرت على صخرة المطالب الإيرانية، في انتظار من يطلق رصاصة الرحمة عليها.

فالمفاوضات التي وصلت إلى طريق مسدود، ولم تكن السيناريوهات العسكرية بعيدة عنها، وخاصة وأن أي فشل في الاتفاق سيقود إيران لزيادة قدراتها النووية التسليحية وتقويض قدرة مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لبرنامجها النووي، مما سيجعل من ردود الفعل الأمريكية والإسرئيلية أمراً حتمياً عبر ضربات عسكرية للمنشآت النووية.

 

مع هذا الوضع القاتم، فما آخر التطورات؟

الحلقة الأخيرة من المفاوضات ألقت بها فرنسا في جعبة إيران، بعد أن حثت وزيرة خارجيتها كاثرين كولونا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، طهران، على قبول العرض الأخير المطروح على الطاولة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.

وقالت الوزيرة الأوروبية، إن نافذة الفرصة «على وشك الانتهاء»، مشيرة إلى أن إيران أثارت قضايا مرتبطة بالتزاماتها بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي تعتبر حجر الزاوية في نزع السلاح النووي.

وفيما لم تذكر تفاصيل، فإنه بموجب أحكام المعاهدة، وافقت القوى النووية الخمس الأصلية - الولايات المتحدة والصين وروسيا (ثم الاتحاد السوفيتي) وبريطانيا وفرنسا - على التفاوض من أجل إزالة ترساناتها ذات يوم. ووعدت الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية بعدم حيازتها مقابل ضمان بالقدرة على تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية.

وفي عام 2018، سحب الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني مع تلك القوى النووية الخمس وألمانيا. وفرض الاتفاق قيودا على البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات بمليارات الدولارات.

وأثار انسحاب الولايات المتحدة التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط الأوسع، وسلسلة من الهجمات والحوادث، فيما تعمل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن على تجديد الاتفاقية.

وقالت كولونا في مؤتمر صحفي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، إن جميع الأطراف باستثناء إيران شددت على أنه «لن يكون هناك عرض أفضل على الطاولة لإيران، وأن المسؤولية تقع على عاتق إيران حقاً لاتخاذ قرارها».

لا تطورات

المسؤولة الفرنسية التقت هي ووزراء خارجية أوروبيين آخرين في وقت لاحق يوم الاثنين، في اجتماع، خرج منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بعده ليؤكد أنه لا توجد تطورات جديدة بشأن إيران، متوقعًا عدم حلحلة هذا الأسبوع.

وقال في مؤتمر صحفي: هناك اقتراح مطروح على الطاولة وسيظل مطروحاً (..) لا أرى حلاً أفضل من الحل الذي اقترحناه.

يأتي ذلك، فيما طالب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في مقابلة بثت يوم الأحد على قناة «سي بي إس-تي» في «60 دقيقة» بضمانات بأن الولايات المتحدة لن تنسحب مرة أخرى من الاتفاق النووي. وعندما غادر رئيسي طهران لحضور اجتماع الجمعية العامة، قال إن وفده «ليس لديه أي خطط على الإطلاق للاجتماع أو التفاوض مع القادة الأمريكيين».

وقلل منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، من التوقعات بحدوث انفراج بشأن الاتفاق النووي الإيراني في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، قائلاً إنه لا يعتقد أن الاجتماع مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سيكون مثمراً.

وفي مقابلة مع «بوليتيكو» على هامش الجمعية العامة، قال بوريل إن الاتحاد الأوروبي كان يدفع جميع الأطراف لاستعادة الاتفاق النووي لعام 2015، لكنه قال إنه لا يتوقع أي تقدم كبير في القريب العاجل بشأن هذه القضية وسط المفاوضات الجارية بقيادة الاتحاد الأوروبي.

طريق مسدود

وأضاف: «على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، كان التفاعل وعملية متعددة الخطوات تتقارب. كان النشاط بين الطرفين يحسن النتيجة. لكن في الأسابيع الماضية، لم يكن هذا هو الحال. نحن الآن في طريق مسدود. الآن توقفنا».

وأضاف بوريل: «الاقتراح السابق، وهو آخر طلب من الجانب الإيراني لم يكن يدفع بالضبط من أجل التوصل إلى اتفاق، وإذا كان علينا أن نقول اليوم إذا حدث شيء ما هذا الأسبوع، فسأقول لا أعتقد ذلك».

وردًا على سؤال «بوليتيكو» عما إذا كان مستعدًا للقاء رئيسي، الموجود أيضًا في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة، أشار بوريل إلى أنه سافر إلى طهران في يونيو/حزيران لمحاولة حلحلة الوضع: «لقد وعدوني، لقد ذهبوا إلى الدوحة. ذهبوا إلى فيينا (..) لا أعتقد أنه شيء يمكن حله أثناء لقاء الرئيس».

ويحضر المسؤول عن إيران في الاتحاد الأوروبي، إنريكي مورا أيضاً الجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما يتواجد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين أيضاً في نيويورك، على الرغم من أن وزارة الخارجية قللت من أي احتمال لعقد اجتماع وجهاً لوجه مع الولايات المتحدة.

ويرافق رئيسي وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والمفاوض النووي علي باقري كاني ومن المتوقع أن يعقد اجتماعات ثنائية على هامش التجمع السنوي.

إلا أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني لم يستبعد يوم الإثنين، عقد لقاء بشأن إحياء اتفاق 2015 النووي مع القوى العالمية في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وقال كنعاني، في تصريحات صحفية: إن علي باقري كني، كبير المفاوضين المعنيين بالملف النووي، سيكون حاضرا في الجمعية العامة ضمن الوفد، مشيراً إلى أنه توجد خطة محددة لمناقشة الاتفاق النووي، لكن طهران لم تغادر طاولة المفاوضات أبداً.

أسباب تعثر المحادثات

طالبت طهران خلال أشهر من المحادثات مع واشنطن في فيينا تأكيدات أمريكية بعدم تخلي أي رئيس أمريكي عن الاتفاق في المستقبل كما فعل الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018.

وبدا أن الأطراف على وشك إحياء الاتفاق في مارس/آذار الماضي، لكن المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن انهارت بعد ذلك بسبب عدة قضايا، من بينها إصرار طهران على إغلاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقاتها في آثار اليورانيوم التي تم العثور عليها في ثلاثة مواقع غير معلنة قبل إحياء الاتفاق.

وبعد أشهر من توقف المفاوضات فيما إيران تكثف من وتيرة تخصيب اليورانيوم، عادت المفاوضات مجددًا في أغسطس/آب في فيينا، بمقترح أوروبي سُمى بـ«المسودة النهائية»، وُزع على إيران والولايات المتحدة والقوى الغربية.

وفي 15 أغسطس/آب، تنفست القوى الغربية الصعداء بعد الرد الأولي الإيراني على مسودة الاتحاد الأوروبي تنازلت فيه طهران عن بعض القضايا الشائكة مثل إزالة الحرس الثوري من تصنيف المنظمات الإرهابية.

وبعد الرد الإيراني الذي الذي أحاله الاتحاد الأوروبي بدوره إلى أمريكا، ردت الأخيرة ببعض الملاحظات وصلت طهران في وقت لاحق، إلا أن إيران أبدت تشددا في موقفها خلال الرد الثاني في الأول من سبتمبر/أيلول، مما أدى إلى تقويض توقعات التوصل إلى اتفاق.

الرد الإيراني، صعد من لهجات الدول المشاركة في المحادثات، والتي أصدرت بيانات متلاحقة اتهمت فيها إيران بعدم الجدية في المفاوضات، وأنها غير منفتحة على مزيد من التسويات، محذرة من أن مطالب طهران المتجددة أثارت "شكوكا بالغة في نوايا إيران والتزامها بتحقيق نتيجة ناجحة". 

وقال دبلوماسيون غربيون إن هذه هي خطوة إلى الوراء، مشيرين إلى أن إيران تسعى لربط إحياء الاتفاق بإغلاق تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة في نشاط نووي غامض لطهران.

وقال مسؤولان أوروبيان، إن الأمور بدت واعدة الشهر الماضي، حتى وصل رد إيراني، أثارت فيه طهران قضايا مرتبطة بالتزاماتها بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي تعتبر حجر الزاوية في نزع السلاح النووي.

وتقول وكالة «رويترز»، إن المحادثات غير المباشرة التي استمرت لأشهر بين إيران والولايات المتحدة تعثرت بسبب عدة قضايا، منها إصرار طهران على إغلاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقا في وجود آثار يورانيوم في ثلاثة مواقع غير معلنة قبل إحياء الاتفاق، ومطالبة طهران بضمانات أمريكية بأن واشنطن لن تنسحب من أي اتفاق نووي مرة أخرى.

وهو ما ردت عليه إيران على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها ناصر كنعاني، باتهام القوى الغربية بـ«تخريب» العملية الدبلوماسية، فيما بلاده لا تزال تسعى لاتفاق متوازن.

ومع عدم وجود ما يبشر بنجاح طهران وواشنطن في تجاوز مأزقهما، فمن المتوقع أن تستغل إيران الجمعية العامة للأمم المتحدة لمواصلة المساعي الدبلوماسية من خلال التعبير المتكرر عن رغبتها في التوصل إلى اتفاق مستدام.

ما دور إسرائيل؟

هذا المشهد لم تكن إسرائيل بعيدة عنه، بل إنها أوفدت معظم كبار مسؤوليها إلى الولايات المتحدة الشهر الماضي والحالي، لحث إدارة بايدن على عدم للاستجابة للمطالب الإيرانية، وهو ما بدا يؤتي أكله.

فوزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس قال الأسبوع الماضي، إن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 مع القوى العالمية «في غرفة الإنعاش»، مشيرًا إلى أنه ليس من المرجح إحياؤه قريبا إذ حدث ذلك الأساس.

وقال جانتس في مؤتمر عن مكافحة الإرهاب في جامعة رايشمان: «إن الاتفاق النووي الإيراني في غرفة الإنعاش»، مضيفًا: «سنرى كيف ستسير الأمور (في فترة لاحقة) ربما بعد الانتخابات»، في إشارة واضحة إلى انتخابات التجديد النصفي الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني.

ورغم أن إسرائيل ليست طرفا في المحادثات التي تعقد في فيينا بشأن معاودة العمل باتفاق 2015، إلا أن تهديداتها باتخاذ إجراء عسكري ضد إيران إذا رأت أن السبل الدبلوماسية تواجه طريقا مسدودا تجعل العواصم الغربية في حالة ترقب، بحسب وكالة «رويترز».

أفق التوصل لاتفاق

وعلى المستوى الخاص، يشعر المسؤولون الآخرون بالتشاؤم أيضًا بشأن التوصل لاتفاق قبل انتخابات التجديد النصفي للولايات المتحدة، نظرًا للحساسية السياسية للقضية مع الجمهوريين، وحتى أعضاء الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس الأمريكي جو بايدن، المتشككين في استعادة الصفقة بسبب مخاوفها.

ونقلت وكالة «رويترز»، عن دبلوماسيين غربيين قولهم إنه لا توجد مفاوضات نشطة في الوقت الحالي، مشيرين إلى أنه من غير المرجح أن تحدث انفراجة قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر/تشرين الثاني، متهمين إيران بالتراجع في المحادثات، الأمر الذي تنفيه طهران.

من جهة أخرى، قال مبعوث روسيا لدى المحادثات ميخائيل أوليانوف في تغريدة عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إن «محاولات إلقاء اللوم بالكامل على إيران ليست عادلة. تعتمد المحادثات بشكل كبير على الجدول السياسي المحلي لطرف آخر»، في إشارة إلى الانتخابات الأمريكية المقبلة.

السيناريو العسكري

وفيما باتت أي نهاية وشيكة لـ«ملحمة المفاوضات اللامتناهية حول النووي الإيراني» لا تلوح في الأفق، مع عدم وجود أي خطة بديلة»، بات التساؤلات مطروحة حول إمكانية الحل العسكري.

وإلى ذلك، قال دبلوماسي أوروبي لوكالة «فرانس برس»، إن الكل يخشى فشل الاتفاق، لكن أحدا لا يريد الحرب، خصوصا في خضم النزاع الدائر في أوكرانيا.

وحول إمكانية شن إسرائيل هجمات عسكرية، قال الدبلوماسي الأوروبي إن إسرائيل لم تبلغ بعد كامل جهوزيتها لشن ضربات استباقية، إلا أن تقريراً نشرته الأسبوع الماضي مجموعة الأزمات الدولية أشار إلى أن تل أبيب عززت عملياتها السرية في إيران في الأشهر الأخيرة.

وفيما لا يفضل الغربيون السيناريو العسكري، إلا أن الجمود الحالي وما تصفه مجموعة الأزمات الدولية بأنه توازن «اللااتفاق واللاأزمة» لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.

وقالت مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها، إنه «حتى وإن كانت هناك فرصة لنجاح مفاوضات فيينا بحلول نهاية 2022، إلا أن هناك تخوفات من فوات أوان التفاهم المطروح حالياً على الطاولة قريباً»، مشيراً إلى أن الهوة أكبر من أن تردم وانعدام الثقة بين الولايات المتحدة وإيران أعمق من أن يتم تخطيه.

وحذرت مجموعة الأزمات الدولية من «خطر دخول الفرقاء في دوامة تفضي إلى مواجهة عسكرية إذا استُنفدت الجهود الدبلوماسية أو فشلت»، فيما تقول مصادر مقربة من الملف للوكالة الفرنسية، إن الأوضاع في أوكرانيا عامل اضطراب.