كيف تمكنت المغربية بهيجة جلال من تحويل شركة أدوية متعثرة إلى رائدة في علاج السرطان؟
نشأت في المغرب وفقدت والدها في سن مبكرة، بينما ربتها وإخوتها الستة والدتها ، وشجعتها على أن تصبح أول امرأة في الأسرة تذهب إلى الجامعة.

ترجمات -السياق
«من مطور أدوية متعثر إلى رائد في علاج السرطان»، تحول مذهل في مسيرة شركة «Immunocore» التي كانت تحاول -طوال 12 عامًا- تطوير عقار للسرطان، إلا أنها تعثرت في برامج التمويل.
الشركة التي جمعت جولة تمويل أولية ضخمة، خيبت آمال المستثمرين بعد ذلك، بسبب التقدم البطيء للعقار الذي كانت تعمل عليه، بسبب الأزمات التي واجهتها، إلا أنها تمكنت من النهوض من كبوتها، بعد أن أثبت العقار الذي تعمل عليه فعاليته، وأنه ينقذ المريض.
سر التحول
تقول «فايننشال تايمز»، إن سر التحول يعود إلى بهيجة جلال، التي أمضت يومها الأول رئيسة تنفيذية لشركة Immunocore على الجانب الآخر من العالم من مقرها في أكسفورد، في محاولة لجمع الأموال للحفاظ على التكنولوجيا الحيوية.
وتقول الصحيفة البريطانية إن عملية طرح أسهم Immunocore في البورصة كانت -في البداية- عملية صعبة، فالشركة كانت تحاول تطوير عقار للسرطان لمدة 12 عامًا، وجمعت لذلك الغرض جولة تمويل أولية ضخمة من السلسلة الأولى المقدرة بـ 320 مليون دولار، إلا أنها خيبت آمال المستثمرين بسبب التقدم البطيء للعقار.
وعن ذلك، تقول بهيجة جلال: أعتقد أن الشركة دخلت السوق لمدة عامين ولم تتمكن من جمع الأموال. لقد غادر معظم أعضاء الفريق التنفيذي وكانوا من دون مدير تنفيذي، أو على الأقل مع رئيس تنفيذي مؤقت لمدة عامين، مضيفة: «كنت أعرف أن هناك هذا العلم الرائع وهذه المنصة الرائعة، لكن من دون التمويل، لن نتمكن من الذهاب إلى أي مكان».
إلا أن بهيجة جلال تمكنت وشركة Immunocore من التغلب على هذه «البداية المشؤومة»، وحازت موافقتها الأولى -على عقار مبتكر للسرطان– بينما تطور العديد من العلاجات الأخرى.
بهيجة جلال
نشأت في المغرب وفقدت والدها في سن مبكرة، بينما ربتها وإخوتها الستة والدتها ، وشجعتها على أن تصبح أول امرأة في الأسرة تذهب إلى الجامعة.
بدأت بهيجة حياتها المهنية عالمة، بعد أن حصلت على درجة الدكتوراه في علم وظائف الأعضاء، في ما كان يعرف –آنذاك- بجامعة باريس السادسة.
وأجرت بهيجة جلال أبحاثًا بعد الدكتوراه في البيولوجيا الجزيئية وعلم الأورام في معهد ماكس بلانك للكيمياء الحيوية بألمانيا، وانتقلت بعد ذلك إلى الولايات المتحدة، لترتقي في مراتب الأبحاث بمجال التكنولوجيا الحيوية حتى انضمت إلى MedImmune، وهي شركة رائدة في تكنولوجيا الأجسام المضادة، وأصبحت في النهاية نائبة الرئيس التنفيذي.
وبعد أن استحوذت عليها أسترازينيكا عام 2007، أصبحت رئيسة MedImmune ونائبة الرئيس التنفيذي لمالكها الأنجلو-سويدي، بحسب «فايننشال تايمز»، التي قالت إنه عندما جرى الاتصال بها لتولي المنصب الأعلى في Immunocore، لم تكن تبحث عن منصب رئيس تنفيذي، لكنها أرادت تحديًا.
كيف أحيت بهيجة جلال الشركة؟
أمضت بهيجة ستة أشهر بالتفكير في ما إذا كان Immunocore تمثل ذلك التحدي أم مجرد فوضى، بحسب الصحيفة البريطانية التي قالت إنه من خلال إجراء مقابلات مع أشخاص في جميع أنحاء الشركة، اكتشفت أن محققي التجارب السريرية -الأطباء الذين يقودون الدراسات في المستشفيات- كانوا غاضبين لأن الدواء نجح، لكنه لم يكن قريبًا من طرحه في السوق.
«لقد كانوا محبطين لأنه لم يحدث شيء. لكنهم يقولون لك: لدي مرضى ينبغي ألا يكونوا على قيد الحياة اليوم. إلا أنهم ما زالوا على قيد الحياة. هذا يخبرك بشيء»، تقول بهيجة جلال.
وتقول «فايننشال تايمز»، إن علاج السرطان تغير في العقد الماضي، من خلال الأدوية التي تسخر قوة الجهاز المناعي لمعالجة الأورام، مشيرة إلى أن التقنية التي تستخدمها Immunocore تسد فجوة مهمة في الجيل الجديد من العلاجات، باستخدام الخلايا التائية، وهي خلايا الدم البيضاء الرئيسة في جهاز المناعة، لمواجهة الأورام الصلبة.
الدواء -المسمى مستقبل الخلايا التائية ثنائي الخصوصية- يلتصق مرتين، مرة بالخلية الورمية، وعلى الجانب الآخر بالخلية التائية، بحسب الصحيفة البريطانية، التي قالت إنه كان من الأمور الحاسمة في التحدي العلمي جعلها قابلة للذوبان، لذلك يمكن استخدامها كمنتج جاهز، بدلاً من هندسة علاج خلايا المريض نفسه.
وتقول بهيجة جلال إن الخلايا التائية «قوية جدًا. في الأساس، تفكر فيهم كجنود صغار في الجسم يقتلون أي شيء أجنبي. هذا ما يحمينا، أعتقد أن كل ما علينا هو النظر إلى أجسامنا ونظامنا. لسنا أذكياء بما فيه الكفاية. علينا أن نتعلم مما تفعله أجسادنا».
وبحسب «فايننشال تايمز»، فإن أول استخدام لتقنية Immunocore كان في Kimmtrak، وهو دواء لورم الميلانوما العنبي النقيلي، وهو سرطان نادر يبدأ في العين، إلا أن الشركة تأمل تكييف تقنيتها مع أنواع السرطان والأمراض المعدية الأخرى.
خطوات التحول
وتقول بهيجة جلال: «كانت هناك صورة واحدة أقنعتني بالمجيء إلى هنا: رؤية مريض يعاني ورمًا خبيثًا في الكبد ويستجيب للعقار. فكرت في أن هذا مختلف وسيحدث تأثيرًا».
واستغرقت بهيجة أكثر من عام لتدبير تمويل السلسلة B، فجمعت بختام جولة في مارس 2020، 130 مليون دولار، بينما كان المستثمرون مترددين في تخصيص الأموال، من دون البيانات السريرية اللازمة، لذلك كان عليها إعادة تصميم تجربتها وتوسيعها وتغييرها، في انتظار لحظة الإبلاغ عن البيانات، للتأكد من أنها قوية بما يكفي للحصول على الموافقة.
في هذه الأثناء، شرعت في إعادة هيكلة الشركة، ومعرفة تفاصيل كل قسم، والبحث عن المكان الذي يحتاج إلى المعالجة، وما يجب إصلاحه، ووظفت خمسة أو ستة أشخاص عملت معهم سابقًا، ليرتفع الرقم إلى 20.
ولا تزال بهيجة جلال مقيمة في الولايات المتحدة، بينما تزور المقر الرئيس لشركة Immunocore في حديقة علمية خارج أكسفورد مرة واحدة في الشهر تقريبًا.
في حين أنه من غير المعتاد قيادة شركة من قارة أخرى، رأت جلال أن هناك مزايا، مثل الاقتراب من المجموعة العميقة من مستثمري التكنولوجيا الحيوية في الولايات المتحدة.
لكن بعد ذلك ضرب وباء كورونا، وتُركت لمعالجة التغيير الثقافي عبر منصة زوم، بحسب بهيجة التي تقول: «كان الأمر صعبًا لأن إعادة الهيكلة الجزء السهل».
وفي محاولة لتغيير ثقافة أولئك الذين بقوا، عقدت جلسات افتراضية ومنتديات للموظفين، لكنها تعترف بأنه لا شيء مثل أن تكون هناك.
القرار الأكثر أهمية
القرار الأكثر أهمية يمتعلق بما يجب فعله بالتجربة السريرية، خاصة بعد أن اجتاح فيروس كورونا المستشفيات، ما أدى إلى تعليق العديد من الدراسات، بينما توقف العديد من الأشخاص في الصناعة عن التفكير، ثم وجدوا صعوبة في إعادة تشغيل التجارب.
ورغم ذلك، فإنه في غضون 24 ساعة، اتخذت Immunocore قرارها بالاستمرار مهما حدث، تقول بهيجة جلال: «كان من الممكن أن تكون هذه اللحظة حياة أو موتًا للشركة».
ولذلك، كان عليهم التحول إلى الرعاية الصحية عن بُعد بسرعة من دون الحاجة إلى وقت لانتظار التوجيه من المنظم، فكان على Immunocore أن تكون حاضرة بشكل سريع، بخطط لكل سيناريو، بينها تحديد البيانات التي كانت ضرورية للغاية للموظفين. وفي يونيو 2020، انتهت التجربة من تسجيل المرضى في الوقت المحدد.
وبحلول نوفمبر من ذلك العام، بعد أن جعل الوباء الطريق أكثر صعوبة مما كات تتصوره جلال في البداية، أبلغت الشركة عن بيانات مؤقتة أظهرت أن الدواء ينقذ المريض، وهي معلومات كانت في وقت أبكر مما كان متوقعًا، ما يدل على فائدة قوية.
وغيرت النتائج أيضًا ثروات الشركة، خاصة بعد أن عاد المستثمرون إلى إغداق المزيد من الأموال عليها، ما جعلها تجمع 75 مليون دولار، بحسب بهيجة جلال التي قالت: «استغرق رفع السلسلة B مني عامًا، للكن رفع مستوى C استغرق أسبوعين».
لكن جلال كانت تعلم أنه إذا أرادت شركة Immunocore تسويق هذا الدواء بمفردها، بلا شريك كبير، ستحتاج إلى المزيد من المال. لذلك بعد أشهر قليلة وتحديدًا في فبراير من العام الماضي، قررت طرح الشركة للاكتتاب العام في بورصة ناسداك، حيث قامت بجولة ترويجية للمستثمرين من منزلها.
ولأن التوقيت كان جيدًا، فقد جمعت أكثر من المتوقع، أي قرابة 312 مليون دولار في طرح عام أولي مشترك وتمويل خاص.
وفي وقت لاحق من ذلك العام، سيبدأ بيع التكنولوجيا الحيوية، ما يؤدي إلى إغلاق نافذة الاكتتاب العام بشكل فعال.
وتقول بهيجة: «الحمد لله أننا فعلنا»، مشيرة إلى أنه حتى الآن هذا العام، خالفت Immunocore اتجاه التكنولوجيا الحيوية، حيث ارتفعت الأسهم بنسبة 69% تقريبًا. وفي يوليو من هذا العام، جمعت أيضًا 140 مليون دولار في استثمار خاص بصفقة ملكية عامة.
وتأمل بهيجة جلال أن تكسر شركة Immunocore أيضًا اتفاقية أخرى، تخيم على التكنولوجيا الحيوية البريطانية، التي تبيع بشكل متكرر لشركة «بيج فارما»، بدلاً من النمو لتصبح شركات مستقلة كبيرة.
وتعتقد بهيجة أن المفتاح هو الحصول على «أفضل ما في العالمين»: الجمع بين العلوم «الرائعة» في المملكة المتحدة والخبرة في بناء رأس المال والشركات في الولايات المتحدة. فقبل وصولها، كان لدى Immunocore مكتب في الولايات المتحدة، إلا أنه بات لديها الآن مكتبان يعمل فيهما 70 شخصًا عبر أقسام البحث والتطوير والتجارية والشركات.
«إذا كنت تريد الذهاب إلى ناسداك، على سبيل المثال، يجب أن يكون لديك بعض الوجود في الولايات المتحدة»، تشرح بهيجة قائلة: «من يكون بعيدًا عن الأنظار يكون بعيدًا عن أذهان المستثمرين الأمريكيين».
وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة من تقلدها منصبها، تعمل بهيجة على رعاية أدوية جديدة محتملة من خلال التجارب، بينما تخطط Immunocore لتقديم بيانات المرحلة المبكرة عن علاج مرشح لمكافحة مجموعة من السرطانات، بما في ذلك سرطان الرئة والثدي والمبيض، من المقرر مناقشته في سبتمبر المقبل.
ولقد أعطت مؤخرًا أول مريض في تجربتها جرعة لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية، بالتعاون مع مؤسسة بيل وميليندا جيتس، بينما تنظر الشركة بعد ذلك استخدام تقنيتها لمعالجة أمراض المناعة الذاتية.
وختمت جلال حديثها: «نحن رواد في هذا المجال. المفتاح هو البقاء في المقدمة. لا يمكننا أن نرتاح الآن ونشعر بأننا وصلنا».