هل ينجح بايدن في إعادة تعزيز نفوذ واشنطن داخل إفريقيا؟

يرى مراقبون أن هدف القمة، اللحاق بنفوذ الصين وروسيا المتنامي في القارة السمراء، حيث يتمحور نقاشها حول استمرار اهتمام الولايات المتحدة بإفريقيا

هل ينجح بايدن في إعادة تعزيز نفوذ واشنطن داخل إفريقيا؟

ترجمات - السياق

تساءل الكاتب الأمريكي البارز مايكل روبين، عن فرص تعزيز النفوذ الأمريكي، خلال القمة الأمريكية الإفريقية المقرر عقدها اليوم الثلاثاء، ورأى أن أي تقدُّم في العلاقات الأمريكية الإفريقية، لا يتأتى من خلال المؤتمرات ولا إلقاء المسؤولية على الأمم المتحدة، وإنما من خلال الدبلوماسية الحذرة والشراكات العسكرية الجادة.

وسلَّط روبين -في تحليل بمجلة ناشيونال إنترست الأمريكية- الضوء على القمة الأمريكية الإفريقية بين 13 و15 ديسمبر الجاري، مشيرًا إلى أن هدف الرئيس الأمريكي جو بايدن من عقدها، إعادة تعزيز نفوذ واشنطن داخل القارة الإفريقية.

ورأى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يستحق الثناء، لسعيه إلى إعادة تمركز إفريقيا، في السياسة الخارجية الأمريكية.

وتعد القمة الأمريكية الإفريقية، التي تستمر ثلاثة أيام، الثانية من نوعها، بعد الحدث الذي استضافه الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، عام 2014.

ويرى مراقبون أن هدف القمة، اللحاق بنفوذ الصين وروسيا المتنامي في القارة السمراء، حيث يتمحور نقاشها حول استمرار اهتمام الولايات المتحدة بإفريقيا.

 

أسباب الفشل الأمريكي

ويرى روبين، أن الولايات المتحدة فشلت في تحقيق أهدافها داخل القارة الإفريقية، لهذه الأسباب:

أولًا: عدم قدرة واشنطن على مضاهاة مساعي الصين وروسيا، فضلًا عن تركيا وإيران، لكسب النفوذ والحلفاء داخل القارة الإفريقية، واستمرار الولايات المتحدة في نهجها بإملاء الشروط على الدول الإفريقية، وما يتعين عليهم القيام به، وإصرار واشنطن على تجاهل التدخل لحل المشكلات الإفريقية.

والسبب الثاني "الغطرسة"، إذ أوضح الكاتب أنه في كثير من الأحيان، يقوم صانعو السياسة الأمريكيون بـ"الإرسال بدلاً من الاستقبال"، مشيرًا إلى أنهم يفضلون إخبار الحكومات الإفريقية بما تحتاجه بدلاً من الاستماع إلى أولويات هذه الحكومات.

وحيال تراجع الاهتمام الأمريكي بمشكلات إفريقيا، استشهد الكاتب باهتمام مبعوث المناخ الأمريكي جون كيري، بإلقاء محاضرات في سيراليون وليبيريا عن تغير المناخ ، بينما لا يتحدث أحد من المسؤولين الأمريكيين عن مشكلات القارة مثل تعزيز قدرة القضاء والشرطة والشفافية المالية.

أما السبب الثالث، فيتمثل في اتجاه لتجاهل حلول القادة الأفارقة لأزمات قارتهم.

وأوضح الكاتب أن القمة المرتقبة بين الولايات المتحدة وقادة الدول الإفريقية، تفتقر إلى استراتيجية أمريكية متماسكة وواضحة المعالم تجاه القارة الإفريقية، مؤكدًا أهمية أن تتعلم الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن من أخطاء الماضي، التي أدت إلى تقويض نفوذ واشنطن داخل القارة الإفريقية، لحساب الصين وروسيا.

وأضاف أنه يتعين على الولايات المتحدة المضي قدمًا، لكسب الشراكات والحلفاء في إفريقيا، مشيرًا في هذا الصدد إلى أن رواندا تُعد من الدول الإفريقية، التي يمكن للإدارة الأمريكية كسب شراكتها، من خلال تقديم الدعم العسكري واللوجستي لها، الأمر الذي من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار داخل البلاد.

وأشار الكاتب إلى أن الأخطاء الأمريكية الثلاثة معروضة في منطقة البحيرات الكبرى بإفريقيا، حيث يعامل وزير الخارجية أنتوني بلينكين ومديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور، رواندا بشكل غير عادل، حسب وصفه.

وتضم منطقة البحيرات الإفريقية الكبرى عددًا من الدول، بما في ذلك كينيا، أوغندا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، تنزانيا، رواندا، وبوروندي.

وزار بلينكين وباور، جنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، أغسطس الماضي، في خطوة عدها متابعون تُكثّف من خلالها واشنطن تحركها الدبلوماسي بإفريقيا، في مواجهة الدبلوماسية الروسية.

كما زارت أيضًا سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، في أغسطس، غانا ورواندا.

وزارت مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا  باور مؤخرًا كينيا، الحليفة القديمة للولايات المتحدة، إضافة إلى الصومال، حيث أشارت إلى زيادة سوء التغذية، بفعل تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.

تزامنت الجولات الدبلوماسية الأمريكية مع جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الواسعة في إفريقيا، حيث عزا ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم إلى تداعيات العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، بينما نفت واشنطن هذه الفرضية.

 

المثال الرواندي

محليًا -حسب روبين- اضطلع الرئيس الرواندي بول كاغامي، خلال ولايته التي استمرت 22 عامًا ، بمشروع جيل لمحو النظام الاجتماعي المتأثر بعلم تحسين النسل، الذي استورده البلجيكيون منذ أكثر من قرن، والسخرة الفرنسية التي أفرزت الإبادة الجماعية عام 1994، وأوقعت أكثر من مليون قتيل في نحو مئة يوم فقط.

ففي عام 2017، أشار تقرير إلى أن المسؤولين الحكوميين والعسكريين الفرنسيين، تورطوا في تقديم أسلحة لمرتكبي جرائم الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994، ولعبوا دورًا مهما في عرقلة محاولات تقديمهم للعدالة.

ورغم ذلك، فإن الكاتب أشار إلى أن بلينكن وباور مازالا يرفضان الاعتراف بهذه الإبادة الجماعية، لافتًا إلى أنه أمام ذلك فإن جهود كاغامي لبناء هوية رواندية جديدة، لا تخضع للعرق ولا الأمتعة التاريخية، بل هي أمر يجب على الدبلوماسيين أن يشجعوا على تكراره في دول مثل إثيوبيا ونيجيريا.

ففي غضون عقدين فقط، هزم كاغامي الفساد وحوّل بلدًا منهارًا إلى دولة متقدمة إقليميًا.

ووصف روبين رواندا بأنها مثل "إسرائيل أو سنغافورة في إفريقيا".

ورأى الكاتب أن إنجاز كاغامي ذلك، من دون ديناميكيات الرفاهية ومساعدة الاستعمار، وفي قلب مجتمع تنتشر فيه المنظمات غير الحكومية الغربية، يزيد عداء الناشطين من مجموعات مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، ليس بسبب مخاوف حقوق الإنسان ولا الديمقراطية، وإنما لأن نجاح رواندا يهدد نموذجهم.

وقال: "صحيح أن رواندا بعيدة عن الكمال، رغم أن نقد الديمقراطية مبالَغ فيه، لكن الروانديين يعتقدون أن ثقافة إعلان الاختلافات، خلال الحملات الانتخابية، أسهمت في الإبادة الجماعية".

واستجابة لذلك -حسب الكاتب- تبنى الروانديون ثقافة الإجماع التي لا تظهر فقط على المستوى الوطني، لكن أيضًا على المستوى الفردي في الشارع، إذ نادرًا ما يرفع الروانديون أصواتهم على بعضهم، بغضب أو غير ذلك.

ويضيف الكاتب: "هذا لا يعني أن كاغامي لم يرتكب أخطاء، ومع ذلك، فإن أي مقارنة بين رواندا والدول المجاورة، مثل بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، تظهر أن نموذج رواندا أفضل".

أمام ذلك، يرى روبين، أنه بدلاً من عداء النموذج الرواندي، يجب على الغرب أن يشترك معها، لضمان بقاء المكاسب التي حققها كاغامي، خلال الفترة الماضية.

واستنكر الكاتب، تباطؤ إرسال سفير أمريكي إلى رواندا على مدى عام كامل، محملاً إدارة بايدن والكونغرس معًا مسؤولية ذلك.

 

إبادة جديدة

وحذر روبين، من أن الدعم غير المحدود لفيليكس تشيسكيدي، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومعالجة شكاواه المصطنعة ضد رواندا، قد يدفع المنطقة إلى حافة إبادة جماعية جديدة.

وفي نوفمبر الماضي، عقد مسؤولون من جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا محادثات ثنائية، تهدف إلى إنهاء مواجهة سياسية بين الدولتين، نجمت عن صراع واسع النطاق، بالقرب من حدودهما المشتركة.

وتوسط الرئيس الأنغولي جواو لورينسو في المحادثات التي عُقدت بأنغولا وسط أجواء من التوتر المتفاقم الناجم عن أعمال عنف لجماعة 23 مارس المتمردة شرقي الكونغو وأجبرت عشرات الآلاف على الفرار من منازلهم، في منطقة لم تشهد هدوءاً يذكر من الصراعات المستمرة منذ عشرات السنين.

وتتهم الكونغو، رواندا منذ فترة طويلة، بدعم تلك الجماعة التي تهاجم الجيش الكونغولي، بالقرب من الحدود الرواندية منذ عام 2012، وهو ما تنفيه رواندا.

ويرى روبين، أن تشيسيكيدي يسعى إلى استخدام العداء العرقي لصرف الانتباه عن إخفاقاته، قبل الانتخابات، في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وأشار إلى أن الأمم المتحدة تفاقم المشكلة، من خلال السماح للجماعات الإرهابية ومرتكبي جرائم القتل الجماعي "الهوتو" بإدارة مخيمات اللاجئين، من خلال البقاء كمسلحين وتحويل المدارس، على غرار "الأونروا"، إلى مراكز تحريض.

أمام هذه المخاوف، يقترح كثيرون في إفريقيا، مغادرة الأمم المتحدة من القارة، بدلاً من أن تكون حاضنة للإرهاب، حسب وصف الكاتب.

وبيّن أن رواندا بحاجة لمساعدات أمريكية سواء عسكرية أم غيرها، أبرزها (الطائرات، وناقلات الجند المدرعة والعربات المدنية المدرعة، والوقود)، مشددًا على أن الروانديين سيرحبون لو حصلوا على مساعدة القوات الخاصة الأمريكية لتدريب وتجهيز القوات المتجهة إلى مناطق الصراع.

وحسب الكاتب، لا تملك رواندا الموارد الطبيعية، التي تسمح لها بتجاوزات كبيرة وميزانيات تقديرية، ووفقًا لذلك، يمكن للولايات المتحدة والدول الغربية دعم عمليات حفظ السلام الرواندية، من خلال تدريب الجنود، ومساعدة عائلات الضحايا.

ويرى أن هذه الخدمات لن تكون "صدقة"، إنما سيقابلها بالتأكيد دعم الأمن والديمقراطية الإفريقيين، بطريقة أكثر كفاءة وأقل تكلفة، ما يمكن الولايات المتحدة والغرب من بسط نفوذهما، أمام محاولات مجموعات فاغنر الروسية، التي تضع أقدامها هناك.

من المساعدات التي على الولايات المتحدة أيضًا تقديمها لإفريقيا، أن تعيد نشر بعض قواتها في القارة السمراء، لانتزاع العبوات الناسفة "الألغام"، التي تشكل خطرًا متزايدًا على أمن العديد من دول القارة.

وأشار إلى أنه مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وعدم قيامها بدوريات نشطة في مساحات شاسعة من العراق، فإن الكثير من قدرة البنتاغون لمكافحة الألغام موجودة في المستودعات، ومن ثمّ يمكن استغلال هذه الإمكانات لتدريب الروانديين وقوات إفريقيا الوسطى، على التخلص من هذه العبوات الناسفة، ما يزيد الترابط بين واشنطن ودول القارة.

وقال روبين: "لقد حان الوقت لتتعلم واشنطن من أخطائها، وتشجع قصص النجاح الإفريقي، والعمل من خلال الشركاء الأفارقة على عكس عدوى عدم الاستقرار والتطرف، والتوجه نحو الاستقرار في القارة".

وأضاف: "الطريق إلى الأمام نحو علاقات أقوى مع إفريقيا، لا يتأتى من خلال المؤتمرات ولا إلقاء المسؤولية على الأمم المتحدة، وإنما من خلال الدبلوماسية الحذرة والشراكات العسكرية الجادة"، متابعًا: "وقد تكون رواندا المفتاح".

واستطرد: "للولايات المتحدة دور تلعبه في دعم أولئك الموجودين في رواندا وكينيا وملاوي وغانا وأرض الصومال، المستعدين للمضي قدمًا في مكافحة الإرهاب والتطرف والإبادة الجماعية".

وأكد الكاتب والمؤرخ الأمريكي أن على الولايات المتحدة استغلال قمتها المزمعة مع قادة الدول الإفريقية، لكسب المزيد من الشراكات داخل القارة، من خلال إبداء رغبة أمريكية في تعزيز التعاون مع دول القارة، لا سيما في ما يتعلق بالملفات التي تؤثر بشكل مباشر في الأمن والاستقرار، مثل مكافحة الإرهاب والتطرف، والإبادة الجماعية.