اتفاقية التنقيب بين تركيا وحكومة الدبيبة... جدل يتجدد ومصير غامض

يقول المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، لـ-السياق-، إن حكمًا برفض اتفاقية التنقيب مع تركيا لا يتوقع صدوره من القضاء في طرابلس، متسائلًا: من يضمن للقاضي الذي سيحكم ببطلان المذكرة حياته، في ظل سيطرة قادة المليشيات على الأجهزة الشرطية والأمنية؟

اتفاقية التنقيب بين تركيا وحكومة الدبيبة... جدل يتجدد ومصير غامض

السياق

رغم مرور قرابة شهرين على إبرام حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، اتفاقًا جديدًا مع تركيا، للتنقيب عن الطاقة في البحر المتوسط، فإن الجدل بشأن تلك الاتفاقية لم يصل المحطة النهائية.

أبرمت حكومة عبدالحميد الدبيبة، غربي ليبيا، مطلع أكتوبر الماضي، اتفاقيات مع تركيا، تتيح لشركاتها التنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية، في خطوة أثارت اعتراضات محلية ودولية.

إلا أن تلك الاتفاقية رفضتها مصر واليونان، إضافة إلى قوى محلية وأخرى دولية، لأسباب عدة، أبرزها أن اتفاق جنيف 2020، الذي جاء بحكومة الدبيبة إلى السلطة، لم يمنحها الحق في إبرام اتفاقيات طويلة الأمد، إضافة إلى أنها منتهية الولاية وفقًا للاتفاق نفسه.

لكنَّ أيامًا بل شهرين مرا على تلك الاتفاقية، فما الذي أعاد الجدل من جديد بشأنها؟

عودة الجدل، جاءت بعد قرار لمحكمة استئناف طرابلس، صدر الاثنين، يفيد بتأجيل النظر في قضية مذكرة التفاهم الليبية التركية إلى 19 ديسمبر الجاري.

كان 5 محامين تقدموا بطعن إلى محكمة الاستئناف، ضد الاتفاقية التي وقعتها حكومة الدبيبة مع تركيا، مؤكدين أن الاتفاق السياسي الليبي (اتفاق جنيف) يمنع حكومة الدبيبة من عقد أي اتفاقيات دولية.

وبينما قالوا إن الاتفاقية مخالفة لبنود عدة من قانون النفط، أبرزها عدم خبرة الشركات التركية في هذا المجال، طعنوا في بند سرية ما ينتج عن التعاون الذي تتضمنه الاتفاقية، ما يعد مخالفة لقانون ديوان المحاسبة، مطالبين المحكمة بوقف تنفيذ الاتفاقية، لأنها «تسلب مؤسسة النفط الليبية اختصاصها في حصرية تجارة النفط».

 

هل محكمة طرابلس قادرة على إصدار حكم كهذا؟

وفقًا لمراقبين، رغم أن القضاء الليبي ظل محصنًا من الانقسام السياسي طوال السنوات الماضية، فإن حكمًا ببطلان اتفاقية الدبيية وتركيا، من الصعب توقع إصداره من أي محكمة في ليبيا لأسباب عدة.

الأول، أن المنطقة الغربية في ليبيا برمتها، تحت حكم المليشيات المسلحة، التي تعد صاحبة الكلمة العليا ولها اليد الطولى على المؤسسات الواقعة في طرابلس ومحيطها، ما يجعل ولادة حكم كهذا، أمرًا شبه مستحيل.

وبحسب مراقبين، فإن السبب الثاني، أن تركيا تسيطر على المنطقة الغربية، سواء عبر المرتزقة التابعين لها على الأراضي الليبية، أو بقواتها في قاعدة الوطية الجوية غربي البلاد، ما يجعل من الصعب أن يصدر قاض ليبي في تلك المنطقة الواقعة تحت سيطرتها حكمًا يدين اتفاقية وقَّعتها.

أما السبب الثالث، فأكد مراقبون أنه يعود إلى حكومة عبدالحميد الدبيبة منتهية الولاية التي وقعت الاتفاقية، مشيرين إلى أنها تغدق الكثير من الأموال على المليشيات المسلحة التي تأتمر بأمرها، وتعد رهنًا لإشارتها، في واقع يعرفه القضاة غربي ليبيا جيدًا، ويدركون أنهم واقعون تحت مقصلة ونيران تلك الحكومة ومليشياتها، ما يجعلهم يعتذرون -نهاية المطاف- عن نظر القضية.

 

تساؤلات حائرة

إلى ذلك، قال المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن حكمًا برفض الاتفاقية لا يتوقع صدوره من القضاء في طرابلس، متسائلًا: من يضمن للقاضي الذي سيحكم ببطلان المذكرة حياته، في ظل سيطرة قادة المليشيات على الأجهزة الشرطية والأمنية؟

وأوضح المحلل الليبي، أن القضاء الليبي المتوقف عن العمل بشكل فاعل منذ سنوات في طرابلس، بسبب غياب الأمن، لن يستطيع إصدار أي أحكام لا سيما أن القيادة العامة واللجنة العسكرية لن تتدخل في هذه القضية، مشيرًا إلى أن القضاء لن يعود لممارسة مهامه، إلا بعد استتباب الوضع الأمني في طرابلس، والقضاء على المليشيات.

وأشار إلى أن الحكم النهائي في القضية هو الفيصل، وهو ما يصعب على القضاء في طرابلس حسمه، هذا من جانب، ومن جانب آخر فالمتوقع أن تظل القضية في أروقة القضاء، حتى يتمكن القضاة من إطلاق الحكم العادل فيها.

وتوقع أن تظل القضية حبيسة الأدراج، حتى تباشر تركيا التنقيب في البحر المتوسط، إلا أنه أكد أن ردود الفعل الدولية على هذه الخطوة التركية، لن تكون متوقعة وقد تتصاعد إلى نشوب حرب بين دول عدة.

 

رهينة المليشيات

بدوره، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، إن مؤسسات الدولة في طرابلس رهينة للميلشيات وحكومة الدبيبة، التي أصبحت ميليشياوية.

وأوضح المحلل الليبي، أن المؤسسات القضائية لم تنج من الضغوط والابتزاز المباشر، الذي يمارسة رئيس الحكومة على أعضاء الهيئات القضائية، ومنع استقلاليتهم في ممارسة أعمالهم، مشيرًا إلى أن إرجاء النظر في هذه القضية يعد قبولًا للنظر في هذا الطعن، وأن الضغوط هي التي دفعت مستشاري محكمة الاستئناف في طرابلس إلى التأجيل، كحل وحيد للتحرر من السيطرة ولو لحين.

وأشار إلى أن مستشاري محكمة الاستئناف يحاولون المحافظة على استقلاليتهم في نظر القضايا المرفوعة أمام المحكمة، مؤكدًا أنهم يعون جيدًا أن الاتفاقية باطلة، لأنها لم يصدق عليها البرلمان، حسب ما يقضي صحيح القانون والعرف الدولي.

وأكد المحلل الليبي، أن القضاة سيضطرون إلى التأجيل في انتظار إما ظروف أفضل تضمن سلامتهم من بطش المليشيات، وإما ابتزاز الحكومة، أو يقعوا في شراك فساد حكومة الدبيبة، التي لن تتردد في عرض عشرات الآلاف من الدينارات، لكي يكون الحكم في صالح تمرير هذه المذكرة التي وصفها بـ«المعيبة» قانونيًا وسياسيًا.

وعن إمكانية تدخل الجيش الليبي، قال المرعاش، إنه ما لم تُحرر طرابلس من سطوة المليشيات، لن تنجو أي من مؤسسات الدولة من سطوتها، بما فيها المؤسسات القضائية.

بدوره، استبعد الدكتور عبدالمنعم اليسير، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي بالمؤتمر الوطني المنتهي ولايته، صدور حكم في الطعن ضد مذكرة التفاهم مع تركيا، مشيرًا إلى أن المليشيات التي تسيطر على العاصمة «عميلة لتركيا»، ما يجعل من الصعب أن نتوقع أي حكم قضائي ضد مصلحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.