احتجاجات إيران... هل تطيح بالنظام؟

الشاب الأهوازي عباس المنصوري، ينتحر، بعد أن أبلغ أقاربه بأن سلطات السجن أعطوه حبوبًا وحقنة قبل يومين من إطلاق سراحه.

احتجاجات إيران... هل تطيح بالنظام؟

السياق

بعد أشهر من الاحتجاجات في إيران، التي تصاعدت مع تحول حملة الحكومة القمعية إلى أكثر فتكًا، بدأ المسؤولون إعدام المحتجين علنًا، ما أدى إلى موجة جديدة من الغضب من جمهور إيراني، يطالب بإنهاء النظام الثيوقراطي في البلاد.

فالاحتجاجات الإيرانية تعد معركة تاريخية بين قوتين قويتين لا يمكن التوفيق بينهما: سكان أغلبيتهم من الشباب فخورون بحضارتهم التي يبلغ عمرها 2500 عام، ويتعطشون بشدة إلى التغيير، مقابل نظام ثيوقراطي متقدم في السن ومعزول، ملتزم بالحفاظ على سلطته وغارق في 43 عامًا من الوحشية.

ورغم القمع العنيف للنظام الإيراني، فإن المحتجين غير المسلحين وغير المنظمين وبلا قيادة ما زالوا في الشوارع، بعد قرابة ثلاثة أشهر، من التظاهرات التي خرجت غضبًا على قتل الشابة الكردية مهسا أميني في 16 سبتمبر الماضي، ما خلف أكثر من 475 قتيلًا، والحكم بالإعدام على 11 شخصًا حتى الآن، إضافة إلى القبض على قرابة 18 ألف متظاهر.

لم تصل حركة الاحتجاجات إلى نقطة التحول، لكن هناك مؤشرات كثيرة على أن كتلة حرجة من المجتمع الإيراني، لديها شكوك في استمرار النظام، الذي حكم البلد الآسيوي بقبضة من حديد، كان الخوف والفتك من أدواته لقمع المعارضين، إلا أن هناك مؤشرات متزايدة على أن الخوف بدأ يتبدد.

 

فما جديد الاحتجاجات؟

بعد يوم من إعدام المتظاهر الإيراني مجيد رضا رهنورد، صباح الاثنين، توجه أهالي مدينة مشهد إلى والدته لمواساتها وتقديم تعازيهم لأسرته، بينما نزل عدد كبير من الناس إلى الشوارع، في مشهد وطهران وأصفهان، احتجاجًا على عملية الإعدام.

وانتفض المتظاهرون في الشوارع -مساء الاثنين- مرددين هتافات ضد الإعدام و«مرشد النظام»، بينما تجمع محتجون في مدينة مشهد، وكوهردشت كرج، وفي مناطق متفرقة من طهران، بينها صادقية.

إلى جانب التجمعات في الشوارع، استمرت أشكال الاحتجاج الأخرى، بينها وضع لافتات على جسر للمشاة في الأهواز كتب عليها: «أيها الناس استيقظوا»، وسط دعوات للتجمع في الأيام المقبلة.

ونشرت «الشبكة المتحدة لشباب الثورة الإيرانية»، دعوة إلى التظاهر والإضراب، عقب إعدام محسن شكاري، ومجيد رضا رهنورد، الخميس والجمعة.

ودعا «شباب أحياء كرج» الأهالي للمشاركة في مراسم أربعين مهدي حضرتي في كرج، التي تبدأ الخميس المقبل.

وعقب أسبوع من إطلاق سراحه من المعتقل، أنهى الشاب العربي الأهوازي عباس المنصوري، (19 عامًا)، حياته، بعد أن أبلغ أقاربه بأن سلطات السجن أعطوه حبوبًا وحقنة قبل يومين من إطلاق سراحه.

وقالت منظمة حقوق الإنسان الأهوازية، إن الشاب كان بصحة جيدة قبل اعتقاله، ولم يكن يتناول أي نوع من الأدوية، بينما هددت قوات الأمن أسرة المنصوري بعد وفاته، وأخذت منها تعهدًا بعدم إقامة مراسم تأبين له.

وقالت راحة بحريني محامية حقوق الإنسان، الباحثة الإيرانية في منظمة العفو الدولية، إن هذه المحاكمات والإعدامات تهدف إلى قمع الاحتجاجات، وبث مناخ من الخوف والترهيب في المجتمع، مشيرة إلى أن السلطات الإيرانية تظهر أنها مصرة على استمرار حملتها العنيفة للقتل الجماعي، في الشوارع وخلف قضبان السجن.

 

مزاعم إيرانية

في المقابل، زعم الحرس الثوري، الثلاثاء، أن جهاز الاستخبارات التابع له تمكن من ضبط خلية اتصالات إعلامية مدعومة من الغرب، لصناعة محتوى عن الاحتجاجات الأخيرة.

وقال الحرس الثوري، في بيان، إن جهاز الاستخبارات للحرس تمكن من إلقاء القبض على عدد من الذين يعملون ضمن شبكة اتصالات دولية، يسعون لصناعة محتوى عن الاضطرابات الأخيرة في البلاد لصالح الإعلام الغربي، في مدينة برديس، شمالي شرق طهران.

 

معارضة شيعية

إلا أن الإجراءات القمعية ومحاولات الاختباء الإيرانية وراء الاتهامات لجهات خارجية، بتأجيج الأوضاع في إيران، ضاقت ذرعًا بها مجموعة من رجال الدين الشيعة البارزين، بينهم مرتضى مقتدائي أحد أعضاء جمعية مدرسي الحوزة العلمية بمدينة قم، الذي انتقد أحكام الإعدام، قائلًا: «إذا قتل مسلح شخصًا، فإنه يحكم عليه بالإعدام، أما إذا قام بالتهديد والترهيب فقط، فلن يصدر حكم بالإعدام».

بينما قال محمد علي أيازي، عضو جمعية الباحثين في حوزة قم، إنه إذا كان لأحدهم الحق في الاحتجاج على الوضع الحالي، يمنعه العملاء من التظاهر، وعندما يريد الدفاع عن حقه نسميه «محاربًا»، في انتقاد واضح وصريح لأحكام الإعدام التي أصدرها النظام الإيراني بحق المحتجين.

من جانبه، قال المرجع الديني محمد رضا رحمت، عضو مكتب تحقيق آثار الخميني، إن الحكم على جرائم مثل تخويف الناس وإغلاق الشارع وإصابة شخص ما ليس إعدامًا، موضحًا أن «هذه الأحكام سياسية».

وطالب عضو لجنة الاستفتاء الشرعية في مكتب الخميني، المرجعيات الشيعية بضرورة إعلان موقفها من أحكام المحاربة التي تطبقها السلطات القضائية الإيرانية في الأيام الأخيرة، بينما قال محسن كديور وهو رجل دين معروف باعتباره المسؤول عن إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام، إنه مارس ضغوطاً على قيادة القضاء لإصدار أحكام الإعدام بحق المتظاهرين.

وقال علي السيستاني أحد المراجع الشيعية في العراق: «لقد بعثت برسائل إليهم في بعض المناسبات، لكن للأسف ليس هناك شخص يسمع في إيران»، بينما قالت صحيفة جمهوري إسلامي الأصولية، إن المجتمع لا يمكن أن يحكم بأحكام الفقهاء ويجب أن يحكم القانون.

 

معضلة النظام

وتقول صحيفة نيويورك تايمز، إن المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، الحاكم الوحيد الذي يعرفه العديد من المتظاهرين، يواجه معضلة الديكتاتور: فإذا لم يعرض على شعبه إمكانية التغيير، ستستمر الاحتجاجات، لكن إذا فعل ذلك فإنه يجازف بالظهور ضعيفًا ويشجع المتظاهرين.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن خامنئي يعلم جيدًا أن إلغاء الحجاب الإلزامي سيكون بوابة للحرية، وسيفسره العديد من الإيرانيين بأنه عمل ضعيف وليس شهامة، مشيرة إلى أن الإيرانيين لن يرضوا فقط بحرية الملبس، بل سيتشجعون للمطالبة بكل الحريات التي حرموا منها في نظام ثيوقراطي، بما في ذلك حرية الشرب، والأكل، والقراءة، والحب، والمشاهدة، والاستماع، وقبل كل شيء، قول ماذا يريدون.

وأشارت إلى أن هناك مؤشرات على الفوضى داخل النخبة الحاكمة، فبينما اقترح بعض المسؤولين إلغاء شرطة الآداب سيئة السمعة، قال آخرون إن هذا مجرد تكتيك مؤقت لاستعادة النظام.

رؤية عبر عنها حسين جلالي الحليف الديني لخامنئي، عضو اللجنة الثقافية في البرلمان الإيراني، بقوله: «انهيار الحجاب انهيار علم الجمهورية الإسلامية»، مشيرًا إلى أن «غطاء الرأس سيعود إلى رؤوس النساء في غضون أسبوعين».

وأكدت الصحيفة الأمريكية، أنه مهما كانت نتيجة تلك الاحتجاجات، فإنها غيرت العلاقة بين الدولة الإيرانية والمجتمع، فلا يزال تحدي قانون الحجاب جريمة جنائية، لكن النساء في جميع أنحاء إيران خاصة في طهران، يرفضن بشكل متزايد تغطية شعرهن، إضافة إلى أن مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لشبان إيرانيين يقلبون عمائم من على رؤوس رجال دين شيعة.

وتقول «نيويورك تايمز»، إن المحتجين الغاضبين يعمدون لتشويه رموز الحكومة بشكل تقليدي وإحراقها، بما في ذلك منزل أسلاف والد الثورة الخميني.

ورغم ذلك، فإن الصحيفة الأمريكية، قالت إن القدرة القمعية للنظام الإيراني -على الورق على الأقل- لا تزال هائلة، فخامنئي القائد العام لـ 190 ألف مسلح في الحرس الثوري، الذي يشرف على عشرات الآلاف من مقاتلي الباسيج المكلفين ببث الخوف العام، مشيرة إلى أنه من غير المرجح أن يشارك جيش التجنيد غير الأيديولوجي الإيراني، الذي يقدر عدد قواته النشطة بنحو 350 ألفًا في القمع الجماعي، لكن آمال المحتجين في انضمامهم إلى المعارضة ذهبت سدى.

وحتى الآن، كانت المصالح السياسية والمالية لخامنئي والحرس الثوري متشابكة، لكن الاحتجاجات المستمرة وهتافات «الموت لخامنئي» قد تغير ذلك، بحسب «نيويورك تايمز»، التي تساءلت: هل تريد قوات الأمن الإيرانية الاستمرار في قتل الإيرانيين للحفاظ على حكم رجل دين مريض في الثمانينيات من العمر لا يحظى بشعبية ويأمل توريث السلطة لمجتبى خامنئي؟

وكتب عالم الاجتماع تشارلز كورزمان في كتابه المؤثر «الثورة التي لا يمكن تصورها في إيران»، أن المفارقة في الحركات الثورية أنها لن تكون قابلة للحياة حتى تجتذب كتلة حرجة من المؤيدين.

وصرح مسؤولون كبار في المخابرات الأمريكية والإسرائيلية مؤخرًا بأنهم لا يعتقدون أن احتجاجات إيران تشكل تهديدًا خطيرًا للنظام، لكن التاريخ أوضح -مرارًا وتكرارًا- أنه لا يوجد جهاز استخبارات، ولا نظرية ولا خوارزمية في العلوم السياسية، يمكنها التنبؤ بدقة بتوقيت الانتفاضات الشعبية ولا بنتائجها.