حصار العاصمة... كيف يسعى عمران خان إلى استعادة حكم باكستان؟

انطلق رئيس الوزراء المخلوع ونجم الكريكيت السابق في مسيرة استمرت أسبوعًا عبر إقليم البنجاب، أكبر أقاليم باكستان، إلى العاصمة إسلام أباد، على أمل تقديم عرض كبير لجماهيريته بما يكفي لإطاحة حكومة شهباز شريف .

حصار العاصمة... كيف يسعى عمران خان إلى استعادة حكم باكستان؟

السياق

وضع سياسي متأزم تعيشه باكستان، التي تعاني مشكلات اقتصادية كارثية، وضربتها فيضانات قبل أسابيع، أغرقت مساحات واسعة من الأراضي والمنازل والأشخاص، لكن هناك غرقًا آخر يبدو أنه سيبقي الدولة النووية معلقة في وحل من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي.
فعمران خان رئيس الوزراء السابق، يلحق المحاولة بأخرى لاستعادة سيطرته على الحكم من جديد.

 

مناورة نجم الكريكت

خلال عطلة نهاية الأسبوع، اجتمعت قوافل الدراجات النارية والشاحنات الصغيرة بالألوان الأحمر والأخضر والأبيض على طول طريق "جراند ترانك" التاريخي في باكستان.

انطلق رئيس الوزراء المخلوع ونجم الكريكيت السابق في مسيرة استمرت أسبوعًا عبر إقليم البنجاب، أكبر أقاليم باكستان، إلى العاصمة إسلام أباد، على أمل تقديم "عرض كبير" لجماهيريته بما يكفي لإطاحة حكومة شهباز شريف .

وكتب خان عن الحشود التي رافقته: "السؤال الوحيد هو هل سيكون سؤالًا ناعمًا من خلال صندوق الاقتراع أم مدمرًا من خلال إراقة الدماء؟".
 هذه "المسيرة الطويلة" أحدث مناورة في جهود خان للعودة، منذ إقالته من رئاسة الوزراء، في اقتراع لحجب الثقة في أبريل، و ارتفع دعم خان حيث عزفت رسالته الشعبوية على وتر حساس في وقت تضخم مؤلم.

 ومع ذلك، يعاني الزعيم السابق أيضًا عددًا متزايدًا من التحديات التي تهدد بإبعاده عن الساحة الانتخابية، إذ منعت لجنة الانتخابات الباكستانية -الشهر الماضي- خان من تولي منصب رئاسة الوزراء، بسبب مزاعم بأنه أساء التعامل مع الهدايا التي تلقاها عندما كان رئيسًا للوزراء، وقد تعرض لتهم تتعلق بالإرهاب تم إسقاطها الآن، حيث وجهت إليه بشأن تصريحات التهديد المزعومة، التي أدلى بها في خطاب، ولا يزال يواجه إجراءات بشأن مزاعم بأنه قبل أموالاً أجنبية بشكل غير قانوني.

 

مواجهة مع الجيش

كما دخل رئيس الوزراء السابق في مواجهة نادرة مع الجيش الباكستاني القوي، الذي عقد -قبل أيام- مؤتمرًا صحفيًا استثنائياً، حيث بدا أن رئيس أجهزة المخابرات انتقد ​​"رغبات خان غير الدستورية".

وقالت أزيما شيما، مديرة شركة فارسو كانسلتينغ في إسلام أباد، إن مشكلات خان القانونية والسياسية تجعله أكثر شعبية في قاعدته.  ويعده كثير من المحللين المرشح الأوفر حظًا في الانتخابات المقرر إجراؤها العام المقبل.

يأتي الصراع السياسي، في الوقت الذي تكافح فيه حكومة شريف تحديات اقتصادية، يحذر بعض المحللين من أنها قد تجبر باكستان على التخلف عن سداد ديونها الخارجية، البالغة 130 مليار دولار.  بينما أعاد شريف إحياء حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بـ 7 مليارات دولار في أغسطس، و دفعت الفيضانات المرتبطة بتغير المناخ رئيس الوزراء للتحذير من أن البلاد بحاجة إلى المزيد من المليارات.

ويتهم شريف غريمه عمران خان، باستغلال الأزمة الاقتصادية، قائلًا: من الواضح أننا نشعر بالقلق لأنه إذا كان هناك استياء جماهيري، فإن ذلك سيؤدي إلى تعميق عدم الاستقرار السياسي، مضيفًا لصحيفة فاينانشيال تايمز، في مقابلة أجريت معه مؤخرًا: "من الواضح أن هذا يمكن أن يؤدي إلى مشكلات خطيرة".

لكن بالنسبة لمؤيدي حزب إنصاف الباكستاني الذي يتزعمه خان، يعد رئيس الوزراء السابق شخصية نادرة شجاعة، بما يكفي لتحدي عقود من سوء الإدارة والفساد المزعوم، من النخب السياسية والعسكرية.

انتُخب خان رئيسًا للوزراء عام 2018 على أساس برنامج لمكافحة الفساد بعد إطاحة رئيس الوزراء وقتها بسبب فضيحة مالية.

خان الذي عانى تحديات اقتصادية ضخمة أثناء توليه منصبه، ارتفعت شعبيته بعد أن ادعى أنه تمت إزالته من خلال مؤامرة شاركت فيها الولايات المتحدة.

 

حصار العاصمة

وقال أحد مؤيديه أورنجزيب تشودري، 45 عامًا، سائق شاحنة نقل في إسلام أباد: "علينا النهوض لإنقاذ باكستان، انضمامنا إلى المسيرة من أجل حصار العاصمة وفرض انهيار الحكومة، مضيفًا: "سأوقف شاحنتي الصغيرة لإغلاق الطريق وإيقاف الإمدادات عن إسلام أباد".

أما بالنسبة لمنتقدي خان، فإن سلسلة القضايا المرفوعة ضده قوَّضت سمعته بشكل قاتل، و ينبع قرار لجنة الانتخابات الذي استبعده، من مزاعم بأن خان انتهك القانون، ببيع الهدايا التي تلقاها أثناء وجوده في منصبه.

في حين قال فيصل فريد محامي خان، إن الاتهامات واهية، ويعتقد العديد من الخبراء المستقلين أيضًا أن الحكم سيواجه صعوبة في الصمود أمام الطعن القضائي.

 حصل خان على مهلة جزئية في 24 أكتوبر، عندما قالت المحكمة العليا في إسلام أباد إنه يمكن أن يخوض الانتخابات الفرعية، لكن المحكمة لم تبت في حكم عدم الأهلية الصادر من لجنة الانتخابات.

وقال بلال جيلاني، المدير التنفيذي لمؤسسة غالوب باكستان لاستطلاعات الرأي، إنه حتى إذا لم تستمر القضايا، فإن معارضي خان يأملون أن يؤدي تكرار الظهور أمام المحكمة "إلى إضعاف صورته كفاسد"، لكن من جهة أخرى قد يجعلونه أكثر شعبية، من خلال تعزيز السردية القائلة إنه يتعرض للاضطهاد.

 

خيال الجمهور
إلى ذلك وجد استطلاع أجرته مؤسسة غالوب على 1000 باكستاني أن 69 في المئة يعتقدون أن قرار عدم الأهلية كان خطأ. 

وقال غازي صلاح الدين، كاتب عمود سياسي: "عمران خان استحوذ على خيال الجمهور الباكستاني".

أما بالنسبة للعديد من المحللين، فيبقى الخلاف العام بين خان والجيش، الذي لعب منذ فترة طويلة دورًا مؤثرًا، وإن كان غامضًا في السياسة المدنية الباكستانية، أكبر لغز في الاحداث، إذ إن خان الذي يعتقد أنه وصل إلى السلطة بدعم من الجيش، اختلف مع كبار الضباط أثناء وجوده في المنصب.

 

اغتيال شريف

بينما وصل الخلاف إلى ذروته -أواخر الشهر الماضي- بعد قتل الصحفي الباكستاني المعروف أرشد شريف، الذي قضي برصاص الشرطة في كينيا في ظروف غامضة، عُقد المؤتمر الصحفي لكبار الجنرالات -الخميس- بعد تكهنات أثارها خان وحلفاؤه، بأن شريف اغتيل في مؤامرة دبرتها إسلام آباد.

وشددت "فايننشال تايمز" على أنه حتى لو فشلت المسيرة التي يقودها عمران خان لإطاحة حكومة شهباز شريف، فإنها على كل حال ستذكر القادة السياسيين والعسكريين الباكستانيين بمدى شعبية خان. 

وهو ما أكده بلال جيلاني بقوله: "قد يكون الهدف التحرك في أنحاء البنجاب فترة طويلة، وجعله عرضًا إعلاميًا، وحشد الدعم في جميع أنحاء البلاد وإظهار القوة للجيش".