عودة دراماتيكية... هل ينجح دا سيلفا في توحيد البرازيليين؟
وصفت صحيفة فايننشال تايمز، عودة دا سيلفا بالمذهلة، لسياسي لم يتمكن من الترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2018، لأنه كان في السجن ومُنع من الترشح للمنصب

ترجمات - السياق
فاز اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في الانتخابات الرئاسية البرازيلية، الأحد، متغلبًا على زعيم الجناح اليميني الحالي -الرئيس المنتهية ولايته- جايير بولسونارو بأقل من نقطتين مئويتين، ما مهد الطريق له للعودة إلى حكم أكبر دولة بقارة أمريكا اللاتينية.
ووفقًا للمحكمة العليا للانتخابات في البرازيل، حصل دا سيلفا على 50.9% من الأصوات، بينما صوَّت 49.1% لبولسونارو، لتكون نهاية أكثر حكومة يمينية في البرازيل منذ عقود.
وحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، تعد النتيجة (رغم الفارق الضئيل) عودة دراماتيكية لزعيم المعارضة -البالغ من العمر 77 عامًا - الذي خدم فترتين كرئيس بين عامي 2003 و2010، لكنه اتُهم بعد ذلك بالفساد، وقضى فترة في السجن بتهمة الكسب غير المشروع، قبل إلغاء إدانته.
ووصفت الصحيفة البريطانية، عودة دا سيلفا بالمذهلة، لسياسي لم يتمكن من الترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2018، لأنه كان في السجن ومُنع من الترشح للمنصب.
شعب واحد
ومع إعلان فوزه، وعودته إلى السلطة، قال لولا داسيلفا، في خطاب ركز على الديمقراطية وأهمية منح البرازيليين حياة كريمة: "من يناير 2023، سأحكم لـ 215 مليون برازيلي، وليس فقط أولئك الذين صوتوا لي، نحن شعب واحد، بلد واحد، أمة واحدة عظيمة، لم نعد نريد القتال، لقد سئمنا رؤية الآخر على أنه العدو".
وقال لولا دا سيلفا، في كلمة أمام حشد من أنصاره في ساو باولو، إن فوزه في الانتخابات انتصار للديمقراطية.
وحث المواطنين على الوحدة بعد حملة انتخابية محتدمة، وتعهد بالعمل على محاربة الفقر وحماية غابات الأمازون.
يأتي فوز لولا داسيلفا في أعقاب حملة مريرة شابتها أخبار كاذبة وأعمال عنف في جو من الاستقطاب، أدى إلى مخاوف من صراع ما بعد الانتخابات.
وحسب الصحيفة، فإنه بعد إجراء فرز متوتر للأصوات، نزل أنصار لولا -عامل المعادن الذي ينتمي لمنطقة شمال شرق البرازيل الفقيرة- إلى الشوارع للاحتفال، وهم يهتفون باسمه من نوافذ الشقق، ويطلقون الأبواق والألعاب النارية.
جاء الفوز، رغم تقارير تفيد بأن شرطة الطرق السريعة البرازيلية (PRF) كانت تقوم بحواجز طرق غير قانونية للحافلات التي تنقل الناخبين عبر شمال شرق البلاد الفقير، حيث يتمتع دا سيلفا بشعبية كبيرة.
وختم فوز لولا دا سيلفا حملة طويلة، أنهت أربع سنوات من الشعبوية المحافظة تحت حكم بولسونارو.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن هزيمة بولسونارو، الأحدث في سلسلة من السباقات، التي أدت إلى إبعاد شاغلي المناصب في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، وعودتها بشكل أساسي إلى زعماء اليسار.
ونقلت الصحيفة عن بريندا سانتوس -كاتبة صحفية من ساو باولو- قولها: "هذه أهم انتخابات شاركت فيها، لقد كانت السنوات القليلة الماضية وحشية وجنونية"، مضيفة: "لا أتوقع أن تكون حكومة لولا ثورية، لكنني آمل أن تبعث لنا أملًا جديدًا".
أمة منقسمة
فاز لولا دا سيلفا بنسبة 50.9 في المئة من الأصوات مقابل 49.1 لبولسونارو، حيث حقق الجناح اليساري نحو 60.3 مليون صوت، أي أكثر بقليل من مليوني صوت من منافسه.
وحسب الصحيفة البريطانية، يتولى الرئيس الجديد منصبه في الأول من يناير، بينما يواجه تحديًا كبيرًا لتوحيد أمة منقسمة بشدة.
من جانبه، لم يرد بولسونارو -الذي كان يزعم باستمرار، في الفترة التي سبقت التصويت، أن أجهزة الاقتراع الإلكترونية في البرازيل عُرضة للاحتيال- التعليق على النتيجة، والتزم الصمت.
وهو ما رآه المعارضون أن الزعيم الشعبوي كان يُعد مبررًا لرفض النتيجة حال الخسارة، خصوصًا بعدما ادعى -خلال الأيام الأخيرة- أن الأحكام الصادرة من المحكمة الانتخابية في البلاد أضرت بحملته الانتخابية.
بينما أفاد آرثر ليرا، رئيس مجلس النواب والحليف المقرب لبولسونارو، بأنه حان الوقت لنزع سلاح التفرقة والتواصل مع المعارضة، مشددًا على أن "كل ما سيتم من الآن فصاعدًا هو تهدئة البلاد وتحسين نوعية الحياة للشعب البرازيلي".
وأوضحت تاتيانا شيكارينو، أستاذة العلوم السياسية، في تصريحات لـ "فايننشال تايمز" أن التحدي الكبير الذي يواجه لولا دا سيلفا سيكون التعامل مع جزء من الناخبين، الذين صوتوا لبولسونارو، خاصة قاعدته المتطرفة.
لكن في مسار حملته الانتخابية، ركز لولا على المخاطر التي تتعرض لها الديمقراطية من حركة بولسونارو اليمينية المتطرفة، مؤطرًا الانتخابات كخيار بين "الديمقراطية والفاشية، والديمقراطية والهمجية".
وفي خطاب فوزه، استخدم دا سيلفا نبرة تصالحية، قائلًا إنه سيحكم لصالح جميع البرازيليين، وليس فقط أولئك الذين صوتوا له.
وأضاف: "هذا البلد يحتاج إلى السلام والوحدة... هذا الشعب لا يريد القتال بعد الآن".
كما استهدف دا سيلفا المستويات المرتفعة للفقر والجوع في البلاد، قائلاً إن التقديرات بأن 30 مليون برازيلي يعانون نقص الغذاء "غير مقبول".
وتعهد لولا بإلغاء سقف الإنفاق الدستوري، للسماح للحكومة بإنفاق المزيد على المشاريع الاجتماعية والبنية التحتية.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن دا سيلفا قدَّم القليل من تفاصيل أجندته الاقتصادية، وهو ما أثار قلق بعض المستثمرين.
أما في ما يتعلق بالبيئة، فقد تعهد بإنهاء إزالة الغابات بشكل غير قانوني في منطقة الأمازون، بعد اندلاع موجة تدمير أكبر غابة مطيرة على وجه الأرض في عهد بولسونارو.
الاستقرار الديمقراطي
ورأت ماريا دو سوكورو براغا، أستاذة العلوم السياسية في جامعة ساو كارلوس الفيدرالية، أن دا سيلفا سيتولى البلاد بعد أن حاول بولسونارو ومجموعته تفكيك معظم السياسات العامة، التي كانت قائمة، ومن ثمّ يتعين عليه إعادة البلاد إلى الاستقرار الديمقراطي، ومحاولة الحد من التفاوتات الاجتماعية.
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أنه بعد ثلاث محاولات فاشلة، فاز لولا دا سيلفا بالرئاسة لعام 2003، بعد أن قضى فترتين رئاسيتين -بين عامي 2003 و2010- اشتهرتا بالنمو، مع دعم غير محدود للسلع.
وقد نال شهرة دولية لقيامه بالحد من الفقر في واحدة من أكثر دول العالم انعدامًا للمساواة.
ومع ذلك، شوهت سمعته بسبب فضيحة فساد في قضية (لافا جاتو)، التي هزت المؤسسة التجارية والسياسية في البرازيل، بينما سقط الاقتصاد في ركود عميق في ظل خليفته المنتخب، ديلما روسيف.
وعُدت قضية (لافا جاتو) أكبر فضيحة فساد في العالم عام 2015، حيث دُفعت أكثر من ملياري دولار على شكل رشاوى، وذهبت تلك الأموال إلى بعض أبرز الشخصيات والأحزاب السياسية، ليس فقط في البرازيل، ولكن أيضًا في 12 دولة في أمريكا اللاتينية وكذلك أنغولا وموزمبيق.
وبالفعل قضى لولا ما يقرب من عامين في السجن، قبل أن تلغي المحكمة العليا تهم الكسب غير المشروع.
وبعد خروجه من السجن، وصف دا سيلفا التحقيقات في القضية بأنها "كانت مطاردة سياسية".
وحسب "فايننشال تايمز" من المرجح أن تواجه أجندة لولا عقبات في الكونغرس ذي الميول اليمينية الواسعة.
وفي ذلك، يقول ماريو ماركونيني، العضو المنتدب في شركة تينيو للعلاقات العامة والاستشارات: "تحالفات دا سيلفا تظهر أنه سيواجه تحديات داخل الكونغرس".
كان الرئيسان الأمريكي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون من أوائل قادة العالم الذين هنأوا لولا دا سيلفا.
وأكد بايدن أن الانتخابات كانت "حرة ونزيهة وذات مصداقية"، في حين قال ماكرون إن فوز لولا "يفتح صفحة جديدة في تاريخ البرازيل".