أمريكا وباكستان.. علاقات دبلوماسية متوترة

واشنطن تود أن تمارس إسلام أباد ضغوطًا على طالبان، بشأن حقوق المرأة والانفتاح على القوى الداخلية، لتشكيل الحكومة، فضلًا عن المساعدة في عمليات الإجلاء، وتأكيد تعاون طالبان في إضعاف تنظيمي القاعدة وداعش

أمريكا وباكستان.. علاقات دبلوماسية متوترة

ترجمات - السياق

قال توقير حسين، الدبلوماسي الباكستاني السابق، إن أمريكا وباكستان لا يمكنهما التخلي عن بعضهما، رغم تأرجح العلاقات بينهما، مشدداً على ضرورة اتخاذ إدارة بايدن، سياسة مستقلة تجاه اسلام أباد، بعيدًا عن سياساتها تجاه الصين والهند.

وأوضح حسين، أنه حتى عندما تتقارب مصالح البلدين، فإن سياساتهما وتصوراتهما، لم تتقارب في كثير من الأحيان، مشيرًا إلى أنهما لم يتمكنا من بناء المبدأ التنظيمي، لعلاقة طويلة ودائمة، تقوم على إطار تفاهمي ورؤية مشتركة.

 

العلاقة تغيرت

وشدد الكاتب، على أن العلاقة بين الجانبين تغيرت، مشيرًا إلى أن علاقات باكستان الوثيقة بالولايات المتحدة، كانت تاريخياً مرتبطة بالجغرافيا السياسية، أو قضايا تتعلق بالولايات المتحدة والأمن العالمي، لكن الجغرافيا السياسية المتغيرة في القرن الحادي والعشرين، والتحديات الأمنية التي أعقبت 11 سبتمبر، حولت جنوب آسيا إلى ساحة لتحالفات جديدة بين اللاعبين الإقليميين والعالميين، حيث تجد باكستان نفسها في الجانب الخطأ من واشنطن، موضحًا أن ذلك أدى إلى تغيير ديناميكيات الولايات المتحدة مع باكستان، في العديد من المجالات.

وأشار توقير حسين، إلى أن ميزان القوى في جنوب آسيا، تأثر بشكل كبير بالتوترات بين الولايات المتحدة والصين، وعلاقات باكستان الوثيقة ببكين من جهة، والعلاقات غير العادية بين الولايات المتحدة والهند، الخصم اللدود لباكستان، من جهة أخرى.

وأوضح، أنه بدلاً من التقريب بين باكستان والولايات المتحدة، فإن الجغرافيا السياسية اليوم تفرق بينهما.

أما قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب وأفغانستان، فأوضح الكاتب، أن البلدين يشعران بأن أي فوائد جاءت بتكلفة باهظة، مشيرًا إلى أن واشنطن استاءت من مساهمة إسلام أباد في فشل الحرب بأفغانستان، وفي الوقت نفسه، تشعر باكستان بالغضب لأنها تكبدت خسائر فادحة، من نكسات حرب أفغانستان، والحرب الأمريكية على الإرهاب.

 

ارتباط وثيق

ورغم ما ذكره الكاتب من أسباب عن الخلافات والبُعد الاستراتيجي بين البلدين، فإنه عاد ليؤكد أنه مع ذلك، لا يمكن للولايات المتحدة ولا باكستان، أن تتخلى إحداهما عن الأخرى.

وأوضح توقير حسين، أن باكستان ستواجه رياحًا معاكسة غير مؤكدة، بشأن مستقبل جارتها أفغانستان، وضغوطًا مستمرة من الهند الحازمة والمهيمنة، بخلاف تحديات الإرهاب والتطرف في الداخل، مشيرًا إلى أن جهود إسلام أباد لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الباكستاني وتقوية ديمقراطيتها، تحديات صعبة تتطلب علاقات جيدة ب جميع القوى الكبرى، خصوصًا الولايات المتحدة.

وعلى الجانب الآخر، يوضح الكاتب، أن الولايات المتحدة أيضًا بحاجة إلى باكستان، إذ لا تزال واشنطن لديها بعض المصالح المهمة، المتعلقة بأمن أفغانستان واقتصادها واستقرارها، التي يمكن أن تسهلها باكستان.

وبيّن الكاتب، أن واشنطن تود أن تمارس إسلام أباد ضغوطًا على طالبان، بشأن حقوق المرأة والانفتاح على القوى الداخلية، لتشكيل الحكومة، فضلًا عن المساعدة في عمليات الإجلاء، وتأكيد تعاون طالبان في إضعاف تنظيمي القاعدة وداعش.

كما تود واشنطن أيضًا -حسب الكاتب- أن تعمل إسلام أباد ضد الإرهابيين والمسلحين متعددي الجنسيات، الذين يهددون استقرارها، وكذلك الجهاديين الذين يهددون الهند، ويقوِّضون سياسة واشنطن تجاه الصين، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تريد أيضًا الحد من نفوذ الصين السياسي والاقتصادي المتنامي بسرعة في باكستان.

 

صراع وتعاون

وأوضح توقير حسين، أن العلاقات الأمريكية الباكستانية، من الممكن أن تجمعها (الصراعات والتعاون)، قائلًا: إن احتمالات الصراع والتعاون قائمة، في العلاقة بين الولايات المتحدة وباكستان، رغم عدم وجود قضية واحدة، تتفوق على القضايا الأخرى.

واستشهد الكاتب بتصريحات لبلينكين، أشار فيها إلى هذه الديناميكية، إذ قال في ملاحظاته الأخيرة أمام الكونجرس: إن الولايات المتحدة ستدرس "الدور الذي لعبته باكستان على مدى العشرين عامًا الماضية، وأيضًا الدور الذي نرغب في أن تلعبه خلال السنوات المقبلة، وما يتطلبه ذلك".

وقال إن الخطاب السياسي من الجانبين، لا يساعد في مضي العلاقات قدمًا، مشيرًا إلى أن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، يحظى بإعجاب مؤيديه بسبب قوميته، لكن حديثه بأن باكستان لا علاقة لها بانتصار طالبان في أفغانستان، وملاحظته أن طالبان كسرت "قيود العبودية" أثارت ردود فِعل عنيفة في واشنطن.

وأضاف: بينما هاجمت المعارضة الجمهورية، باكستان لمساعدة طالبان في الوصول إلى السلطة في أفغانستان، وإدارة بايدن لسوء التعامل مع الانسحاب، فإن إدارة بايدن زادت حدة التوتر بشأن باكستان، لاسيما خلال زيارة نائب وزيرة الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان الأخيرة لإسلام أباد، ما أثار انزعاج الباكستانيين.

 

حاجات البلدين

وحول حاجات البلدين لإقامة علاقة أكثر قوة، شدد توقير حسين، على أن الولايات المتحدة، تريد التأكد من قدرتها على الوثوق بباكستان، بينما تحتاج باكستان إلى الثقة بأن تجديد العلاقة بواشنطن يستحق التكلفة السياسية في الداخل، ولن يأتي على حساب مصالحها الاستراتيجية.

ويضيف الكاتب: هذه ليست المشكلة الوحيدة، فالولايات المتحدة تريد علاقة محدودة، بينما إسلام أباد ترغب في "علاقة متوازنة" أوسع تكون مفيدة، وتستحق المخاطرة السياسية المحتملة في الداخل.

وأشار إلى أنه بينما تسعى الولايات المتحدة إلى تسهيلات من باكستان، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي يمكن أن تقدمه باكستان؟... ويجيب: "على باكستان إدراك أن معارضة المصالح الجوهرية لأمريكا في المنطقة وانعدام الشفافية، لن يكون لهما مكان في العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان".

وبالطريقة نفسها -يضيف الكاتب- يتعين على واشنطن أن تقرر أفضل طريقة للحصول على تعاون باكستان، بانتزاع التنازلات من خلال رفع شبح العقوبات، والضغط المستمر من صندوق النقد الدولي ومجموعة العمل المالي (FATF) ، أو عن طريق إشراك باكستان في علاقة طويلة الأمد وذات منفعة متبادلة .

 

تصور المستقبل

وعن إعادة تصور العلاقات في المستقبل بين البلدين، أوضح توقير حسين، أن الولايات المتحدة لديها عاملا قلق رئيسان في جنوب آسيا، هما: الصين والإرهاب الصادر من أفغانستان.

ويضيف: "من ناحية، تحتاج الولايات المتحدة، إلى الهند، وفي الاتجاه المقابل تحتاج إلى باكستان، ومن ثم يجب على واشنطن متابعة هذه الحاجات بشكل منفصل".

وأوضح الكاتب أنه إذا كانت علاقات الولايات المتحدة بالهند وباكستان مفككة -كما تدعي واشنطن- فينبغي ألا تعيق علاقات الولايات المتحدة بالهند وباكستان.

وتابع: "الحقيقة هي أن بناء قدرة الهند على تحقيق التوازن مع الصين، لا يزال ممكنًا، من دون موافقة واشنطن على سياسات الهند الإقليمية، التي لا تؤدي إلا إلى زيادة الانقسامات في جنوب آسيا، على حساب المصالح الأمريكية"، مشيرًا إلى أن هذه السياسة لن تخدم قضية السلام في جنوب آسيا، التي يجب أن تكون هدفًا مهمًا للولايات المتحدة.

سياسة مختلفة

وشدد توقير حسين، على أن الولايات المتحدة تحتاج إلى سياسة مختلفة بشأن باكستان، وليست مجرد سياسة مشتقة من سياسات الولايات المتحدة تجاه الصين والهند، مشيرًا إلى أنها إذا كانت تريد الحد من النفوذ الصيني في باكستان، فإن معاقبة باكستان ليست الطريقة المناسبة لذلك، بل لن تؤدي إلا إلى زيادة اعتماد باكستان على الصين، وبدلاً من ذلك، فإن التعامل مع باكستان، سيساعدها في الحفاظ على درجة من الحُكم الذاتي الاستراتيجي في مواجهة بكين.

في المقابل -يضيف الكاتب- تحتاج باكستان أيضًا إلى البحث عن مصالحها الخاصة، مشيرًا إلى أن إسلام أباد (الضعيفة) ستكون على علاقة مضطربة بالولايات المتحدة، ومن ثم لن يكون هناك خيار سوى التحالف مع الصين.

وتابع: "مع ذلك، إذا تمكنت باكستان من بناء قوتها الداخلية، والتخلص من اعتمادها على القوى الأجنبية، فإن إسلام أباد لديها القدرة على أن تكون مفيدة للولايات المتحدة والصين".

وأوضح توقير حسين، أن رغبة باكستان في الانتقال من الجغرافيا السياسية إلى الاقتصاد الجغرافي، تتطلب منها المساهمة بإحلال السلام في المنطقة، والمساعدة في استقرار أفغانستان، وتعزيز إمكاناتها كشريك اقتصادي.

وشدد على أنه لكي تكون باكستان شريكًا اقتصاديًا جذابًا، يجب عليها تعزيز اقتصادها، وتحرير نفسها من الترسيخ في هدف وطني يهيمن عليه الأمن، واتباع سياسات تجعل موقعها الجغرافي السياسي الممتاز أصلًا حقيقيًا، وليس عائقًا.

وقال الكاتب: "خلاصة القول أن الاختيار بين علاقة ضيقة ومحددة، وواسعة ومتشعبة، يقع أساسها على عاتق إسلام أباد مثلها مثل واشنطن، ومن ثم يجب أن تكون الولايات المتحدة وباكستان شريكين جيدين، وذلك لن يحدث من دون سياسات جيدة من الجانبين".