عجز عنها الناتو.. كيف تعاملت دولة صغيرة مع أزمة تسليح أوكرانيا؟
لوكسمبورغ تلك الدولة التي يبلغ عدد سكانها 640 ألف نسمة، قررت استخدام ثروتها الهائلة لمحاولة شراء أسلحة لأوكرانيا في السوق المفتوحة.

ترجمات -السياق
على أبواب عامها الثاني، تستنزف الحرب الأوكرانية كثيرًا من المخزونات الغربية، من الأسلحة والذخائر التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، ما فاقم أزمة كبيرة لدى الحلفاء الغربيين، تتمثل في كيفية إمداد كييف بالسلاح، من دون التورط في الصراع.
تلك الأزمة التي تخوف من الدخول على خطها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كان حلها، في يد لوكسمبورغ تلك الدولة الصغيرة، التي يقل جيشها عن 1000 جندي وطائرة شحن وطائرتي هليكوبتر مشتركة مع قوات الشرطة، وأقل من 200 شاحنة تتراوح بين عربات همفي وقرابة 10 مركبات استطلاع قتالية من طراز دينجو.
فـ«لا توجد دبابات ولا طائرات حربية ولا صواريخ باتريوت للدفاع الجوي» للمساهمة في الدفع الغربي لتسليح أوكرانيا.
كانت 102 صاروخ مضاد للدبابات و20 ألف طلقة من ذخيرة المدافع الرشاشة التي أرسلتها لوكسمبورغ من ترسانتها، أكبر عدد ممكن من الأسلحة، من دون تعريض استعدادها العسكري للخطر.
وتقول «نيويورك تايمز»، في تقرير ترجمته «السياق»، إن لوكسمبورغ تلك الدولة التي يبلغ عدد سكانها 640 ألف نسمة، قررت استخدام ثروتها الهائلة لمحاولة شراء أسلحة لأوكرانيا في السوق المفتوحة، ووقعت صفقة بملايين الدولارات الربيع الماضي، لشراء 6000 صاروخ من الحقبة السوفيتية.
ورغم ذلك، فإن حكومة لوكسمبورغ سلَّمت 600 فقط وتُركت تتدافع بحثًا عن طرق لإنفاق الأموال، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن لوكسمبورغ تفتح نافذة على المشكلة المزعجة المتمثلة في تزويد أوكرانيا بالأسلحة، التي تحتاجها لصد روسيا، حتى وصول الصواريخ والقذائف والدبابات الغربية المتطورة في وقت لاحق، هذا العام.
حرق الذخيرة
وتقول «نيويورك تايمز»، إن أوكرانيا كانت تحرق الذخيرة بمعدل هائل منذ بداية الحرب، معتمدة على الحلفاء لاستبدال مخزونها، إلا أنه لا يوجد منتجو أسلحة في لوكسمبورغ، وقد قدمت الحكومة كل ما رأت أنها تستطيع تحمله من ترسانتها المحدودة.
لكن عزم لوكسمبورغ على تقديم مساهمة أكبر في المجهود الحربي، دفعها لتشكيل فريق من تجار الأسلحة الداخليين من شخصين، بعد فترة وجيزة من العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، شرعا في البحث عن أسواق الأسلحة التجارية في أوروبا والولايات المتحدة، لإثبات أن التزام بلادهما بهزيمة روسيا، كان كبيرًا بقدر التزام شركائها الأكبر في "الناتو".
وقال وزير دفاع لوكسمبورغ، فرانسوا باوش، الذي يعمل أيضًا وزيرًا للمواصلات ونائبًا لرئيس الوزراء: «نحن صغيرون جدًا، وليس لدينا جيش كبير، ومخزوننا محدود، وأردنا منذ البداية مساعدة أوكرانيا»، مضيفًا في مقابلة حديثة: «لكننا نتحلى بالمرونة، ولذا يمكننا الذهاب وشراء ما يحتاجون إليه من السوق وتسليمه لهم مباشرة».
وقارن الوزير تاريخ لوكسمبورغ كدولة تعرضت للغزو خلال الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، قائلًا: «لقد جرى احتلالنا مرات عدة في القرن الماضي، لذلك لدينا حساسية هائلة لما يعنيه ذلك لما يحدث الآن في أوكرانيا (...) لا يمكننا أن ندع بوتين يفعل ما ينوي».
شراء الأسلحة
وتتبرع أغلبية دول الناتو من مخزوناتها العسكرية، في عملية مباشرة إلى حد ما، لكن بعضها أيضًا يشتري أسلحة للبيع في الأسواق التجارية، إلا أن هذا عمل أكثر ضبابية، لاسيما عند شراء أسلحة تعود إلى الحقبة السوفيتية لا تفيد حلف شمال الأطلسي، من البائعين الذين قد لا يرغبون في كشف هويتهم، خوفًا من تعريض أعمالهم للخطر من خلال إغضاب روسيا، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وتقول «نيويورك تايمز»، إن الرجلين في وحدة شراء الأسلحة الجديدة في لوكسمبورغ، لم يعرفا سوى القليل، عندما انتشرا في أوروبا، مشيرة إلى أنهما سرعان ما اكتشفا أنهما يستطيعان تقديم طلب لشراء صواريخ من الحقبة السوفيتية، يطلق عليها «بي إم-21 غراد»، لتصنيعها في مصانع بجمهورية التشيك، وهي مناسبة بشكل طبيعي، حسب اعتقادهما، للقوات الأوكرانية المدربة على استخدامها.
مصاعب التوريد
لكن كما هو شائع في عالم شراء الأسلحة الذي لا يمكن التنبؤ به، سرعان ما سارت الصفقة بشكل جانبي، فتزامنًا مع ارتفاع الطلب على غراد بعد بدء الحرب، نفدت قطع غيار الشركة المصنعة التشيكية، إلا أن ما زاد الطين بلة، أن معظم موردي الشركة كانوا في روسيا أو في دول رفضت تصدير المعدات التي يمكن استخدامها لمساعدة أوكرانيا.
وتقول «نيويورك تايمز»، إنه في النهاية، كان على لوكسمبورغ أن تستقر على 600 صاروخ، أي عُشر هدفها الأصلي، بينما قال باوش إن بلاده تمكنت من تسليم أو التعاقد بـ 94 مليون دولار تقريبًا من الأسلحة والمساعدات العسكرية الأخرى لأوكرانيا من الشركات المصنعة في بريطانيا وفرنسا وبولندا وهولندا، قرابة 16% من ميزانية الدفاع في البلاد.
لكنها كانت صراعًا، ولا يزال هذا مبلغًا ضئيلًا مقارنة بمليارات الدولارات من المساعدات الأمنية، التي قدمتها قوى "الناتو" مثل بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة لأوكرانيا منذ فبراير الماضي، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن تلك البلدان الثلاثة تعهدت بتقديم ما يقرب من 40 مليار دولار حتى الآن.
ونقلت الصحيفة الأمريكية، عن آنا لينا هوغيناور، الأستاذة المشاركة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة لوكسمبورغ، قولها إن الحكومة تبدو كأنها تتصارع مع مخاوفها الطويلة بشأن التشابك العسكري، رغم الدعم العام لأوكرانيا.
وتقول هوغيناور: «لوكسمبورغ لديها تقليد أقل وبالتأكيد خبرة أقل بالتورط في النزاعات. إنه بعيد قليلاً عن منطقة الراحة لدولة صغيرة لا تفكر من الناحية العسكرية».
وتنفق لوكسمبورغ على جيشها أقل من أي دولة أخرى في "الناتو"، بينما كانت الدولة الوحيدة في الحلف التي أسهمت بأقل من 1% من ناتجها المحلي الإجمالي في الدفاع الوطني العام الماضي... (تعهد أعضاء حلف الناتو بإنفاق ما لا يقل عن 2% من إجمالي الناتج المحلي على الدفاع، لكن قرابة ثلث الثلاثين دولة فقط تفعل ذلك حاليًا).
وتقول الصحيفة الأمريكية إن لوكسمبورغ ذات الناتج المحلي المقدر بأكثر من 130 ألف دولار للفرد -وهي أعلى نسبة في "الناتو" إلى حد بعيد- أسهمت بـ 25 مليون دولار فقط في المساعدات الإنسانية لأوكرانيا ومساهمات في برامج "الناتو" والاتحاد الأوروبي التي تدعم كييف، وفقًا للبيانات التي قدمتها حكومتها، ما أثار توبيخًا من حلفاء داعمين بخلاف ذلك، لاسيما على خلفية الصراع المستمر في أوكرانيا.
أمور معقدة
وقال السفير الأمريكي في لوكسمبورغ، توماس إم باريت، في مقال رأي يونيو الماضي: «إن السياق الأمني سريع التطور يجبرنا على إيجاد حجج لفعل مزيد، وليس الأسباب للقيام بذلك»، لكن مسؤولي لوكسمبورغ قالوا إن الأمر أكثر تعقيدًا.
وقال باوش إنه حتى إذا قررت الحكومة تخصيص مزيد من الأموال لتزويد الجيش الأوكراني، فلا يوجد عدد كافٍ من الأشخاص في الوزارة، ليقرروا كيفية إنفاقها بسرعة، من دون المخاطرة بإساءة استخدامها.
ولا تزال هناك مشكلة في العثور على أسلحة للشراء، كما اكتشف تاجرا الأسلحة الداخليان، وكلاهما من الضباط العسكريين، الذين انتشروا في مناطق الصراع.
وفي مقابلة واسعة النطاق هذا الشهر، أصرّا فيها على عدم كشف هويتهما لأسباب أمنية، وصف الرجلان مفاوضات مضنية، ومحبطة في كثير من الأحيان مع سماسرة، ومكالمات باردة مع الشركات المصنعة، وحتى عمليات بحث على «غوغل» لتعقب الأسلحة التي تقول أوكرانيا إنها بحاجة إليها.
وتظل الذخيرة على رأس القائمة، لكن البحث عنها يصل أحيانًا إلى طريق مسدود، ففي بعض الأحيان تتضخم الأسعار، إضافة إلى صفقة صواريخ بي إم -21 غراد، التي فشلت إبرام عقود توريدها بسبب قيود التصنيع.
مع ذلك، لم يفقد الفريق المكون من رجلين كل شيء، حيث تعاقدا بسرعة مع الشركة المصنعة التشيكية، لشراء ذخيرة من عيار الناتو والحقبة السوفيتية، لتسليمها في وقت لاحق من هذا الربيع.
كما باعت الشركة المصنعة، التي طلب التاجران عدم كشف هويتها لأسباب أمنية، 12500 قنبلة آر بي جي -7 المضادة للدبابات، وهي نسخة من سلاح سوفييتي، سُلمت إلى أوكرانيا في الأشهر الأولى من الحرب.
ويقول التاجران، إنهما لا يشتريان من دول في إفريقيا وشرق آسيا والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية، التي لديها فائض من الأسلحة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، خوفًا من أن تكون الأسلحة قديمة جدًا بحيث لا تكون فعالة، أو بسبب إمكانية طلب رشوة.
ويقول كاميل غراند، الذي كان حتى العام الماضي كبير مسؤولي الاستثمار الدفاعي في حلف الناتو، إن جهود لوكسمبورغ كانت مثيرة للاهتمام، كمثال على كيفية عمل الدول بهدوء لمواصلة تسليح أوكرانيا، رغم تضاؤل المخزونات ونقص التصنيع والميزانيات المرهقة.