مَن المستفيد مِن المواجهة مع الصين؟
سلطت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في افتتاحيتها الضوء على توتر العلاقات بين أمريكا والصين، وتساءلت عن: مَن المستفيد مِن المواجهة مع الصين؟

ترجمات - السياق
توترات لم تهدأ بين أمريكا والصين، زادت المخاوف بشأن مخاطر المواجهة بين القوتين العظميين، لا سيما مع تكثيف بكين للتدريبات العسكرية حول تايوان، الأمر الذي دفع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، للتساؤل: "مَنْ المستفيد مِنَ المواجهة مع الصين؟".
ورأت الصحيفة في افتتاحيتها، أن موقف المواجهة المتزايدة لأمريكا تجاه الصين، يُعد تحولًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، يستدعي مزيدًا من التدقيق والنقاش.
وأوضحت أنه خلال نصف القرن الماضي، سعت الولايات المتحدة إلى إعادة تشكيل الصين، من خلال المشاركة الاقتصادية والدبلوماسية، أو في حالة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، من خلال فك الارتباط الاقتصادي والدبلوماسي.
وأشارت الصحيفة إلى تحركات البيت الأبيض، للحد من العلاقات الاقتصادية مع الصين، وتقييد وصول الصين إلى التكنولوجيا ذات التطبيقات العسكرية، لافتة إلى أنه إلى جانب ممارستها ضغطًا على الصين، بشأن القضايا التي لا تزال محل خلافات، تسعى واشنطن إلى فرض قيود جديدة على الاستثمارات الأمريكية، في بعض الشركات الصينية.
ففي الأشهر الأخيرة، قيدت الولايات المتحدة صادرات أشباه الموصلات إلى الصين، ومضت قُدمًا في خططها لمساعدة أستراليا في الحصول على غواصات نووية.
تهديد ودعم
ورأت "نيويورك تايمز" أنّ تحركات واشنطن في تعاملها مع الصين، تحظى بدعم كبير من الجمهوريين ورجال الأعمال، وكثير من المؤسسات العسكرية، ومؤسسات السياسة الخارجية.
ومع تناولها لكيفية تعامل الولايات المتحدة مع الصين، بشكل يُقلل الاحتدام بين البلدين، أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، قال بخطاب ألقاه في مايو 2022 بجامعة جورج واشنطن عن سياسة الإدارة تجاه الصين، إن الولايات المتحدة حاولت -من دون نجاح- إقناع أو إجبار الصين على الالتزام بقواعد المؤسسات الدولية، مُحذرًا من أن الصين الدولة الوحيدة التي تحاول جاهدة تشكيل النظام الدولي، خاصة أنها تمتلك القوة الاقتصادية والدبلوماسية، والعسكرية والتكنولوجية لذلك.
وقال بلينكن، إن الصين مصممة -بشكل متزايد- على فرض أولوياتها على الدول الأخرى، مضيفًا: "رؤية بكين ستبعدنا عن القيم العالمية التي حافظت على قدر كبير من تقدم العالم خلال الـ 75 عامًا الماضية".
وبينت الصحيفة، أن احتضان الصين للرأسمالية، لم يثبت أنه خطوة أولى لتحرير مجتمعها أو نظامها السياسي من قيود "الاشتراكية الشيوعية"، مشيرة إلى أن شعار الرأسمالية الذي ترفعه الصين، أضر بالديمقراطية الليبرالية في أماكن أخرى من العالم.
بالمقابل، تواصل الولايات المتحدة، الضغط على القيادة الصينية بشأن القضايا التي لا تزال تمثل خطورة كبيرة، بما في ذلك قمعها لمسلمي الأويغور وتجاهلها لحقوق الملكية الفكرية.
وفي السياق ذاته، تُظهر الصين استعدادًا أكبر للدخول في الأعمال الاستفزازية، من حيث زيادة العروض العسكرية في بحر الصين الجنوبي، ومضيق تايوان، وإرسال منطاد تجسس صيني فوق الولايات المتحدة، فضلًا عن أن بعض المسؤولين الأمريكيين يقولون إن الصين تدرس تقديم مساعدة عسكرية لروسيا، في خطوة من شأنها تصعيد التوترات مع الولايات المتحدة عن عمد، في ساحة لا تكسب فيها الصين الكثير، حسب وصف الصحيفة.
ومع ذلك، فإن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، تُقدم فوائد اقتصادية كبيرة لمواطني البلدين والعالم، فعلى سبيل المثال، تكافح واشنطن وبكين التحديات نفسها، مثل كيفية ضمان الرخاء المشترك في عصر عدم المساواة في الدخل، وكيفية إبطاء وتيرة تغير المناخ، وإدارة آثاره التخريبية، بما في ذلك الهجرة.
الحرب الباردة
وترى "نيويورك تايمز" أن أفضل ما يخدم مصالح الأمريكيين هو تأكيد المنافسة مع الصين، وتقليل المواجهة المباشرة، موضحة أن الحديث عن استدعاء "الحرب الباردة" بين الجانبين أمر مضلل، لأن العلاقات الأمريكية الصينية مختلفة عما كانت عليه العلاقات الأمريكية السوفييتية إبان الحرب الباردة.
وفي هذا الصدد، أكدت الصحيفة أن على الولايات المتحدة، التركيز على زيادة الاستثمارات في التعليم والبحث العلمي، إضافة إلى عدم تضخيم الأفعال والخطابات الصينية، ووضعها في نصابها، حيث إن الصين لعبت دورًا مهمًا في الشؤون الدولية، آخرها وساطتها لإعادة العلاقات بين إيران والسعودية.
وبحسب الافتتاحية، فإن جوهر استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الصين، لا بد أن يكون بناء علاقات أقوى مع حلفائها، بحيث تستطيع التوفيق بين مصالحها الاقتصادية والأهداف الأخرى.
وحيال ذلك، ثمّنت الصحيفة خطة الموازنة، التي أصدرها الرئيس الأمريكي جو بايدن، الخميس، التي تقترح مليارات من الدولارات للمساعدات الخارجية والاستثمارات، لدعم حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
علاوة على ذلك، ينبغي للولايات المتحدة ألا تنسحب من المنتديات التي توجد فيها مع الصين، فعلى سبيل المثال، لم تعمل محكمة الاستئناف، التي تديرها منظمة التجارة العالمية للفصل في النزاعات التجارية، منذ أكثر من عامين، نتيجة رفض إدارة بايدن تقديم الدعم المطلوب، ومن دون ذلك الدعم، لا يمكن تعيين قضاة جدد.
كما انسحبت الولايات المتحدة أيضًا من اللجان المُخولة في منظمة التجارة العالمية، بكتابة قواعد التجارة، ووفقًا لـ "هنري غاو"، أستاذ القانون في جامعة "سنغافورة" للإدارة، لم تُظهر واشنطن أي اهتمام عندما اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ، في نوفمبر 2021 استخدام منظمة التجارة العالمية منتدى لوضع قواعد الشركات المملوكة للدولة، رُغم أن ذلك يُعد هدفًا رئيسًا لواشنطن.
وعليه، وصفت الافتتاحية تصرفات واشنطن بالخاطئة، مؤكدة أنه لا يمكن الحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة الدور القيادي في القرن العشرين، من دون مشاركتها في المؤسسات الدولية.
كما أن استمرار إدارة الرئيس بايدن في القيود التي فرضها سلفه دونالد ترامب على التجارة مع الصين، من المرجح أن تثمر بعض الفوائد قصيرة الأجل، بينما على بايدن أن يعي أن النمو الاقتصادي الأمريكي في العقود الأخيرة كان مدفوعًا بزيادة الإنتاج في قطاعات التجارة العالمية.
ورأت "نيويورك تايمز" أن تبرير السياسات الأمريكية في الحد من بعض أنواع التجارة مع الصين، لأنها ضرورية لمصلحة الأمن القومي، من المتوقع أن تكون جيدة للتدابير الحمائية، لكنها ليست في مصلحة الأمريكيين.
وأضافت: "على المدى الطويل، كان أفضل ضمان للأمن الأمريكي، هو الرخاء الأمريكي والمشاركة مع بقية العالم اقتصاديًا، وهو أمر لاشك يناسب الصين أيضًا".