حزب الله.. كيف التف على العقوبات وأسس بنيانًا لتهريب الأموال في أمريكا؟
حزب الله عمل بجد لتأسيس وجود في أمريكا اللاتينية، لا سيما في منطقة الحدود الثلاثية سيئة السمعة بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، حيث يعيش عدد كبير من المهاجرين اللبنانيين.

ترجمات - السياق
في محاولة لانتشال لبنان من براثن إيران، وتحييده عن المواجهة الإيرانية الإسرائيلية، ووضعه على طريق التعافي الاقتصادي، كانت الضربة الأمريكية الأخيرة، التي وجهتها إلى أحد أبرز الممولين الرئيسين لحزب الله.
كانت السلطات الرومانية اعتقلت في 24 فبراير الماضي، محمد إبراهيم بزي، أحد أبرز ممولي ميليشيا حزب الله اللبناني، المصنف على لائحة الإرهاب الأمريكية منذ 2018، لدى وصوله إلى مطار بوخاريست.
وفقًا للائحة اتهام مكتب المدعي العام الأمريكي في المنطقة الشرقية من نيويورك، فإن محمد إبراهيم بزي، لبناني وبلجيكي، يبلغ من العمر 58 عامًا، تآمر «لنقل مئات الآلاف من الدولارات سراً من الولايات المتحدة إلى لبنان وتقديم المساعدة المالية المستمرة لحزب الله، وهي منظمة إرهابية أجنبية».
بزي، المصنف على لائحة الإرهاب الأمريكية، ينتظر تسليمه إلى الولايات المتحدة إلى جانب لبناني آخر، يدعى طلال شاهين، للمشاركة في الجرائم نفسها.
كيف أسس حزب الله أركانه؟
تقول صحيفة ذا ناشيونال إنترست الأمريكية، في تقرير ترجمته «السياق»، إن حزب الله عمل بجد لتأسيس وجود في أمريكا اللاتينية، لا سيما في منطقة الحدود الثلاثية سيئة السمعة بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، حيث يعيش عدد كبير من المهاجرين اللبنانيين.
ويقول ماثيو ليفيت المسؤول الكبير السابق في وزارة الخزانة، خبير مكافحة الإرهاب في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في كتابه الصادر عام 2013: «حزب الله: البصمة العالمية لحزب الله اللبناني»، إن حزب الله لم يقم ببناء رسمي وغير رسمي فقط، بل دعم الشبكات في هذا المجال، بما في ذلك الخلايا النائمة، التي شاركت في تهريب المخدرات، لجلب الأموال إلى حزب الله.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن حزب الله أنشأ شبكات إجرامية عابرة للحدود مماثلة في أوروبا وإفريقيا وحتى الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن تلك الشبكات زودته بمصادر تمويل مستقلة تمامًا عن إيران، ما جعل قمع تلك المليشيات مهمة شاقة لجهات تطبيق القانون الأمريكية والدولية.
ورغم أن إطاحة «بزي» وشاهين وُصفت بأنها «أكبر مشكلة» من مكون الشؤون التجارية لحزب الله، الهيكل التنظيمي الذي يدعم المؤسسات الدولية للحزب، إلا أنها بعيدة كل البعد عن أن تكون ضربة قاضية.
وتمتد جرائم بزي وشاهين إلى ما هو أبعد من رومانيا والولايات المتحدة، فقد جنى بزي ملايين الدولارات لحزب الله، من الأنشطة التجارية في بلجيكا وغامبيا ولبنان والعراق، بين مواقع أخرى.
وبصفته «ممولًا رئيسًا لحزب الله»، فإنه يحافظ على علاقات بمؤيدين ماديين آخرين لـ«حزب الله» إضافة إلى البنك المركزي الإيراني.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن حزب الله نما بقوة بسبب الهبة الإيرانية، لدرجة أنه غالباً ما يطلق عليه «دولة داخل دولة»، مشيرة إلى أنه استفاد من قدراته، لممارسة نفوذ سياسي كبير على سياسات لبنان الداخلية والخارجية.
ضربات لحزب الله
إلا أنه مع ذلك، واجه حزب الله أيضًا قيودًا مالية على مدى العقدين الماضيين، بما في ذلك تلك الناجمة عن تدهور الاقتصاد الإيراني، والعقوبات المالية الدولية، والمنافسة السياسية في لبنان، والعمليات القتالية في سوريا، ما دفع إيران وحزب الله للبحث عن أفكار أخرى للتمويل.
الأسبوع الماضي فقط -على سبيل المثال- أعلنت إسرائيل اكتشاف عملية تهريب ذهب بين إيران وفنزويلا، حيث يهرب فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذهب الفنزويلي إلى إيران، وبيعه مقابل ربح، وتحويل الأموال إلى حزب الله.
كيف يلتف حزب الله على العقوبات؟
تقول صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، إن حزب الله يتبع أساليب معقدة، للالتفاف على العقوبات وتحويل الأموال، فعلى سبيل المثال، تضمنت بعض عملياته طرفًا ثالثًا في الصين، كجزء من عملية شراء وهمية لمعدات مطعم من شركة تصنيع صينية، وطرف ثالث في لبنان كجزء من شراء عقار وهمي، وغيرهم في اتفاقية امتياز وهمية، كدفعة مقابل حقوق تشغيل سلسلة مطاعم مقرها لبنان.
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن الولايات المتحدة تلاحق شبكة غسل الأموال والشركات الوهمية والتمويل التي تدعم حزب الله، خاصة أن الأخير ازدهر عبر السنين باستخدام وسائل معقدة تمتد عبر العالم، بما في ذلك تدفقات الأموال من غرب إفريقيا وأمريكا الجنوبية.
ويواصل حزب الله استيراد الأسلحة وجعل لبنان غير مستقر سياسيًا واقتصاديًا، فبحسب محطة إل بي سي اللبنانية الدولية، كان بزي أحد الذين استُهدفوا في عملية كاساندرا.
وكانت عملية كاساندرا عبارة عن تحقيق أجرته إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، استهدف الأنشطة الإجرامية العالمية لحزب الله اللبناني، بما في ذلك تهريب المخدرات وغسل الأموال.
انطلقت العملية عام 2008 واستمرت حتى عام 2015، ما أدى إلى اعتقال ومحاكمة عديد من المتورطين في الشبكة الإجرامية لحزب الله.
ويشير التقرير إلى أن بزي شريك مقرب لـ«يحيى جامح»، الرئيس السابق لغامبيا، الذي عاقبته الولايات المتحدة في ديسمبر2017، بسبب سجله في انتهاكات حقوق الإنسان وغسل الأموال، كما تم تحديد عديد من الشركات المرتبطة به.
كيف يمكن مواجهة حزب الله؟
تقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن مواجهة حزب الله، الذي يسيطر على شبكة إجرامية عالمية لها أتباع كثر في لبنان، تتطلب أصدقاء لبنان الحر والديمقراطي للعب اللعبة الطويلة.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن إحدى الطرق التي سعت بها الولايات المتحدة إلى دعم الديمقراطية اللبنانية والبدائل اللبنانية لحزب الله، دعم القوات المسلحة اللبنانية.
ووفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن الولايات المتحدة استثمرت أكثر من 3 مليارات دولار في الجيش اللبناني منذ عام 2006 كوسيلة لدعم المؤسسات اللبنانية، وتعزيز سيادتها، وتأمين حدودها، ومواجهة التهديدات الداخلية والإرهابيين.
إلا أنه لسوء الحظ، فإن حالة الطوارئ الاقتصادية والضعف السياسي في لبنان، تؤدي إلى إجهاد الجيش اللبناني وبلوغه حافة الانهيار، فموقع المونيتور أفاد -في تقرير أواخر فبراير الماضي- بأن حالات الهجرة تتزايد مع انهيار عملة البلاد بأكثر من 98% على مدى السنوات الثلاث الماضية.
ويحذر قادة الأمن اللبنانيون، من تراجع قدرتهم على تأمين البلاد، في الوقت الذي يقتحم فيه اللبنانيون والشرطة البنوك، للوصول إلى أموالهم الخاصة، وتحدث اشتباكات عنيفة في أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في البلاد.
ومن الصعب تحديد ما إذا كان من الممكن إيجاد حل لهذه المشكلات، لكن الجمود السياسي الطويل الأمد في لبنان، يشير إلى أن الوضع سيزداد سوءًا قبل أن يتحسن.
وفشلت البلاد في انتخاب رئيس جديد، منذ أن ترك رئيسها السابق ميشال عون منصبه في أكتوبر الماضي، تاركًا إياه في يد حكومة تصريف أعمال.