إثيوبيا تستعد للملء الرابع ومصر ترد... إلى أين تصل أزمة سد النهضة؟

وسط توقعات خبراء، بأن مضي أديس أبابا قدمًا في الملء الرابع، يثير حفيظة القاهرة التي قد ترد بعمل عسكري.

إثيوبيا تستعد للملء الرابع ومصر ترد... إلى أين تصل أزمة سد النهضة؟

السياق

بعد مرور ما يزيد على عقد من الزمان، ما زالت أزمة سد النهضة متعثرة في محطة المخاوف المصرية السودانية، مع استمرار إثيوبيا في خطواتها الهادفة إلى إكمال ملء السد الأضخم في قارة إفريقيا.

وتخشى القاهرة والخرطوم أن يؤدي مشروع السد الضخم -في النهاية- إلى تقليص حصصهما المائية التاريخية من نهر النيل، مؤكدتين أن السد الإثيوبي تهديد لأمنهما المائي.

وبينما تطالب القاهرة والخرطوم، إثيوبيا بوقف عمليات ملء المياه حتى التوصل إلى اتفاق ملزم قانونًا بشأن التشغيل الشامل للسد، تقول أديس أبابا إن السد لن يكون له تأثير كبير في تدفق المياه الطبيعي إلى دول المصب.

ورغم توقيع البلدان الثلاثة اتفاقية إعلان المبادئ في مارس 2015، فإن ذلك الاتفاق كان حبيس الأدراج، مع التصعيد اللفظي الذي طفا على السطح مؤخرًا، من مصر وإثيوبيا، وسط توقعات خبراء، بأن مضي أديس أبابا قدمًا في الملء الرابع، يثير حفيظة القاهرة التي قد ترد بـ«عمل عسكري».

جديد أزمة سد النهضة

كانت الأيام الماضية حبلى بالكثير من تطورات أزمة سد النهضة، آخرها تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري، لوسائل إعلام محلية، بأن كل الخيارات مفتوحة أمام بلاده، حال تعثر الوصول إلى اتفاق بشأن أزمة سد النهضة.

وقال رئيس الدبلوماسية المصرية، في تصريحات تلفزيونية، إن بلاده لها الحق في الدفاع عن مقدرات ومصالح شعبها، مشيرًا إلى أن القاهرة تتخذ مواقف وصفها بـ«المنضبطة» تراعي فيها كل الاعتبارات والعلاقات.

وأضاف الوزير شكري: كل الخيارات مفتوحة في أزمة سد النهضة(...) كل البدائل تظل متاحة أمام مصر التي لها قدراتها وعلاقاتها الخارجية وإمكاناتها.

وعن ماهية تلك الإجراءات، قال شكري: نكتفي بتصريح كل الخيارات مفتوحة، من دون الدخول في إطار تحديد إجراءات بعينها، وهذا ما يخدم المصلحة المصرية، بأن تظل كل البدائل متاحة.

وبينما قال إن تأثر بلاده من ملء سد النهضة أمور فنية، تحكمها سياسات وتقديرات مرتبطة بعلوم دقيقة، رفض الحديث عن الملء الرابع المتوقع خلال الفترة المقبلة، مكتفيًا بالقول: نراقب ونتابع الموقف بكل دقة.

وأشار وزير الخارجية المصري، إلى أنه رغم عدم وجود مرونة مماثلة من أديس أبابا كما تفعل القاهرة، فإن مصر لا تزال ماضية في التفاعل مع كل الدول التي حاولت المساعدة.

تصريحات شكري، جاءت في اليوم نفسه الذي أكد فيه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أن بلاده لن تتحمل أي نقص في المياه، مشيراً إلى ضرورة وجود حل قانوني وملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة بالاتفاق مع إثيوبيا.

وفي كلمته بالمؤتمر الصحفي الذي جمعه برئيسة وزراء الدنمارك ميتا فريدركسن، الاثنين، قال السيسي إن مصر تتفهم التنمية في إثيوبيا، لكن أثناء الحديث عن التنمية يجب ألا يكون هناك تأثير في المصريين.

وتابع السيسي: "تحدثنا مع رئيسة وزراء الدنمارك عن ملف سد النهضة، ووجدت توافقًا وتفاهمًا في أهمية الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة... 10 سنوات من الجهد والحرص على إيجاد حل مناسب مع الأشقاء في إثيوبيا.

وأضاف الرئيس المصري، أن بلاده الأكثر جفافًا في العالم (...) لا توجد أي فرصة نتحمل فيها نقص المياه (...) لم يكن موجودًا على نهر النيل عبر آلاف السنين أي عائق للمياه (...) سواء كانت المياه قليلة أو كثيرة".

التصريحات المصرية جاءت بعد أسبوع من اعتماد الدورة 159 لمجلس جامعة الدول العربية، على مستوى وزراء الخارجية العرب، قرارًا بشأن سد النهضة، وطرحه كبند دائم على جدول أعمال مجلس جامعة الدول العربية، بما يؤكد الالتزام العربي بحماية حقوق دول المصب التاريخية في نهر النيل.

ماذا قالت إثيوبيا؟

أعربت الحكومة الإثيوبية عن استيائها من قرار جامعة الدول العربية، بشأن ملء وتشغيل ‏سد النهضة الإثيوبي، مؤكدة أنه يجب ترك إدارة واستخدام نهر النيل، بما في ذلك ملء وتشغيل السد، ‏للأطراف المعنية في إفريقيا.‏

ويسهل الاتحاد الإفريقي المفاوضات الثلاثية بين إثيوبيا والسودان ومصر لحل القضايا العالقة، مسترشداً بمبدأ «الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية».

وأشارت وزارة الخارجية إلى أن إثيوبيا ملتزمة بالمفاوضات التي يقودها الاتحاد الإفريقي، لكنها اتهمت القاهرة بأنها العامل المؤثر في حل الخلاف الطويل بشأن سد النيل.

ورغم المخاوف المصرية والتحذيرات المتكررة، تعهدت إثيوبيا بمواصلة ملء السد، الذي سيكون الأكبر في إفريقيا بمجرد اكتماله، متذرعة بامتثالها لاتفاقية إعلان المبادئ في مارس 2015 الموقعة بين إثيوبيا ومصر والسودان.

أين يقف الاتحاد الإفريقي؟

رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، أعرب –الاثنين- عن قلقه من تطورات قضية سد النهضة وتواصل الجمود فيها، مؤكدًا أن الاتحاد الإفريقي سيعيد إطلاق وتنشيط مبادرته لحل هذه الأزمة في القريب العاجل.

وشدد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، في تصريحات صحفية، على أن أي خلاف بين الدول الإفريقية يزعج الاتحاد، مشيرًا إلى أن حل هذه الأزمة يجب أن يكون سياسيًا، فـ«نهر النيل يجب أن يكون حلقة وصل بين الدول الثلاث، وليس محل خلاف».

وبينما قال إن الاتحاد الإفريقي لن يغلق الباب أمام أي جهة لحلحلة أزمة سد النهضة، أكد دعم الاتحاد الإفريقي للتوصل إلى حل يضمن مصالح الجميع.

ما موقف المجتمع الدولي؟

وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت في بيان، الأسبوع الماضي، أن الوزير أنتوني بلينكن سيزور أديس أبابا الأربعاء المقبل.

وبينما لم يذكر بيان الخارجية الأمريكية، أن ملف سد النهضة سيكون على أجندة الدبلوماسي الأمريكي مع مسؤولي إثيوبيا والاتحاد الإفريقي، إلا أن مراقبين أكدوا أن الملف سيطرح على طاولة المباحثات، خاصة أن الولايات المتحدة كانت احتضنت مفاوضات الدول الثلاث، وأعدت مسودة في فبراير 2020، رفضت إثيوبيا توقيعها.

يأتي ذلك، بينما رجح مراقبون أن تتجه مصر إلى مجلس الأمن مجددًا، قبل اتخاذها أي خطوة أخرى، في إشارة إلى الحل العسكري، بعد تعثر التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة.

كان مجلس الأمن الدولي عقد جلستين عامي 2020 و2021 لبحث ملف سد النهضة، بناءً على طلب مصر والسودان، أحال في أولى الجلسات الملف إلى الاتحاد الإفريقي للقيام بمفاوضات للوساطة.

بينما أصدر عام 2021 بياناً دعا فيه مصر والسودان وإثيوبيا للعودة إلى المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الإفريقي، للانتهاء سريعاً من صياغة نص اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل سد النهضة.

ما موقف السد؟

يقول الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية، إن إثيوبيا تستعد للتخزين الرابع في أغسطس المقبل، عن طريق زيادة ارتفاع سد النهضة نحو 20 مترًا لتخزين قرابة 13 مليار متر مكعب، ليصبح إجمالي التزينات الأربعة 30 مليار متر مكعب.

وأوضح شراقي، عبر «فيسبوك»، أن الاستعدادات الإثيوبية تعد الانتهاك السادس للاتفاقيات والأعراف الدولية، ما ترفضه مصر والسودان.

وأشار إلى أن تصريحات وزير الخارجية المصري في جامعة الدول العربية الأسبوع الماضي، تعبرة عن خطورة ما تفعله إثيوبيا، خاصة أن التخزين الرابع يعادل 75% مما تم تخزينه خلال السنوات الثلاث الماضية.

وأكد أستاذ الجيوليوجيا والموارد المائية، أن هناك سيناريوهين: الأول: حث الاتحاد الإفريقي بقيادته الجديدة برئاسة جزر القمر للقيام بمسؤولياته لاستئناف المفاوضات في أسرع وقت، للوصول إلى اتفاق قبل بداية التخزين الرابع.

السيناريو الآخر -بحسب شراقي- يتمثل في توجه مصر والسودان مرة ثالثة لمجلس الأمن، لكن هذه المرة ليس بسبب مشكلة مياه بل مشكلة وجود وخطر على الأمن والسلم، خاصة على 20 مليون سوداني يعيشون على ضفاف النيل الأزرق، الذى سوف يتعرض لطوفان، حال انهيار سد النهضة.

وأشار إلى أن إثيوبيا بالغت في زيادة مواصفات السد من 11.1 مليار متر مكعب، كما كان في التصميم الأمريكي الأصلي إلى 74 مليار متر مكعب.

وأكد أن ما وصفه بـ«عدم التزام إثيوبيا بإجراء الدراسات الهندسية كما كان مقرراً طبقاً لإعلان مبادئ سد النهضة 2015 في البند الخامس، إضافة إلى ما حدث في تركيا، خير دليل على خطر السدود في الأماكن الزلزالية».