بورقتي الصين وروسيا..هل ينجح ولي العهد السعودي في الحصول على ما يريده من واشنطن؟

الاتفاق بين السعودية وإيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية، لاشك سيهدئ التوترات في الخليج، ويُقرب المملكة من أكبر شريك تجاري لها الصين، من دون تنفير أكبر شريك أمني لها واشنطن.

بورقتي الصين وروسيا..هل ينجح ولي العهد السعودي في الحصول على ما يريده من واشنطن؟

ترجمات - السياق

قالت صحيفة وول ستريت الأمريكية، إن اتفاق السعودية وإيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية بوساطة صينية، أظهر الدور الكبير الذي يلعبه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في قيادة بلاده بشيء من البراغماتية، بعيدًا عن الانحياز لأي من الأطراف المتصارعة "الولايات المتحدة والصين وروسيا"، لتحقيق مصلحة بلاده.

وأشارت الصحيفة إلى أن ولي العهد السعودي، يقوم بتحركات في السياسة الخارجية والأعمال، تختبر ما إذا كان من الممكن عدم الانحياز إلى أي طرف في المنافسات، بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، في سبيل تحقيق مصالح بلاده واحتواء حلفائه، حيث أظهرت الاتفاقية الأخيرة، براغماتية ذكية من ولي العهد السعودي ذو الـ 37 عامًا فقط.

ونقلت الصحيفة، عن محللين ومراقبين ومسؤولين سعوديين، قولهم: إن الاتفاق الأخير، لاشك سيهدئ التوترات في الخليج، ويُقرب المملكة من أكبر شريك تجاري لها (الصين)، من دون تنفير أكبر شريك أمني لها واشنطن، مشددين على أن الصفقة تبدو إيجابية للجميع.

 

البحث عن دور

ووصف المحللون -الذين تحدثوا إلى "وول ستريت جورنال"- المملكة العربية السعودية، بأنها دولة متوسطة القوة، لكنها -مثل الهند وتركيا- تبحث عن مزايا لخدمة اقتصادها، ولإيجاد دور عالمي أكبر بعيدًا عن الصراعات القائمة، لأن النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، يواجه تحديًا بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا والسياسة الخارجية الصينية الأكثر حزمًا.

وأشاروا إلى أن القادة السعوديين عازمون أيضًا على استخدام أسعار النفط المرتفعة، لتمويل طموحات البلاد في أن تصبح لاعبًا تجاريًا عالميًا مع اقتصاد مزدهر بعيدًا عن النفط مستقبلًا، وسط تصور يتزايد بأن الطفرة النفطية قد تنتهي قريبًا.

وتحقيقًا لهذه الغاية، أعلن الأمير محمد بن سلمان تأسيس عدد من الشركات الوطنية الكبرى، آخرها إعلان تأسيس شركة طيران وطنية سعودية جديدة.

وأعلن ولي العهد السعودي تأسيس ناقل جوي وطني جديد باسم شركة طيران الرياض، وتعيين توني دوغلاس صاحب الخبرة الطويلة في قطاع النقل والطيران رئيسًا تنفيذيًا للشركة.

وستطلق طيران الرياض رحلات إلى أكثر من 100 وجهة عبر العالم بحلول عام 2030.

ومن المتوقع أن تسهم الشركة الجديدة في نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للمملكة بـ 20 مليار دولار، وتوفير أكثر من 200 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

كان البيت الأبيض، أعلن أن شركة بوينغ أتمت صفقتين مع السعودية، لتصنيع 121 طائرة من طراز بوينغ 787 دريملاينر.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير -في بيان- إن الصفقات مع السعودية -واحدة لشركة طيران جديدة والأخرى لتوسيع أسطول قائم- بنحو 37 مليار دولار.

وأشار البيت الأبيض إلى أن الصفقات الأخيرة مع السعودية، تدعم أكثر من 140 ألف وظيفة أمريكية.

بينما قال مستشارون سعوديون للصحيفة الأمريكية: إن صفقة بوينغ تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة في واشنطن، حيث تعاني الرياض أحيانًا احتسابها ضمن أحد أطراف الدول العظمى المتصارعة.

وأشاروا إلى أن الصفقة تظهر أن الرياض لا تزال على علاقات ودية بواشنطن، خصوصًا بعد أن وافقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) التي تقودها السعودية وحلفاؤها بقيادة روسيا، على خفض إنتاج النفط في أكتوبر الماضي ضد رغبات واشنطن، ما دفع البيت الأبيض إلى اتهام الرياض بالانحياز إلى موسكو.

ويرى محللون، أن المركز المالي القوي -الناتج عن ارتفاع أسعار النفط- يدعم النفوذ العالمي المتنامي للمملكة العربية السعودية، واستعدادها لمقاومة المصالح الأمريكية، حيث يُعد اقتصاد المملكة من أسرع المعدلات على مستوى العالم، بينما تواجه الولايات المتحدة وأوروبا وعديد من الاقتصادات النامية ارتفاعًا في معدلات التضخم والركود.

وبينوا أن "كل ذلك يقوده الاعتقاد الذي يتبناه الأمير محمد بن سلمان، بأن السعودية يجب أن يكون لها نفوذ أكبر على المسرح العالمي، بما يليق بمكانتها كقوة في مجموعة العشرين".

 

أيديولوجية سعودية

قالت كارين يونغ، باحثة أولى في جامعة كولومبيا: "إلى حد كبير، إنها أيديولوجية تمارس للمرة الأولى في السعودية. إنهم يرون العالم بطريقة ناضجة للتأثير والتدخل ولتعزيز مصالح السعودية".

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه طالما رأت الرياض أن أكبر تهديد أمني لها، يأتي من طهران والجماعات المسلحة التي تدعمها في الدول المجاورة، لافتة إلى أن هذا الخطر تعزز بضربات الطائرات من دون طيار والصواريخ على مواقع النفط السعودية عام 2019، التي أوقفت مؤقتًا 5% من إمدادات الطاقة العالمية، لكنها لم تلق ردًا عسكريًا صريحًا من الولايات المتحدة.

وبينت أن الهجوم أثار اعتقاد بن سلمان بأن المملكة العربية السعودية لم يعد بإمكانها الاعتماد على الضمانات الأمنية التاريخية من الولايات المتحدة، التي يشعر هو والقادة العرب الآخرون بالقلق من أنها تركز بشكل أكبر على أجزاء أخرى من العالم.

ولحماية خططه الطموحة للتنمية الاقتصادية، أدرك ولي العهد السعودي أنه بحاجة إلى البحث شرقًا عن شركاء إضافيين، وفقًا لمسؤولين سعوديين.

ففي السنوات الأخيرة، ساعدت الصين، المملكة العربية السعودية في بناء صواريخها البالستية، وقدمت لها استشارات بإمكانية الحصول على برنامج نووي مدني، وشاركت في عدد من الاستثمارات الضخمة، التي يوليها ابن سلمان اهتمامًا خاصًا، مثل المدينة الجديدة المستقبلية "نيوم".

وبينما حثّت الصين، المسؤولين السعوديين على ضرورة إنشاء صناعة دفاعية، وقَّعت روسيا اتفاقية تعاون نووي مع المملكة، وفق الصحيفة الأمريكية.

ورأت الصحيفة، أن النهج الجديد للمملكة العربية السعودية في الشؤون الخارجية، الذي كان -على مدى عقود- يدعم بشدة سياسة الولايات المتحدة، وغير راغب في التحولات الدراماتيكية، بدأ الظهور مع صعود ولي العهد السعودي السريع إلى السلطة.

وأشارت إلى أنه فور صعوده إلى السلطة، تدخل ابن سلمان في الحرب الأهلية اليمنية، ثم انضم إلى جيران المملكة في مقاطعة  قطر، وكانت هناك وقتها أخبار عن ضغطه على رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لتقديم استقالته.

هذه التحركات -وفق الصحيفة- أثارت انتقادات دولية، لكن قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 هو الذي عجّل بدخوله في "عزلة دبلوماسية"، إلا أنها انتهت في يوليو الماضي بزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية، الذي سبق أن تعهد -خلال حملته الانتخابية- بمعاملة المملكة على أنها دولة منبوذة.

دعم أوكرانيا

الشهر الماضي، زار الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل واثنان من نواب الحزب الجمهوري المملكة للقاء ولي العهد.

وحسب الصحيفة، قدمت الحرب في أوكرانيا للسعوديين، ما يرون أنها فرصة لتأكيد مصالحهم، في عالم لا تعد فيه الولايات المتحدة القوة العظمى بلا منازع، مشيرين إلى أنهم يستطيعون دعم أوكرانيا والعمل مع روسيا في أوبك بلس في الوقت نفسه.

وأشارت إلى أنه منذ الخلاف مع واشنطن في أكتوبر، حاول المسؤولون السعوديون نقل موقف أكثر حيادية بشأن الحرب.

فالشهر الماضي، أرسل ابن سلمان وزير خارجيته الأمير فيصل بن فرحان آل سعود إلى كييف، للقاء الرئيس فولوديمير زيلينسكي والإعلان عن مساعدات إنسانية بـ 400 مليون دولار، وبعد أسبوعين، أجرى الوزير السعودي محادثات في موسكو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وعرض المساعدة في التوسط لإنهاء الصراع.

ويرى محللون أن ولي العهد السعودي يستخدم علاقات أوثق بالصين وروسيا لكسب نفوذ لعلاقة أمنية أمريكية أعمق، هناك من يقاومها في واشنطن.

وحسب الصحيفة، لا يزال المسؤولون السعوديون يتفاوضون بشأن الضمانات الأمنية الأمريكية، التي يمكن أن تقنع الرياض -نهاية المطاف- بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو قرار من المحتمل أن يكون بعيدًا بعض الوقت بسبب المقاومة الداخلية، واحتدام الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والمعارضة في واشنطن لتلبية المطالب السعودية.

وترى سينزيا بيانكو، الباحثة الإيطالية المتخصصة في شؤون الخليج والشرق الأوسط، أن السعوديين "يتعاملون مع الجميع -إسرائيل وإيران والصين والولايات المتحدة وروسيا والأوروبيين- ويتسمون بالغموض بشأن ما يريدونه وهدفهم النهائي، ما سبب كثيرًا من الارتباك، حيث يستمر الجميع في التساؤل عما يخططون له".

وحسب مسؤولين سعوديين، فإن ولي العهد قال -في جلسات خاصة- إنه يتوقع أنه من خلال لعب القوى الكبرى ضد بعضها، يمكن للسعودية أن تضغط -نهاية المطاف- على واشنطن للحصول على الأسلحة الأمريكية والتكنولوجيا النووية التي تريدها.

‎وفي ذلك، تقول بيانكو إنه بلا إجراء حاسم من واشنطن، لمنع الرياض من تعميق العلاقات مع الصين وروسيا، من غير المرجح أن يتراجع السعوديون، محذرة من أنه إذا واصل الغرب الادعاء بأن ما يحدث مؤقت، وأنهم يغازلون الآخرين لإعادة العلاقات مع واشنطن، فإن الأمور قد تتفاقم لتصل إلى وضع حد نهائي للنفوذ الغربي في الخليج، بل بمنطقة الشرق الأوسط.