انسحاب روسيا من ليمان.. ماذا يعني وكيف سيؤثر على الحرب الأوكرانية؟

يشكل الاستعادة الكاملة لليمان انتصارًا رئيسًا لكييف، فالمدينة تعد مركز تقاطع مهمًا للسكك الحديد في شرق أوكرانيا.

انسحاب روسيا من ليمان.. ماذا يعني وكيف سيؤثر على الحرب الأوكرانية؟

السياق

بعد قرابة ثمانية أشهر من الأزمة الأوكرانية لم تضع الحرب أوزارها بعد، وسط انسداد طريق السلام بين روسيا وأوكرانيا على خلفية التطورات الأخيرة، التي لوَّحت فيها موسكو بالنووي، فيما أبدت كييف رغبتها في الانضمام إلى الناتو لكسب الحصانة.

وبين التلويح بالنووي والهجوم الأوكراني المضاد، باتت الأزمة الأوكرانية على صفيح ساخن، بعد التطورات الميدانية الأخيرة، والتي حققت فيها كييف «انتصارات» وُصِفت بـ«الإستراتيجية» على موسكو، أبرزها انسحاب الجيش الروسي من بلدة ليمان الإستراتيجية في منطقة دونيتسك بشرقي أوكرانيا، والتي أثار ضمها يوم الجمعة من جانب موسكو عاصفة إدانات دولية، ورفضًا من كييف التي أبدت تصميمها على استعادة كل أراضيها، ما قبل 2014 وليس فقط فبراير/شباط الماضي.

فماذا حدث خلال الساعات الماضية؟

بعد ظهر يوم السبت، أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية، في تغريدة عبر حسابها الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، أن قوات الهجوم الجوي الأوكرانية، دخلت ليمان في منطقة دونيتسك، بعد انسحاب عناصر الجيش الروسي منها.

وقال الجيش الأوكراني، إنه يطوق آلافًا من الجنود الروس في هذه البلدة الواقعة في منطقة دونيتسك التي ضمتها روسيا الجمعة، مشيرًا إلى أن نحو خمسة آلاف أو 5500 روسي، تحصنوا في ليمان ومحيطها خلال الأيام الأخيرة. 

ويظهر مقطع فيديو نشرته وزارة الدفاع الأوكرانية عبر حسابها بـ«تويتر»، جنديين أوكرانيين يلوحان بالعلم الأوكراني باللونَين الأزرق والأصفر والذي علّقاه إلى جانب لافتة كتب عليها «ليمان» عند مدخل المدينة.

وبحسب المقطع المنشور على صفحة وزارة الدفاع الأوكرانية بـ«تويتر»، فإنَّ أحد الجنديَّين قال: «نرفع علمنا الوطني وننصبه في أرضنا»، مشيرًا إلى أن بلدة ليمان ستظل دائمًا جزءًا من أوكرانيا.

فيما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن قواته والتي استعادت السيطرة على مدينة ليمان، ستستعيد الأسبوع المقبل مدنًا أخرى في منطقة دونيتسك، مضيفًا: «خلال هذا الأسبوع، رفعت أعلام أوكرانيّة جديدة فوق دونباس، وسيرفع المزيد من الأعلام خلال الأسبوع المقبل».

وحول رد الفعل الروسي على الانسحاب من مدينة ليمان، قال الرئيس الأوكراني: «لقد بدأوا يهاجم أحدهم الآخَر: إنّهم يفتشون عن مذنبين ويتهمون جنرالات بأنهم أخفقوا. إنّها إشارة الإنذار الأولى التي ينبغي سماعها على كل مستويات الحكومة الروسية».

من جانبه، قال سيرهي شيريفاتي رئيس المجموعة الشرقية من القوات، في تصريحات لمجلة إخبارية أوكرانية: «القوات الروسية في منطقة ليمان مطوقة. تم تحرير مستوطنات يامبيل، ونوفوسيليفكا، وشاندريهولوف، ودروبيشيف، وستافكي»، مشيرًا إلى أنه جارٍ تنفيذ إجراءات تحقيق الاستقرار هناك.

وأوضح شيريفاتي، أن ما بين 5 آلاف إلى 5500 جندي روسي كانوا في ليمان، لكنه أشار إلى أنه من الصعب تقدير عدد القوات في المناطق المحيطة بالبلدة بسبب الحركة السائلة للقوات في مناطق القتال.

ماذا قالت روسيا؟

وزارة الدفاع الروسية قالت في بيان صادر عنها، إنه «بعد تهديد عناصرها بالتطويق، قررت سحب القوات الحليفة من ليمان إلى خطوط ملائمة أكثر. 

وقالت قناة «روسيا 24» الناطق الإعلامي الحكومي الروسي، إن «سبب انسحاب روسيا هو استخدام العدو لمدفعية غربية الصنع ومعلومات استخباراتية من دول تحالف شمال الأطلسي».

وأمام الإخفاق الروسي في السيطرة على مدينة ليمان، أدان رئيس جمهورية الشيشان الروسيّة رمضان قديروف بما وصفه بـ«المحسوبية السائدة في الجيش الروسي»، داعيًا موسكو إلى استخدام أسلحة نووية محدودة القدرة في أوكرانيا، من دون أخذ المجتمع الغربي الأمريكي في الاعتبار.

يفغيني بريغوزين رجل أعمال مقرب من بوتين يقود مجموعة فاغنر - جيش من المرتزقة الذين يقاتلون من أجل روسيا في الحرب - أصدر بيانًا بعد ساعة يتفق مع قاديروف، مطالبًا باستخدام الأسلحة النووية.

وقال بريغوزين، في إشارة واضحة إلى القادة العسكريين الروس: «أرسل كل هذه القطع من القمامة حافي القدمين بالبنادق الآلية مباشرة إلى الأمام».

ماذا يعني انسحاب روسيا؟

يشكل الاستعادة الكاملة لليمان انتصارًا رئيسًا لكييف، فالمدينة تعد مركز تقاطع مهمًا للسكك الحديد في شرق أوكرانيا.

وفيما يعتبر الاستيلاء على ليمان انتصارًا إستراتيجيًا مهمًا لأوكرانيا، قال شيريفتي، إن القتال لتحرير المدينة بالكامل لم ينته بعد، مشيرًا إلى أن ليمان عملت كمركز رئيس للخدمات اللوجستية والنقل للقوات الروسية وعملياتها في شمال دونيتسك.

ويعد تأمين المدينة أكبر انتصار لأوكرانيا في ساحة المعركة منذ أن أجبرت القوات الروسية على الانسحاب من منطقة خاركيف بأكملها تقريبًا في هجوم مضاد كبير الشهر الماضي، بحسب شبكة «فوكس نيوز» الأمريكية.

وتطل ليمان على ضفاف نهر Siversky Donets المتعرج، والذي كان بمثابة تقسيم طبيعي بين الخطوط الأمامية الروسية والأوكرانية منذ أن استولت القوات الروسية على المدينة في مايو/أيار الماضي، إلا أن استعادة القوات الأوكرانية للمدينة سيوفر موطئ قدم إستراتيجي لمزيد من التقدم في منطقة دونباس التي لطالما كانت محور أهداف بوتين، بحسب «نيويورك تايمز».

وقالت الصحيفة الأمريكية، إن السيطرة على ليمان سيضع ضغوطًا إضافية على الكرملين، الذي واجه رد فعل سلبيًّا في الداخل بسبب تجنيد مئات الآلاف من الرجال للقتال في أوكرانيا.

وبحسب «نيويورك تايمز»، فإن استعادة أوكرانيا لليمان ستجعل المعركة من أجل تحرير منطقة دونباس في مرحلة جديدة، مما يترك سيطرة روسيا على المنطقة غير مؤكدة، فيما أصبح الأوكرانيون الآن في وضع يسمح لهم باستعادة الأراضي قبل حلول فصل الشتاء.

ماذا بعد؟

حاولت أوكرانيا استغلال زيارة وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرشت المفاجئة إلى كييف، والتي تعد الأولى منذ العملية العسكرية الروسية، لطلب المزيد من الأسلحة وخاصة الدبابات القتالية. 

في السياق نفسه، أعلنت كييف رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية، داعية المحكمة إلى النظر في قضية ضم روسيا لأربع مناطق أوكرانية في أقرب وقت، فيما أعلن الرئيس الأوكراني أنه سيتوقع ترشح أوكرانيا لانضمام سريع إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وعن الانضمام للناتو، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن بلاده وكندا تؤيدان انضمام كييف، مضيفًا: «نؤيد بقوة انضمام الدول التي ترغب في ذلك والتي يمكنها المساهمة بقدراتها»، إلا أنه استدرك بقوله: «هناك آلية لتحقيق ذلك، وستواصل الدول اتباعها»، في إشارة إلى شرط موافقة الدول الأعضاء في الحلف على انضمام أي عضو جديد.

وتعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بدعم جهود أوكرانيا لاستعادة السيطرة على أراضيها، مشيرًا إلى أن الرئيس الروسي لن يرهب الولايات المتحدة وحلفاءها.

ويشير النقد الصريح من قبل الشخصيات المؤثرة في المجهود الحربي الروسي كالزعيم الشيشاني إلى أن بوتين سيواجه الآن المزيد من الضغط من الصقور في دائرته الداخلية لتصعيد الحرب.

إلا أنه مع ذلك، فإن القوات الروسية التي كانت حينما تخسر معركة على الأرض، تطلق وابلًا من الصواريخ والطائرات بدون طيار والضربات الصاروخية من الجو، لم تفعل ذلك.