صعود اليمين المتطرف.. هل تلفظ أوروبا الإخوان؟
فرضية استخدام الحكومات للإسلام السياسي كحزام صد مزدوجٍ ضد تنظيمي داعش والقاعدة والجماعات الجهادية، أصبحت فكرة مستهلكة وغير واردة في الوقت الحاضر.

السياق
تحت شعار "الله- الوطن- العائلة"، حققت جورجينا ميلوني زعيمة اليمين المتطرف، نجاحًا كبيرًا في الانتخابات التشريعية بإيطاليا الإثنين الماضي، لتبدأ معها أوروبا حقبة سياسية جديدة، لم تعهدها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وبحسب مراقبين فإن تمكن اليمين الشعبوي الصاعد في غرب أوروبا تحديدًا سيضع نصب عينيه أولوية "محاربة الإسلام السياسي"، وأيضًا مواجهة الهجرة والتغيير الديمغرافي، بحسب مراقبين.
الصعود السياسي لليمين المتطرف في إيطاليا، يحمل العديد من المخاوف لدى كتل الإسلام السياسي وتحديدًا الإخوان في أوروبا، لأن صلب عقيدته الحالية مناهضة الهجرة وما وصفوه بـ"أسلمة المجتمعات الأوروبية".
"الخريف الديموغرافي"
يشار هنا إلى البرنامج الانتخابي لرئيسة وزراء إيطاليا المنتخبة جورجينا ميلوني والذي ركّز على ضرورة إغلاق الحدود الإيطالية لحماية البلاد من "الأسلمة"، ومحاربة ما أسمته "الخريف الديمغرافي".
وفي السويد أيضًا، حصل تكتل اليمين المتطرف على 176 مقعدًا في البرلمان مقابل 173 مقعدًا للتكتل اليساري، وهو التكتل الذي يمثل تيارًا رافضًا للمهاجرين والتشدد ضد الإسلام السياسي.
ويبدو أن أوروبا على موعد مع إستراتيجية ونهج جديد، يعتقد خبراء أنه سيكون موجهًا ضد الإسلام السياسي والإخوان تحديدًا، باعتبارهم قناة للجوء والهجرة غير الشرعية، والتي نتج عنها خلل ديموغرافي، بحسب وصفهم.
هذا النهج، بدأت ملامحه في صعود التيار اليميني بأوروبا في الآونة الأخيرة، ففي سبتمبر 2021، حصل حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليمني على نحو 10% من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كما حصلت ماري لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني في فرنسا، المناهضة للمهاجرين، على نحو 41% بالجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية.
وبعدها بنحو شهرين حصل حزب التجمع الوطني اليميني الفرنسي على 89 مقعدًا بالانتخابات الفرنسية البرلمانية.
على ضوء التطورات السابقة، بات هنا تساؤل مهم حول مصير جماعة الإخوان في أوروبا، خصوصًا أن التقارير الأمنية في العديد من الدول أكدت ضلوعها في عمليات إرهابية بشكل أو بآخر، فضلًا عن دورها في نشر التطرف، وظهور حالات عنف على أساس إثني وديني في مجتمعات كانت تصنف مسالمة، مثل السويد.
"العداء للإسلام"
حسام حسن الباحث في جامعة فيينا يقول لـ"السياق"، إن اليمين المتطرف أو الأحزاب الشعبوية معروفة بعدائها للإسلام السياسي بصفة عامة والإخوان بصفة خاصة.
وكشف حسن عن أن حزب اليمين المتطرف في ألمانيا المعروف بـ"البديل لأجل ألمانيا"، يلعب في الفترة الحالية دورًا في الضغط على الحكومة الألمانية لاتخاذ خطوات ضد "الإسلام السياسي"، إذ تقدم الحزب بمشروع قرار لمكافحة تمويل جمعياته، وتقدم أيضًا بطلبي إحاطة حول أنشطة التنظيمات المنتمية لهذا التيار.
لكن، يرى الباحث في جامعة فيينا، أنه لا يمكن التعويل بأي حال على اليمين المتطرف في مكافحة الإسلام السياسي، لأنه لا يضع حدًّا فاصلًا بين هذا التيار والإسلام كدين.
وأوضح أن دور اليمين المتطرف في مكافحة الإسلاموية يمكن في نتائج عكسية نتيجة هذا الخلط، وذلك عبر تغذية العداء للإسلام والمسلمين بصفة عامة.
لذا، يرى حسن أن اليمين المتطرف ليس الطرف الأفضل لمواجهة الإسلام السياسي، ويجب ألا تترك الأحزاب المعتدلة هذا الدور لليمين المتطرف.
ونوه الباحث في جامعة فيينا، أن الإسلام السياسي والإسلاموفوبيا ظاهرتان مرتبطان بشكل كبير، ولا يمكن مواجهة إحداهما على حساب الأخرى.
وطالب بوضع تعريف واضح للإسلام السياسي كتيار متطرف حتى لا يتم لصق أي فعل متطرف بالإسلام نفسه، ثم بعد ذلك التعاطي مع الإسلام السياسي ومكافحته على يد التيارات والأحزاب الديمقراطية وليس اليمين المتطرف، لتجنب أي نتائج عكسية.
تضييق متوقع
من جانبه، توقع الدكتور جاسم محمد رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بألمانيا في تصريحاته لـ"السياق"، أن يتم التضييق على جماعة الإخوان في أوروبا مع صعود اليمين المتطرف.
وشدد جاسم على أن فرضية استخدام تلك الحكومات للإسلام السياسي كحزام صدّ مزدوج ضد تنظيمي داعش والقاعدة والجماعات الجهادية، أصبحت فكرة مستهلكة وغير واردة في الوقت الحاضر.
ولفت إلى أنها تتعارض أيضًا مع القوانين والسياسات الجديدة التي طرحتها دول أوروبا، فيما عدا ذلك نجد أن ألمانيا ودول أوروبا تعيش الآن وضعًا أمنيًّا مستريحًا؛ فهي ليست في حاجة إلى إيجاد حزام صد من قبل الإسلام السياسي في سبيل الحد من أنشطة الجماعات الجهادية، وهو أمر مستبعد جدًا في الوقت الحاضر.
وفيما يتعلق بأسباب صعود اليمين المتطرف في إيطاليا وأوروبا بشكل عام، أوضح رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بألمانيا، أنه كان أمرًا متوقعًا.
وقال إن أوروبا تعيش الآن في مرحلة يجتاح فيها اليمين المتطرف القارة العجوز سياسيًا، بالتوازي مع اجتياح التيارات الشعبوية، فكان سابقًا هناك تيارات شعبوية على مستوى الشارع الأوروبي، لكن الآن نحن أمام اجتياح إلى البرلمانات والحكومات.
وأرجع السبب هنا إلى الوضع الاقتصادي وسوء سياسات دول أوروبا في معالجة الأوضاع الاقتصادية.
ونوَّه بأن دول أوروبا فشلت في معالجة ملف الهجرة واللجوء، لذلك تجد أن الأحزاب السياسية اليمنية المتطرفة تستفيد من فشل سياسات الحكومات الأوروبية في مجال المعالجات الحقيقية للوضع الاقتصادي وكذلك فهذه الجماعات المتطرفة تستغل على المستوي السياسي التغيرات ونقص السياسات عند الحكومات خاصة في ملف الهجرة واللجوء.