روسيا تبدأ سحب قواتها من حدود أوكرانيا.. مناورة أم إعلان نهاية الأزمة؟
أعلنت روسيا أن بعض الوحدات المشاركة في التدريبات العسكرية ستبدأ العودة إلى قواعدها، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من الغموض بشأن نية روسيا وكيف ستنتهي الأزمة بشأن أوكرانيا؟

السياق
بعد أيام من حرب البيانات والمعلومات، التي أشارت إلى قرب غزو روسيا لأوكرانيا، بل إنها حددت من السادس عشر من فبراير الجاري، موعدًا له، بدأت بعض الوحدات الروسية -المشاركة في التدريبات العسكرية- العودة إلى قواعدها، ما يمنح بارقة أمل في أن الكرملين ربما لا يخطط لغزو أوكرانيا قريبًا.
وبينما لم تذكر موسكو تفاصيل عن مكان انسحاب القوات ولا عددها، استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المستشار الألماني أولاف شولتز ببوتين اليوم الثلاثاء، بعدما أشار الكرملين إلى أنه لا يزال من الممكن للدبلوماسية تجنُّب ما قال مسؤولون غربيون إنه قد يكون غزوًا وشيكًا لأوكرانيا.
وفي إشارة أخرى محتملة، إلى أن الكرملين يرغب في خفض التصعيد، أعلنت روسيا أن بعض الوحدات المشاركة في التدريبات العسكرية ستبدأ العودة إلى قواعدها، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من الغموض بشأن نية روسيا وكيف ستنتهي الأزمة بشأن أوكرانيا.
الحكومة الروسية
وزارة الدفاع الروسية أعلنت أن بعض الوحدات المشاركة في التدريبات ستبدأ العودة إلى قواعدها، بحسب وكالة أسوشتيد برس، التي قالت إنه لم يتضح على الفور مكان نشر هذه القوات، ولا عدد المغادرين.
جاءت هذه الأنباء بعد يوم من تصريحات لمسؤولين غربيين، أكدوا فيها أن بعض القوات والمعدات العسكرية كانت تتجه نحو الحدود، ما أدى إلى تشويش الصورة، بينما تنفي روسيا أن لديها أي خطط لغزو أوكرانيا، رغم وضع قوات على حدود أوكرانيا في الشمال والجنوب والشرق، وإطلاق مناورات عسكرية مكثفة في مكان قريب.
وبينما تقول روسيا، التي حشدت أكثر من 130 ألف جندي بالقرب من أوكرانيا، إن بعض القوات تنسحب وسط أزمة أوكرانيا، وافقت الولايات المتحدة على أنه لا يزال هناك احتمال لمسار دبلوماسي للخروج، إلا أن واشنطن ولندن وحلفاء آخرين استمروا في تحذيراتهم، من أن تلك القوات يمكن أن تتحرك في أوكرانيا في أي لحظة.
وفي اجتماع مع بوتين الاثنين، أشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، إلى أن روسيا مستعدة لمواصلة الحديث عن المظالم الأمنية التي أدت إلى الأزمة.
وردا على سؤال عن عودة القوات إلى القواعد الدائمة بعد التدريبات، شدد لافروف على أن «روسيا تجري مناورات عسكرية على أراضيها، ووفقًا لخططها الخاصة، فإنها تبدأ وتستمر وتنتهي كما هو مخطط لها»، إلا أن قادة أوكرانيا عبروا عن شكوكهم.
الجبهة الدبلوماسية
جهود دبلوماسية، يبذلها المستشار الألماني أولاف شولتز بلقائه ببوتين في موسكو، بعد يوم من زيارته للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف، في محاولة لإبداء تضامن برلين مع بلاده.
ويوم الاثنين، طالب شولتز روسيا بـ«خطوات واضحة لتهدئة التوترات الحالية»، مشددًا على الوحدة الغربية في الاستعداد لفرض عقوبات صارمة، إذا توغلت روسيا أكثر في أوكرانيا.
وقال شولز: «نحن في وضع يسمح لنا -في أي يوم- باتخاذ القرارات اللازمة(..) ينبغي ألا يشك أحد في تصميم واستعداد الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وألمانيا والولايات المتحدة، على سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بما يجب القيام به، إذا كان هناك عدوان عسكري ضد أوكرانيا(..) سنتصرف بعد ذلك، وستكون هناك إجراءات بعيدة المدى، سيكون لها تأثير كبير في احتمالات التنمية الاقتصادية لروسيا».
والتقى وزير الخارجية البولندي زبيغنيو راو، الذي يرأس حاليًا منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، لافروف في موسكو، قائلًا إن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عرضت إجراء محادثات متعددة الأطراف لتخفيف التوترات، كما استضاف وزير خارجية أوكرانيا نظيره الإيطالي.
وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا: «تُصدر روسيا باستمرار بيانات مختلفة(..) لهذا السبب لدينا قاعدة بأننا لن نصدق ما نسمع، سنؤمن عندما نرى، فعندما نرى القوات تنسحب، سنؤمن بوقف التصعيد».
المشرعون الروس
مشرعون روس، دعوا بوتين إلى الاعتراف بالمناطق التي يسيطر عليها المتمردون شرقي أوكرانيا، وهما جمهوريتا دونيتسك ولوهانسك الشعبيتان، اللتان تعدان دولتين مستقلتين.
وفي هذا الإطار، صوَّت مجلس الدوما، (مجلس النواب بالبرلمان الروسي) على تقديم نداء إلى بوتين بهذا المعنى، قدَّمه الحزب الشيوعي الروسي.
وبينما لا تفي كييف باتفاقات مينسك، التي أبرمت بوساطة ألمانيا وفرنسا، في محاولة لإحلال السلام شرقي أوكرانيا، قال المتحدث باسم مجلس دوما الدولة فياتشيسلاف فولودين في برقية: «مواطنونا الذين يعيشون في دونباس يحتاجون إلى المساعدة والدعم».
وبينما أكد فولودين أن الوثيقة ستقدم إلى بوتين على الفور، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن مسألة الاعتراف بالجمهوريات المعلنة من جانب واحد «مهمة جدًا جدًا للجمهور». لكن لم تتضح العواقب التي قد تترتب على التصويت.
حلفاء الناتو
وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، قالت إن الغزو الروسي لأوكرانيا «قد يكون وشيكـًا»، لكن لا يزال هناك متسع من الوقت لبوتين «للابتعاد عن حافة الهاوية».
وقالت تروس، قبل إعلان روسيا سحب بعض الوحدات العسكرية: «نعتقد أن فلاديمير بوتين لم يتخذ قرارًا بشأن غزو أوكرانيا. نعتقد أنه من المرجح للغاية».
وأشارت إلى أنه بينما توجد أعداد ضخمة من القوات على الحدود، في وضع يسمح لهم بمهاجمة وشيكة، لا يزال بإمكان بوتين تغيير رأيه، وهذا هو سبب أهمية الدبلوماسية»، مؤكدة أن الغزو قد يشمل «هجومًا على كييف إضافة إلى هجوم من الشرق».
وأضافت: «ما نتوقعه خلال الأيام القليلة المقبلة، أنه قد تكون هناك محاولة لعملية علم كاذب لاختلاق ذريعة للادعاء بأن الأوكرانيين يهاجمونهم، حتى يكون لدى الروس تبرير لغزو أوكرانيا».
وقبل ساعات من بيان وزارة الدفاع الروسية بشأن القوات، قال مسؤول دفاعي أمريكي، إن الوحدات الروسية تقترب أكثر من الحدود الأوكرانية وليس بعيدًا عنها، بينما واصل المسؤولون الغربيون تحذيرهم، من أن الجيش الروسي قد يهاجم في أي وقت، مع اعتبار البعض الأربعاء يوم غزو محتمل.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه روسيا، إعادة بعض الوحدات إلى قواعدها، قالت وزيرة الخارجية النرويجية أنيكين هويتفلدت من أوسلو، إن «هجومًا روسيًا على أوكرانيا قد يكون وشيكًا».
بينما قال وزير الدفاع أود روجر إينوكسن، إن النرويج تعزز مساهمتها في ليتوانيا، بما يتراوح بين 50 و60 جنديًا لتعزيز وجود الحلفاء في دول البلطيق، مشيرًا إلى أنه سيتم إرسال الوحدة إلى هناك لمدة ثلاثة أشهر، مع إمكانية التمديد.
ماذ يحدث على الأرض؟
Maxar Technologies، وهي شركة تجارية لتصوير الأقمار الصناعية، كانت تراقب التعزيزات الروسية، أبلغت بزيادة النشاط العسكري الروسي في بيلاروسيا والقرم وغربي روسيا.
وأشارت إلى وصول طائرات الهليكوبتر وطائرات الهجوم الأرضي والطائرات المقاتلة القاذفة إلى المواقع الأمامية، بينما تُظهر الصور التي التُقطت على مدى 48 ساعة أيضًا، أن القوات البرية تركت حامياتها ووحداتها القتالية في تشكيل قافلة.
المواطنون في موسكو
بينما حذرت الولايات المتحدة، من أن روسيا يمكن أن تغزو أوكرانيا في أي يوم، فإن قرع طبول الحرب لم يُسمع في موسكو، والنقاد والناس العاديون على حد سواء، لا يتوقعون أن يهاجم بوتين جار روسيا السوفييتي السابق.
وفي منطقة بيلغورود الروسية، على بعد 30 كيلومترًا (18 ميلاً) من الحدود الأوكرانية، يواصل السكان حياتهم كالمعتاد، حتى مع مرور المزيد من العسكريين في شوارع القرى.
وقال فلاديمير كونوفالينكو: «بدأت الطائرات والمروحيات التحليق، على ما أعتقد، للقيام بدوريات على الحدود»، بينما قالت القروية لودميلا نيكفولود إنها ليست قلقة.
وأضافت: «نحن أصدقاء أوكرانيا، ولسنا متأكدين من أن أوكرانيا تريد الحرب معنا(..) نحن بالفعل على الحدود، لدينا أقارب هنا وهناك، ولا أحد يريد الحرب».
ووصف الكرملين تحذيرات الولايات المتحدة من هجوم وشيك بأنها «هستيرية وعبثية»، بينما يعتقد العديد من الروس أن واشنطن تتعمد إثارة الذعر والتوترات، لإثارة الصراع لأسباب داخلية.
وتقول «أسوشيتيد برس»، إن خطاب بوتين الغاضب بشأن خطط الناتو للتوسع إلى عتبة روسيا، ورفضه سماع مخاوف موسكو، ضربا وتراً حساساً لدى الجمهور، مستفيداً من إحساس بالخيانة من الغرب، بعد نهاية الحرب الباردة والشكوك في المخططات الغربية.
وتريد موسكو ضمانات بأن "الناتو" لن يسمح لأوكرانيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق بالانضمام كأعضاء، كما تريد من التحالف وقف نشر الأسلحة في أوكرانيا، ودحر قواته من أوروبا الشرقية.