سياساته أسهمت في تعميقها.. الأزمة الاقتصادية تهدد حكم أردوغان
أرجعت واشنطن بوست استمرار المعاناة الاقتصادية في تركيا، إلى إصرار أردوغان على الانفراد بالسلطة، إذ يتدخل في تعيين المسؤولين من عمداء الجامعات إلى قضاة المحاكم.

ترجمات - السياق
بينما يواجه الرئيس رجب طيب أردوغان، أسوأ أزمة اقتصادية في تركيا منذ ما يقرب من 20 عامًا، فإنه لم يعد بجانبه سوى عدد قليل من الخبراء، بسبب أسلوبه في الانفراد بالسلطة، بشكل ترك المؤسسات المالية التي استعان بها، على الهامش أو فارغة من الخبراء.
وقالت "واشنطت بوست"، في تقرير، إن النمو الاقتصادي ساعد أردوغان في البقاء بالسلطة، لكن الخبراء الذين أسهموا في تقوية النمو ذهبوا منذ وقت ليس بقريب، وبقي أردوغان وحده للتعامل معه.
وأضافت أن رؤساء البنك المركزي والوزراء الذين كانوا يطرحون أسئلة عن الاستراتيجيات الاقتصادية المشكوك فيها، ذهبوا وحل محلهم عدد من المسؤولين الذين لا يطرحون إلا أسئلة قليلة ويقولون ببساطة نعم.
كان البنك المركزي التركي -بضغط من أردوغان رغم ارتفاع حاد في التضخم- خفض أسعار الفائدة 500 نقطة أساس منذ سبتمبر، ما أشعل فتيل أزمة عملة تراجعت الليرة إثرها الشهر الماضي إلى 18.4 أمام الدولار، وهو أدنى مستوى لها على الإطلاق.
ومؤخرًا، سجلت الليرة التركية هبوطًا جماعيًا، مقابل عدد كبير من العملات الأجنبية، بعد صعود لم يدم طويلًا، حيث سجل الدولار سعر 13.57 ليرة مقابل 13.53 ، بنسبة ارتفاع 0.35%.
أسوأ أزمة اقتصادية
وذكرت "واشنطن بوست" أن حدة الأزمة الاقتصادية زادت هذا الشهر، عندما أعلنت الحكومة أن التضخم وصل إلى 36.1% وهي أعلى نسبة منذ عام 2002، ما أضر بشدة بدخل الفرد، خاصة لدى الطبقتين العاملة والمتوسطة الدنيا من الأتراك، وهم يشكلون القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان.
وأشارت إلى أن ذلك جاء نتيجة التراجع المتسارع في قيمة العملة التركية، التي خسرت نحو 40% من سعرها العام الماضي، بسبب دفع أردوغان تخفيض سعر الفائدة لاعتقاده -غير التقليدي- بأن ذلك سيؤدي إلى خفض الأسعار.
وأرجعت "واشنطن بوست" استمرار المعاناة الاقتصادية في تركيا، إلى إصرار أردوغان على الانفراد بالسلطة، إذ يتدخل في تعيين المسؤولين من عمداء الجامعات إلى قضاة المحاكم.
لكن هذه السلطة الواسعة لم تكن عاملًا مساعدًا، عندما يتعلق الأمر بالمهمة الحساسة، إدارة اقتصاد تركيا، الذي يحتاج في الوقت الحالي إلى خبرات قادرة على تطمين الأسواق العالمية والمستثمرين، لا المهارات السياسية والميول الديكتاتورية، التي ساعدت أردوغان في التفوق على معارضيه.
وأشارت إلى أن هيمنة أردوغان على السياسة الاقتصادية، قد تصبح عائقاً أمامه قبل الانتخابات المقررة العام المقبل، إذ إنه في دراسة مسحية أعدتها شركة الاستطلاعات "ميتروبول" قال 75% من الناخبين إنهم فقدوا الثقة بسياسات الحكومة.
إطاحة أردوغان
ورأت "واشنطن بوست" أنه مع تضرر الاقتصاد التركي ، كثف معارضو أردوغان جهودهم لإطاحته.
وقالت إن أردوغان يناقض نفسه، فبعد أن كان يعود لاستشارة الخبراء المتخصصين في شؤون الإصلاح والتعامل مع مشكلات الاقتصاد من التكنوقراط، ينفرد الآن بالسلطة ولا يستشير أحدًا.
ونقلت "واشنطن بوست" عن هاكان كارا، كبير الاقتصاديين السابق في البنك المركزي التركي، الذي غادر منصبه قبل عامين ويحاضر الآن في جامعة بيلكنت في أنقرة، قوله: "إن المؤسسات موجودة لكي تقول الحقيقة للسياسيين"، مضيفًا: كانت هناك "عمليات فحص ورقابة صحية منعت الحكومة من اتخاذ القرارات الخاطئة"، مشيرًا إلى أن هذا النوع "من التفاعل بات ضعيفًا جدًا".
وحسب الصحيفة، يرى الاقتصاديون المتمرسون أنهم على غير علم بمن يمد الرئيس بالنصيحة وإلى أين يتجه الاقتصاد، مشيرة إلى أنه عزل ثلاثة رؤساء للبنك المركزي خلال العامين الماضيين، مع مسؤولين فيه عارضوا سياسات أردوغان في تخفيض سعر الفائدة.
ونقلت الصحيفة أيضًا عن سيلفا ديمرلاب، الاقتصادية بجامعة كوتش باسطنبول والاقتصادية السابقة في مجلس الاحتياط الفدرالي الأمريكي، قولها: إن عمليات العزل هذه كانت جزءًا من الضغوط على البنك المركزي، التي تزايدت العقد الماضي وترافقت مع دعوات الرئيس المستمرة لخفض سعر الفائدة.
وأضافت: "رأينا تآكل الاستقلالية، وزاد الضغط السياسي والتضخم الذي ينحرف عن الأهداف".
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن تركيا شهدت منذ عام 2018 أربعة وزراء مالية وخزانة، بمن فيهم صهر الرئيس، وآخرهم نور الدين نباتي الذي عُين في ديسمبر، ويعد مواليًا للرئيس، وأصدر تصريحات أثارت الدهشة، بما فيها زعمه بمقابلة تلفزيونية أن الاحتياطي الفدرالي الأمريكي تديره خمس عائلات.
اعترافات أردوغان
وذكرت الصحيفة إلى أن أردوغان اعترف بمعاناة الأتراك، نتيجة لزيادة التضخم ووصفها بالمشكلة، لكنه أكد أن البلد في وضع أفضل من بقية الدول، وأن السياسات الاقتصادية التي يتبناها صحيحة، لكن الخبراء يرون أن الاقتصاد التركي تعرَّض على يديه لصدمات خارجة عن سيطرته ومفروضة عليه، بما في ذلك وباء كورونا والخلاف السياسي الذي أدى إلى حرب تجارية مع الولايات المتحدة.
كان أردوغان أخبر أعضاء الحزب الحاكم "العدالة والتنمية" الأسبوع الماضي بأنه "من الواضح أن هناك انتفاخًا في التضخم، كما في سعر الصرف الذي لا يتناسب مع واقع بلدنا واقتصادها".
وأشارت الصحيفة، إلى أن هذه الإجراءات الطارئة التي اتخذتها الحكومة، أدت إلى استعادة العملة بعض قيمتها أمام الدولار، لكن التصريحات الأخيرة من أردوغان ووزير المالية الجديد، تقترح خفضًا لسعر الفائدة، ولا يعرف إن كان ذلك سيعيد الثقة المتضررة أم لا.
وأضافت أنه بالنسبة للبعض فإن الإشارات الأخيرة من الحكومة، تثير المزيد من الأسئلة عن معتقدات الرئيس الاقتصادية، إذ تتساءل ديمرلاب: "لديك نظرية تقول إن عليك تخفيض سعر الفائدة لمواجهة التضخم، ثم تقول إنك ستوقف خفض سعر الفائدة في وقت وصل فيه التضخم إلى 36% فهل يعيد التوقف الثقة؟".
وذكرت "واشنطن بوست" أن النقطة المحورية في انهيار الاقتصاد التركي، جاءت بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016 التي تبعتها سلسلة من الاعتقالات وتطهير المؤسسات من المعارضين، وتعليقًا على ذلك قال هاكان كارا: "لقد أصبحت السلطة مركزية بدرجة كبيرة".
وأوضحت أن أردوغان قدَّم الأزمة الاقتصادية الحالية على أنها خطوات محسوبة لتعزيز التصدير القائم على النمو والحصول على القروض وتخفيض العجز الحالي، مشيرة إلى أنها كانت محاولة لجذب الناخبين قبل انتخابات 2023.
وتعليقًا على ذلك، قالت ديميرلاب: "لا أحد يعارض فكرة أن يتحول اقتصاد تركيا لدرجة الاكتفاء الذاتي"، مضيفة أن مساهمة التصدير في الاقتصاد متدنية جدًا، وأن تحسين مستوى الحساب الحالي يحتاج إلى إبداع لا سياسة مالية.